الفقه والمجتمع (فقه الصاغة (القسم الأول))

| |عدد القراءات : 2671
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الفقه والمجتمع

 

فقه الصاغة (القسم الأول)

 

س1: ما يدعى بـ(الفرق) أو (النسبة) في عرف أصحاب هذه المهنة وفي سوق الصاغة عموماً وهي (ما يحصل من نقص للذهب نتيجة الصياغة والعمل وسقوط البرادة على الأرضية يأخذها صاحب الورشة للتعويض تحسباً من النقص) فهل يجوز التعامل به في الصور التالية:

 

بأن يستلم صاحب الورشة 100 غم مثلاً من التاجر عيار 21 (ويسمى بالخشالة) ويسلمه 97 غم المصوغات عيار 21 أيضاً؟

 

بأن يستلم 100 غم من الذهب النقي (الرمل العادي او المحروق بحسب نقاوة التصفية) ويسلم للتاجر عيار 21 مصوغات بوزن 104 غم مع حساب الفرق طبعاً؟

 

بأن يستلم (50 غم رمل+ 50غم عيار 18) ويسلم للتاجر ذهب مصاغ عيار 21 مع نسبة الفرق باعتبار أن ذهب عيار 24+18/2=21؟

 

هل يختلف في ذلك المسلم مع غير المسلم؟

 

بسمه تعالى:

 

هذه المعاوضة ربوية لتحقق شروط الربا وهي كون العين (وهو الذهب في السؤال) من الموزونات (أي يباع بالوزن) وحصول التفاضل (أي الفرق في التعامل ) وكون العوضين (المباع والمشترى) من جنس واحد فهي معاملة محرمة، والربا من الكبائر التي وعد الله عليها النار وتحل المشكلة بإجراء معاوضتين بدل الواحدة فيبيع له الذهب المصوغ وهو 97 غم بسعر معين فهذه المعاملة الاولى ثم يشتري بذلك الثمن 100 غم من الخشالة او بالعكس فتتحقق النتيجة نفسها بطريق مشروع، لا يقال ان هذه حيلة لم تغير من الواقع شيئاً فإن السؤال نفسه وجّه الى الامام عليه السلام فأجاب: (نِعمَ الشيء (الحيلة) الفرار من الحرام الى الحلال) وكثير من التصرفات تؤدي نفس النتيجة لكن بعض وسائلها محرمة والأخرى محللة كالفرق بين النكاح والزنا.

 

نفس المشكلة السابقة ويجري عليها نفس الحل اللهم إلا أن يقال ان الجنس غير متّحد فينتفي أحد شروط الربا لكن أهل الاختصاص يرون اتحاد الجنس فكلاهما يسمى (ذهبا).

 

نفس المشكلة السابقة بسبب وجود الفرق المعبَّر عنه فقهياً (بالتفاضل) ومع وجود الحل المذكور أعلاه لا تبقى مشكلة في ابتياعه.

 

نعم يوجد فرق فقد استثنى الفقهاء من حرمة الربا موارد احدها بين المسلم وغيره بشرط ان تكون الزيادة لمصلحة المسلم باعتبار ان غير المسلم لا يرى مانعاً من ممارسة هذه المعاملة فنحن نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم.

 

س2: هل يجوز لصاحب الورشة ان يستلم ذهب عيار 21 ويسلم عيار 18 مع اختلاف الوزن طبعاً (وبغضّ النظر عن نسبة الفرق) او بالعكس او انه يستلم ذهب نقي (رمل) ويعطي بدله مصوغات عيار 21 بوزن مختلف، فهل:

 

هذه المعاملة صحيحة؟

 

وما هو الحل الشرعي البديل؟

 

وهل يجوز ذلك مع غير المسلم؟

 

وكحل شرعي مطروح لصاحب الورشة بان يستلم الذهب (الرمل) من التاجر بوزن معين وبعد صهره وخلطه بما يناسبه من النحاس للحصول على ذهب عيار 21 يخرج بوزن معين (بشكل سبيكة) ويعتبر بالاتفاق مع التاجر بأن هذا الوزن النهائي هو الذي استلمه من التاجر حتى يكون عند التسليم مطابقاً في الوزن والعيار؟

 

بسمه تعالى: ما دام العيار مختلفاً فإذن يوجد في كل منهما عدة حبات من جنس آخر غير الذهب تكون بمثابة الضميمة التي تصحح المعاوضات على الجنس الواحد بشرط ان تكون الضميمة مع الأقل فيمكن أن يبيع 8 كيلو حنطة ومنديل بـ 10 كيلو حنطة لكن في اعتبار هذه الحبات من الضميمة أكثر من إشكال:

 

أولاً: انها غير معتد بها ويشترط بعض الفقهاء ان تكون للضميمة قيمة تصح جعلها مقابل الفرق.

 

ثانياً: ان مثل هذه الضميمة غير ملتفت اليها بحيث ان البائع والمشتري غير ملتفت الى انه يبيع مادتين الذهب والرصاص او النحاس المخلوط معه بل هو ينظر الى انه يبيع مادة واحدة هي الذهب وكذا الطرف الآخر، فيتحقق عنوان اتحاد الجنس الموجب للربا لذا فالاحتياط بالاجتناب لا يُترك.

 

تحل المشكلة بتحليل المعاوضة الواحدة الى معاوضتين كما شرحناه أعلاه.

 

نعم يجوز اجراء المعاملة مع غير المسلم لما ذكرناه أعلاه.

 

مع وجود الحل أعلاه لا نحتاج الى هذا الحل.

 

س3: اصحاب المعرض يقومون بشراء الذهب القديم الخشالة ثم يقوم بغسله وتلميعه ثم يبيعه للمواطن بأجور صياغة اضافية مع نسبة الفرق مع العلم بأنه لم يخسر شيئاً من ذلك ولم يعط بأزائه لصاحب الورشة نسبة فرق، فالسؤال:

 

ما وجه الصحة في ذلك؟

 

ما حلّـية الاموال المأخوذة بأزائه؟

 

ما هو الحل الشرعي البديل؟

 

بسمه تعالى: هذا من الغش لأن المشتري إنما يدفع الثمن ذهب (جامة) أي غير مستعمل والغش حرام، نعم يستطيع البائع ان يخبر المشتري ان هذ الذهب مستعمل ويأخذ منه أجرة التلميع.

 

في أية معاملة محرمة يكون أخذ الثمن من أكل المال بالباطل الذي نهت عنه الآية الشريفة (ولا تأكلوا أموالَكم بينكم بالباطل)(البقرة/118) وحكمه الارجاع الى مالكه ان امكن وان تعذر فيدفعه الى الحاكم الشرعي او فقراء المؤمنين بعنوان (رد المظالم).

 

الحل ما ذكرناه من إخبار المشتري بالحال والاكتفاء بأخذ أجرة تنظيفه وتلميعه.

 

س4: يُستورد الآن ذهب خليجي والتاجر لا يدفع عليه نسبة فرق ولكنه يبيعه في داخل البلد بإضافة أجور صياغة + نسبة فرق، وهو لم يخسر شيئاً من ذلك أيضاً، فما جواز ذلك؟

 

بسمه تعالى: ما دام قد اشتراه وتملكه فله ان يبيعه بأي سعر شاء والذي يحدده العرض والطلب لكن لا بد له من تجنب المشاكل الشرعية التي ذكرناها فلا يحق بيعه متفاضلاً مع جنس مثله وهكذا.

 

س5: ما هو الحكم الشرعي لما يلي:

 

صياغة الصلبان بقصد الترويج لها بدون أن يكون ذلك في البلاد الاسلامية وغيرها عملاً وبيعاً وشراءً واقتناءً؟

 

تماثيل ذوات الارواح او صور ذوات الارواح من الذهب عملاً وبيعاً وشراءً واقتناءً؟

 

التماثيل النسائية، اما لمريم العذراء او غيرها او لبعض الشخصيات التاريخية او غيرها عملاً وبيعاً واقتناءً؟

 

الخواتم الرجالية الذهب او الزناجيل الذهب او (سويج السيارة الذهبي) عملاً ، بيعاً ، اقتناءً او لغرض لبسها والتزين بها من قبل الرجال؟

 

عمل الآيات القرآنية او لفظ الجلالة كمصوغات او بيعها او اقتنائها ولبسها سواء من الرجال او النساء؟

 

جواز ذلك وعدمه في كل الصور المتقدمة أعلاه اذا كان العمل من غير المسلم او بيعه او لبسه من غير المسلم؟

 

بسمه تعالى: يحرم عمل الصلبان وهياكل العبادة من أية مادة صنعت وأخذ الأجرة على صنعها من السحت وعلى من تقع بيده تخريب هيئتها والاحتفاظ بمادتها؟

 

يحرم صناعة التماثيل والمجسمات لذوات الارواح وأخذ الاجرة والتكسب بصناعتها حرام ويجوز لغيرها كالاشجار والسيارات اما اقتناؤها وبيعها وشراؤها فلا بأس به.

 

قلنا أعلاه أن التصوير المجسم لذوات الأرواح – ومنها الانسان- محرّم.

 

لا يجوز بيعها الى الرجال بقصد لبسها لحرمة لبس الرجال للذهب والذي أثبت الطب مؤخراً فلسفته.

 

لا بأس بذلك كله، لكن يجب على لابسها الالتفات الى حرمة مسّها الا ان يكون على وضوء والحكم شامل للآيات القرآنية والأسماء الحسنى والمعصومين عليهم السلام.

 

توجد مسالة خلافية عنوانها (هل الكفار مكلفون بالفروع) أي هل ان غير المسلمين مكلفون بامتثال فروع الدين وهي الأحكام الشرعية كوجوب الصلاة والصوم وحرمة شرب الخمر وأكل لحم الخنزير والصحيح هو تكليفهم بذلك، وإن لم يصح منهم ما كان مشروطاً بقصد القربة لعدم إمكان تحصيله منهم ومحلّ الشاهد هنا هو ان غير المسلم كالمسلم مكلف بالأحكام المتقدمة فتنطبق عليه وتجري عليهم.

 

 

س6: ما يسقط من ذهب متراكم على أرضية الورشة المسمى (بالتراب) يأخذه صاحب الورشة وبعد تصفيته واستخراج الذهب منه يتملكه فهل يجوز:

 

1- التصرف به مع أنه متراكم من عمله مع عدة تجار ولا يعرف مالكه؟

 

2- ما هو التصرف الشرعي الصحيح لجعله حلالاً؟

 

بسمه تعالى:

 

1- لا بد من استرضاء أصحابه وإعلامهم بالأمر .

 

2- وإذا علم إعراضهم عنه أو كان هناك إبراء للذمة منه. ومع غفلة المالك عن كل ذلك يحرم التصرف به.

 

3- إذا لم يصحح عمله بما قلناه سابقاً فلا بد من إرجاعه أو قيمته الى مالكيه بأن يدفع لهم عوضاً عنه وإذا تعذّر معرفة مالكيه فيدفعه أو قيمته الى الحاكم الشرعي أو فقراء المؤمنين بعنوان رد مظالم.

 

 

س7: أصحاب مكائن سحب الذهب أو مكائن تلميع الذهب (الألاشة) أو مكائن نقش الذهب تسقط في مكائنهم من جراء العمل برادة الذهب ومع تراكم البرادة تجمع بعد فترة ويتملكها صاحب المكينة (مع العلم انها سقطت من ذهب هؤلاء المستعملين) وصاحب الماكنة قد أخذ أجرته على السحب أو التلميع او النقش، فما هو حكم:

 

1- هذه البرادة؟

 

2- تصرف هؤلاء بالتملك لها؟

 

3- الحل الشرعي لذلك؟

 

4- هل يختلف في ذلك المسلم عن غيره؟

 

5- القاعدة الكلية الشاملة لهكذا أموال،6- حيث يدخل في الكثير من المهن والصناعات والحرف دائماً متعلقات لأموال الآخرين فكيف يمكن إبراء الذمة لها (أمثال الخياط والنجار والحداد… )؟

 

بسمه تعالى:

 

1- نفس الجواب السابق فإن هذا المتبقي ما دامت له ماليته ولم يعرض عنها صاحبها فلا يجوز التصرف فيها إلا بإذنه ورضاه وبعد إعلامه بالأمر أي بسقوط كمية من المادة المصَنّعة في الماكنة.

 

2- مما تقدم يظهر عدم جواز تملك أصحاب المكائن لهذه الزيادات إلا بمسوّغ شرعي.

 

3- توجد عدة مسوغات شرعية (منها) إعراض صاحبها عنها بعد إلفات نظره إليها .

 

4- أما إعراضه الناشئ من الغفلة فلا اعتبار فيه .

 

5- (ومنها) إبراء ذمة صاحب الماكنة عمّا سقط في ماكنته (ومنها) شراؤها من المالك والتصالح عليها مقابل مبلغ معيّن (ومنها) اشتراطه على المالك إعراضه عن الزيادات الساقطة نتيجة العمل.

 

6- هذا الحكم مختصّ بالمسلمين،7- أما غيرهم فيجوز له (المسلم) تملكها خصوصاً مع بنائهم (غير المسلمين) على تطبيق نفس الحكم (وهو تملك الزيادات الساقطة) في تعاملهم مع المسلمين (حسب قاعدة الالزام).

 

8- القاعدة الكلية هي : حرمة التصرف في مال الغير إلا بإذنه وهي قاعدة شرعية وعقلائية وهذا الإذن يمكن أن يكون بأشكال عديدة ذكرنا بعضها أعلاه. ولو تورط الشخص وأخذ هذه الأموال العائدة الى الغير بلا مسوغ شرعي فعليه ارجاعها الى أصحابها ان أمكن او استرضاؤهم،9- فإن تعذر فيدفع هذه الأموال الى الحاكم الشرعي بعنوان رد المظالم او يستأذن في توزيعها على الفقراء المؤمنين.

 

س8: هل يجوز لأصحاب مكائن النقش مثلاً او تلميع الذهب او تلوين الذهب اخذ نسبة الفرق المعروفة حالياً 1% مع العلم ان معظمهم يسيطر على الذهب المتساقط من المصوغات داخل صندوق زجاجي وبحجة ضياع النقيصة؟

 

بسمه تعالى:

 

يمكنه اخذها بجعلها جزء من اجرة العمل فتكون هذه الاجرة مركبة من جزئين (مبلغ معيَّن+ النسبة المذكورة) فتكون البقايا له بموجب الاتفاق، اما اذا كان اخذها بعنوان انها خسائر فالمفروض ارجاعها الى صاحبها عند عدم خسارتها بل يجب عليه المحافظة على العين (الذهب) اثناء العمل لكي لا تقع خسائر لوجوب حفظ مال المسلم ولو فرّط فحصلت خسائر فعليه ضمانُها.

 

س9: في فرض عدم الصحة للمعاملة في (س 8 ) ما هو البديل الشرعي لذلك؟ وهل يمكن التصالح والتراضي؟

 

بسمه تعالى: اتضح مما تقدم ان المصحح هو جعلها جزء من اجرة العمل او يشترط عليه في العقد ابراء ذمته مما يسقط اثناء العمل، وعليه ان يكون اميناً في عمله فيحافظ على العين ويصونها من الخسارة بأقصى ما يمكن.

 

س10: كبديل شرعي مطروح لحلّيّة امعاملة في (س8) ، هل يجوز لصاحب المهنة رفع الاجور وبما يناسب مثلاً هذه النسبة وبالتالي يخرج من الحرمة؟

 

بسمه تعالى: مع تراضيهما بذلك فلا بأس، وقد قلنا قبل قليل انه احد الحلول الشرعية الممكنة.

 

س11: هل يشترط في عامل الصياغة عند عمله للآيات القرآنية أو لفظ الجلالة خلوه من الحيض او الجنابة او ان يكون متطهراً من النجاسة الخبَـثية بالوضوء مثلاً؟ وهل يجوز ذلك لغير المسلم كتابي او غيره؟

 

بسمه تعالى: اذا تطلب العمل مسّ القرآن او لفظ الجلالة او اسماء المعصومين فلا بدّ ان يكون العامل متطهراً، اما غير المسلم فلا يجوز له المس مطلقاً نعم يمكن تفادي ذلك بلبس القفاز المانع من حصول المماسة.

 

س12: ما هو حكم لبس ادوات الزينة التالية:

 

1- لبس البلاتين للرجال؟

 

2- الساعة المطلية بالذهب (عيار 18 مثلاً) للرجال حال الصلاة او غيرها؟

 

3- تزين المرأة بالذهب امام الاجانب وفي الاماكن العامة بشكل مثير للفتنة؟

 

4- تزين المرأة بالذهب مع كونها مرتدية للحجاب الشرعي الكامل مع لبس الكفوف ولكنها ترتديه امام الرجال الاجانب؟

 

5- أي الافراد الذين يجوز للمرأة ان تتزين امامهم؟

 

6- لبس الشباب (في أيامنا هذه) زنجيل ذهب او فضة بقصد تقليد الغرب الكافر بدون هذا القصد؟

 

بسمه تعالى:

 

1- ما دام البلاتين ليس ذهباً عرفاً فلا يحرم عل الرجال لبسه من هذه الناحية،2- وقد يحرم من جهة اخرى كما اذا كان بشكل يشبه الجنس الآخر.

 

3- هذا من لبس الذهب وهو محرّم على الرجال بلا فرق بين حال الصلاة وغيرها.

 

4- يجوز للمرأة لبس الذهب،5- ولكن يحرم إظهار الزينة أمام الأجنبي.

 

6- قلنا أعلاه بحرمة اظهار الزينة امام الأجانب والمرأة المحجبة أولى برعاية هذا الحكم لأن الحجاب ليس قطعة قماش تلف بها شعرها،7- وإنما هو رمز لالتزامها الكامل بأحكام الشريعة ومنها الحرص على عدم إبداء الزينة أمام الأجانب إلا ما عُدّ من الظاهر وليس زينة إضافية.

 

8- يجوز للمرأة إظهار زينتها بما لا يخرج عن المتعارف وبشرط أن لا يتسبب في إظهارها حصول شهوة وفتنة أمام المحارم وهم : الأب والأخ والإبن والخال والعم وزوج الأم وأبو الزوج.

 

9- يحرم التشبه بالكفار في اللباس والمظهر الخارجي،10- كما أن لبس الزنجيل فيه حرمة أخرى من جهة التشبه بالنساء في الامور الخاصة بهن،11- وأخرى حرمة لبس الذهب للرجال.

 

س13: ما هو توجيهكم لهذه الشريحة من المجتمع؟

 

بسمه تعالى: ذكرت في استفتاء سابق بعنوان (تصرفات منحرفة في معاملات السوق) مقدمة نافعة جاء فيها: حثّ الأئمة أصحابهم على التفقه في دينهم لكثرة التفاصيل التي يواجهونها في أعمالهم فمن دون التفقه يتورط الانسان في المخالفات الشرعية شاء أم أبى وقد لا يشعر بذلك لغفلته وأنسه بما يحصل عليه من مال ويوم يحشر الناس للحساب وتعرض أعمالهم أمام الملأ يعض بعض هؤلاء على اصابع الندم ولا ينفعهم ذلك حيث ذهبت لذّة ما أفنوا أعمارهم من أجله وبقيت تبعته ومسؤوليته وعقوبته، روى الشيخ المفيد (قده) عن الامام الصادق (ع) انه قال: (من أراد التجارة فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه ومن لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط بالشبهات)، وقال رسول الله (ص): (التاجر فاجر والفاجر في النار إلا من أخذ الحق وأعطى الحق) وكان أمير المؤمنين (ع) يطوف في أسواق الكوفة يعظ التجار أصحاب الحرف ويعلمهم الأحكام ويهدد المخالفين وهو يقول:

 

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الإثم والعارُ

 

تبقى عواقب سوءٍ في مغبّــتها لا خير في لذةٍ من بعـدها النارُ

 

وقال امير المؤمنين (ع) : (من اتجر بغير علم ارتطم مع الربا ثم ارتطم).

 

وأنت لو أمعنت النظر لوجدت ان تطبيق احكام الشريعة في الحياة لا تكلف الانسان شيئاً بل على العكس فإنها تضمن له السعادة في الدنيا والآخرة والبركة في الرزق وراحة البال، ففي السؤال الأول مثلاً يمكن إحراز نفس النتيجة التي يريدها المتورطون في الربا (سواء شعروا بذلك ام لا ) من دون ارتكاب الاثم الكبير الذي ورد في حديث تقشعرّ منه الابدان (قال رسول الله (ص): يا عليّ الربا سبعون جزء، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمّه في بيت الله الحرام، يا علي درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زَنْــيَة كلها بذات محرم في بيت الله الحرام) فلماذا الابتعاد عن الشريعة؟ أليست من تسويلات الشيطان الذي يزين المعصية ويكرّه الطاعة، لكن لماذا نتبع الشيطان وهو صاحب الكيد الضعيف (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) (النساء/76) وهو العدو المبين (إن الشيطانَ للإنسان عدوٌ مبينٌ) (يوسف/5) فكيف نتبعه ونوليه أمورنا ونسلمه زمامنا يقودنا كيف يشاء الى المهالك؟! وقد أعطانا الله عقلاً مفكراً وإرادة حازمة وبعث إلينا هداة ومرشدين لا تخلو الارض منهم في كل زمان فيا أيها الأخوة عودوا الى الله تبارك وتعالى (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)(سـبأ/46)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التحريم/8) افلا تثقون بوعد الله (ومن أصدقُ من الله قِيلاً) (النساء/122) أما الشيطان فإنه يتبرأ من أوليائه الذين اتبعوه وعصوا جبّار السماوات والأرض (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ) (ابراهيم/22-23) ، هكذا يعترف الشيطان ان وعد الله حق أما هو فكان يخدع اتباعه ويقلب لهم الحقائق ولكن لا ذنب له لأنه لم يجبرهم على اتّباعه وليس له سلطان عليهم سوى ان دعاهم الى اتباعه والانخداع بمكره فاتبعوه طوعاً بإرادتهم فاللوم كل اللوم عليهم باتباعه رغم التحذيرات الشديدة المتكررة من الله تبارك وتعالى والحجج المتتاالية بأن الشيطان يريد ان يضلكم ويدخلكم عذاب السعير فكانت عاقبة الجميع السوء، لا أحد يُصرِخ الآخر ويساعده ويعينه وينقذه أما المؤمنون فيعيشون بسعادة في ظل رحمة الله وسلام بينهم فنعم أجر العاملين.