استفتاء حول تعدد المرجعيات الدينية في زمن واحد

بسمه تعالى
سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما هو رأيكم في تعدد المرجعيات الدينية في زمن واحد؟ وهل هي حالة إيجابية؟ أم أن الحالة مدعاة للاختلاف والانشقاق ولابد من الاجتماع على مرجعية واحدة؟
الجواب:
بسمه تعالى
أرى ان تعدد المرجعيات الدينية الجامعة لشروط التصدي للإفتاء حالة إيجابية من عدة جهات:
1- إن مراجع الدين مجتهدون ينتمون الى مدارس علمية متعددة ضمن الأطار العام الذي حدده الائمة المعصومون (عليهم السلام)، ولهم ممارسة طويلة في استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والسنة الشريفة، ولكل منهم مبانٍ استخرجها من أصولها المقررة بعد جهد طويل، ولهم مناهج نظرية وعمليّة في التحقيق والبحث حتى الوصول الى الأحكام الشرعية المبرئة للذمة، وبذلك يكون في تعددهم إثراء للحركة العلمية.
وينفتح طلبة العلم من خلالهم على أفق واسع من طرق البحث وعمق النظر.
2- فيها سعة على المكلّف، لأن المرجع قد يتردّد في بعض الأحكام لتعارض الأدلة في المسألة مع فقد المرجّحات، أو لإجمال الدليل وعدم حصول الاطمئنان وتوفّر الحجة التامّة على الحكم في المسألة، فيُلزم المكلف بالإحتياط، وقد يكون العمل وفق الإحتياط شاقّاً على المكلف، فيجيز المرجع له الرجوع الى مجتهدٍ آخر من محتملي الأعلمية يرخّص له فيها، ويتخلّص المكلف من الإحتياط، وهذا أحد معاني الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (إن اختلاف أمتي رحمة) [1]
3- إن الشيعة وهم أتباع المرجعيات الدينية لهم ثقافات متعددة، وميول متنوعة، وقناعات مختلفة في التعاطي مع شؤون الحياة، خصوصاً مع التطوّر الهائل في وسائل التواصل الاجتماعي والسيل العارم من الشبهات والتحديات، مع التزامهم جميعاً بالأحكام الشرعية، وهؤلاء المقلّدون يعيشون في بيئات متباينة، فبعضهم يرى أهمية حفظ الأوضاع الخاصة للشيعة، وبعضهم يعتقد بضرورة العمل الاجتماعي والحركي والسعي لإقناع الناس بالإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعضهم يرى ضرورة المشاركة في الحياة السياسية بمقدار ما تُتاح له الفرصة وفق ظروف بلده وهكذا، فيراعي ذلك في اختيار مرجع تقليده الذي نسلّم انه ضمن دائرة محتملي الاعلمية وجامع لشروط التصدي.
وفي ضوء هذا كله فإنّ تعدد المرجعيات الدينية وتنوع إتجاهاتها في العمل وفهم المسؤوليات المناطة بهم يوفّر لعموم الشيعة حاضنة لقناعاتهم وميولهم، وبذلك يتم احتواء جميع الشيعة، أما لو كانت المرجعية ذات نمط واحد فأن جزءاً من الشيعة قد يفكّر بالانتماء الى جهات أخرى تلبّي طموحه، ظنّاً منه انه يستطيع المحافظة على التزامه الديني، لكنه يبتعد عن خط المرجعية وربما عن الدين اصلاً، كما حدث في بعض الفترات السابقة حيث اقتنع قسم من شباب الشيعة بالشيوعية حتى انبرى السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رضوان الله تعالى عليه) والّف (إقتصادنا) و (فلسفتنا) وأعاد للشيعة إعتزازهم بهويتهم وثقتهم بأنفسهم.
ونصيحتي التي لابّد من العمل بها لجميع المؤمنين أن ينظروا الى حالة تعدد المرجعيات المبرئة للذمة بهذه الرؤية الحضارية، وأن لا يجعلوا منها سبباً للتعصّب والانحياز ومعاداة الآخر، فإنها من صُنع الاستكبار العالمي وشياطين الجن والأنس، يمررونها عن طريق المتزلفين والجهلة والمنتفعين الذين لا ورع لهم.
محمد اليعقوبي
18-شوال-1446
17-4-2025
[1]- معاني الأخبار: ١٥٧ / 1. ، كنز العمال: ٢٨٦٨٦.