وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ - أجعل همَّك التزود للآخرة
Pوَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُO (المزمل:20)
أجعل همَّك التزود للآخرة[1]
قال الله تبارك وتعالى: Pوَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراًO [المزمل: 20] وقال تعالى: Pوَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌO [البقرة: 110].
التقدم مقابل التأخر، والمراد بالتقديم هنا التزّود للآخرة التي سنقدم عليها بفعل الصالحات وتقديمها إلى يوم الحساب والجزاء في الآخرة التي هي قدّامنا ونحن نتحرك إليها وهي مآلنا، فاستعمل التقديم بلحاظ هذه الحركة، فمن عمل صالحاً فقد قدّم لآخرته، ومن ترّكه وخلّفه في الدنيا فقد أخرّه، والا فإن الدنيا مقدّمة على الآخرة بلحاظ الزمان وبلحاظ ورودها علينا كما في قوله تعالى: Pقَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِO [ق: 28]، ولذا سميت الآخرة لإنها متأخرة عن الدنيا الحاضرة.
وقد وردت كلمة PخَيْرٌO مطلقة في الآية الكريمة لتشمل كل عمل مقرّب إلى الله تعالى وفيه نفع للمجتمع في دنياهم وآخرتهم، ولا تختص بالعبادات المعروفة أو الإنفاق المالي ومن أرقى مصاديقه التفقه في الدين ونشر المعارف الدينية بين الناس وتعلميهم الأحكام الشرعية، ويشمل مثلاً رعاية الشباب والأطفال، وإقامة المعارض الثقافية، ونشر كلمات الوعي والهداية، والإصلاح بين المتخاصمين، والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها، كالذي قلناه في الإقراض في تفسير قوله تعالى: Pوَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناًO [الحديد: 18]، وقد وقع نفس المقطع أيضاً قبل هذه في نفس الآية الكريمة، قال الفيض الكاشاني (كصلاةٍ ومالٍ تنفقونه في طاعة الله تعالى، او جاه تبذلونه لإخوانكم المؤمنين تجرّون به إليهم المنافع وتدفعون به المضار)[2].
وفي إضافة كلمة PأنفسكمO وهي مقرونة بلام الاختصاص أو الملك مزيد عناية بأن مرجع هذا الخير اليكم وإن كان ظاهراً في الدنيا أنه لنفع غيركم كالصدقة للفقير أو مساعدة الآخرين وقضاء حوائجهم، قال تعالى: Pإِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَاO [الإسراء: 7]، وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ] [فصلت: 46] وروي عن أمير المؤمنين (8) أنه قال: (يوماً ما أحسنت إلى أحد قط! فرفع الناس رؤوسهم تعجباً، فقرأ: Pإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلهاO)[3] وقال الإمام علي (8): (إنك إن أحسنت فنفسك تكرم، وإليها تحسن؛ إنك إن أسأت فنفسك تمتهن وإياها تغبن)[4].
وإذا أضاع الإنسان عمره في التفاهات واللغو فإنه سيندم على عدم تقديمه لآخرته، وستكون حسرته كبيرة Pيَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِيO [الفجر: 24] أي الآخرة {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت : 64] Pحَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَ O [الأنعام: 31] Pأَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَO [الزمر: 56]، ولا ينفعه حينئذٍ الندم لأنَّ وقت العمل قد انتهى وأغلقت أبوابه.
وفي الآية الكريمة حث وترغيب على الازدياد من أعمال البّر كلها والطاعات المقرّبة إلى الله تعالى كما في الدعاء (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير) [5].
قوله تعالى: Pتَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِO أي ستجدون نفس ما قدمتم من أعمال مسجلة عند الله تعالى، ومحفوظة بحقائقها Pيَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداًO [آل عمران: 30]، {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 115] وفي هذا الوعد ثمرتان مباركتان:
أ- {تَجِدُوهُ} وفيه تطمين للعاملين بان أعمالكم مسجّلة عند الله تعالى مهما كان العمل ضئيلاً وغير ذي قيمة في نظر الناس كالابتسامة في وجوه الآخرين والسلام عليهم ورفع الأذى عن طريق المسلمين فقد وردت الأحاديث بأنها كلها مما توجب الاجر العظيم[6] Pإِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاًO [الكهف: 30] لأن الله تعالى محيط احاطة تامة بعباده وما يصدر عنهم Pمَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌO [المجادلة: 7]، Pفَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُO [الزلزلة: 7]، قال أمير المؤمنين (8): (وما قدمته من خير فعند من لا يبخس الثواب، وما ارتكبته من شر فعند من لا يعجزه العقاب)[7].
ب- {عِنْدَ اللَّهِ} وليس كأي عمل تقدمونه لغير الله تعالى، وإنَّ الله تعالى كريم يتفضل على عباده فيجازي الحسنة بأضعافها وبأحسن منها Pهُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراًO [المزمل: 20]، فمادامت هذه الاعمال لله تبارك وتعالى وهو الذي يجازي عليها Pفَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُO [التوبة: 111].
قوله تعالى: (هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراًO هذا العمل الصالح خير أكيد من ابتغاء غير وجه الله تعالى به، ومن تركه والكسل والخمول والقعود عن فعل الخير كما ورد في الصوم {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة : 184]، أو أن حقائق هذه الأعمال الصالحة التي ستنكشف في الآخرة هي أجمل وأسمى بكثير من نفس الفعل الذي نقوم به في الدنيا كما ورد من أدخل السرور على قلب أخيه المؤمن فإنه سيجده سروراً في قبره على هيئة مخلوق جميل وهكذا، وهذا معنى آخر للخيرية كما أن حقائق الأعمال الشريرة التي تنكشف في الآخرة هي أسوأ من نفس العمل السيئ كالغيبة التي تظهر بصورة أكل لحم الأخ الميت.
Pوَأَعْظَمَ أَجْراًO لأن فاعله سيثاب عليه بأضعاف كثيرة لا تحصى.
وقد أطلقت كلمة PخَيْراًO و PأَجْراًO هنا لتفيد معنى أوسع من ثواب الآخرة، لأن كثيراً من الأعمال الصالحة توجب مضافاً إلى الأجر: خيراً في الدنيا كسعة الرزق وطول العمر في عافية وقرة العين في الأهل والولد وكثرة البركة والتوفيق، ودفع الشرور والبلايا والمكاره عنه، وقد نصّت الأحاديث الشريفة الكثيرة على ذلك.
فعلى الإنسان أن يكون حريصاً على عمره فلا ينفق أوقاته إلا فيما ينفعه في آخرته فيقدمّه لها Pيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَO [الحشر: 18]، لأنه سيأتي اليوم الذي ينظر فيه المرء في صحيفة أعماله وما قدّم لآخرته Pيُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَO [القيامة: 13]، بما قدّم لآخرته، وبما بخل به فتركه وأخرّه في دنياه، Pوَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْO [الانفطار: 4-5]، وهذه الحقائق كلها قد بيّنها الله تبارك وتعالى وحذّر من وقوعها ودعا إلى الاستعداد لها Pإِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباًO [النبأ: 40].
وقد دعا الله تبارك وتعالى عباده إلى تهيئة الزاد لهذه الرحلة الطويلة وتقديمه أمامهم، ولأن هذه الرحلة مجهولة للإنسان ولم يرجع إلينا أحد من ذلك العالم ليخبرنا بما ينفعنا في تلك الحياة، فقد رفع الله تعالى حيرتنا وأجاب سؤالنا ابتداءً رحمةً منه وكرماً وبيّن لنا خير زادٍ نقدمه لآخرتنا، قال تعالى: Pتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِO [البقرة: 197] فخير ما يقدمه الانسان لآخرته التقوى وما تقتضيه من أفعال وتروك، وفي نهج البلاغة أن الإمام أمير المؤمنين (A) زار مقبرة بجوار الكوفة وسلّم على أهلها (ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى)[8].
وبذلك تحلّ الآية الكريمة أعقد مشكلة تواجهها البشرية وهي الخوف من الموت، فإن الإنسان الصالح الذي استعد لآخرته وقدَّم لها الزاد الذي يوفّر له السعادة هناك فإنه سيكون راضياً بقضاء الله تعالى مسروراً بلقاء الله تعالى مطمئناً إلى أن الموت ليس فناءً ولا نهاية الحياة، بل بوابة ينطلق منها إلى الخلود في عالم رحيب فيه من النعم ما لا عين رأت ولا أذُن سمعت خالداً فيها Pيَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِيO [الفجر: 27-30] لذا لم يكن الموت يشكّل عقبة في طريق أولياء الله الصالحين، قال أمير المؤمنين (A): (والله لابن أبي طالب أنس بالموت من الطفل بثدي أمه)[9]، وإنما يخافه من لم يقدّم لآخرته {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} [البقرة : 96].
روي عن الإمام الصادق (A): (جاء رجل إلى أبي ذر فقال: يا أبا ذر ما لنا نكره الموت؟ فقال: لأنكم عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة، فتكرهون أن تُنقلوا من عمران إلى خراب)[10] وعن رسول الله (J) (لرجل سأله عن علة كراهة الموت، فقال له: ألك مال؟ قال: نعم، قال: فقدمته؟
قال: لا، قال: فمن ثَم لا تحب الموت)[11] وعنه (J): (هل لك مال؟ فقدم مالك بين يديك، فإن المرء مع ماله، إن قدمه أحبّ أن يلحقه، وإن خلفه أحب أن يتخلف معه)[12]، وكذا من تقدّمه أحبابه إلى الآخرة أشتاق إلى لقائهم كما هو واضح في رثاء السيدة فاطمة الزهراء ($) لأبيها رسول الله (J) وفي رثاء أمير المؤمنين (A) للصديقة الطاهرة الزهراء ($).
ولأهمية قضية التقديم للآخرة والاستعداد للموت وما بعده فقد شغلت حيّزاً كبيراً من القرآن الكريم، فقد جاء المقطع الذي نحن بصدده في سياق آية كريمة تأمر بالصلاة والزكاة وقيام الليل وتلاوة القرآن والإنفاق في سبيل الله والإقراض الحسن والسعي في الأرض طلباً للرزق[13] Pوَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِO [المزمل: 20] ثم قال تعالى: Pوَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمO أي من هذه الأعمال الصالحة وغيرها، وقال تعالى: Pوَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ، وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَO [المنافقون: 10-11].
والأحاديث الشريفة عن المعصومين (%) في هذا المعنى غزيرة، فمن وصية النبي (9) لأبي ذر في استثمار ما عند الإنسان من قوة وإمكانات لزيادة الرصيد في الآخرة قال (9): (يا أبا ذر، اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)[14] ومن خطب أمير المؤمنين (8): (الدنيا دار ممر، والآخرة دار مقر، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها اختبرتم، ولغيرها خلقتم، إن الجنازة إذا حملت قال الناس: ماذا ترك؟ وقالت الملائكة: ماذا قدّم؟ فقدموا بعضاً يكن لكم ولا تؤخروا كُلَّا يكن عليكم)[15] وقال أمير المؤمنين (8): (ما قدّمت من دنياك فلنفسك وما أخرت منها فللعدو)[16] وقال (8): (إنك لن يغني عنك بعد الموت إلا صالح عمل قدمته فتزود من صالح العمل)[17] وقال (8): (أكثر سرورك على ما قدمت من الخير وحزنك على ما فات منه)[18] وقال (8): (بادروا بأعمالكم وسابقوا آجالكم، فإنكم مدينون بما أسلفتم مجازون بما قدّمتم ومطالبون بما خلّفتم)[19].
وبينوا (سلام الله عليهم) أن كلَّ ما يمكن تقديمة للآخرة من علم أو جهد أو مال أو فكر أو خطة أو مشروع بخل به الإنسان في الدنيا ولم يبتغ به رضوان الله تعالى ولم يقدمه لآخرته فإنه سيكون سبباً لندمه، قال الامام الحسن (A) في وصيته لجنادة ابن أبي أمية: (واعلم أنك لا تكسب من المال شيئاً فوق قُوْتك إلا كنتَ فيه خازناً لغيرك)[20].
روت عائشة (أنهم ذبحوا شاة ووزعوا لحمها فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها، قال صلى الله عليه وآله: بقي كلها غير كتفها)[21].
وروي أن أحد أصحاب النبي (9) أوصى بالتصدق بكمية كبيرة من التمر بعد وفاته فأشرف النبي (9) على توزيعه حتى نفدت وبقيت تمرة في شق الحائط، فقال (9): (لو أنفق هذه التمرة بيده في حياته كانت خيراً له من كل هذا بعد وفاته) ، ومع الالتفات إلى ما دلت عليه الروايات الشريفة من أن الوصية بشيء كفعله في الحياة.
وهذا المعنى قد ذكره النبي (9) في خطبته التي استقبل بها شهر رمضان لما اشتكى الصحابة من الفقر وعدم قدرتهم على الإنفاق، قال (9): (اتقوا الله ولو بشقّ تمرة، اتقوا الله ولو بشربة ماء)[22] اللهم أرزقنا (الاستعداد للموت قبل حلول الفوت)[23].
[1] - من درس التفسير الأسبوعي الذي يلقيه سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على طلبة الحوزة العلمية والبحث الخارج في مكتبه في النجف الأشرف يوم الأربعاء 14/رجب/1446 الموافق 15/1/2025.
[2] - تفسير الصافي: 1/163
[3] - نثر الدر: ١ / ٢٩٣.
[4] - غرر الحكم: ٣٨٠٨ و٣٨٠٩، عيون الحكم والمواعظ: ١٧٢ / 3595 و3596.
[5] - الصحيفة السجادية: ص548
[6] - عن كتاب شعب الإيمان أن رسول الله (9) قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) (كنز العمال: 52)، وفي دعوات الراوندي عن أبي عبد الله (8) قال: (نزعك القذاة، عن وجه أخيك عشر حسنات، وتبسمك في وجهه حسنة، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف)، وعن المحجة البيضاء أن النبي (9) قال: (إن الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى في امرأته).
[7] - غرر الحكم: رقك 3249.
[8] - نهج البلاغة: ج ٤ - ص ٣١.
[9] - نهج البلاغة (شرح عبده) ص 36.
[10] - الكافي: ٢ / ٤٥٨ / ٢٠.
[11] - الخصال: ١٣ / 47.
[12] - كنز العمال: 42139.
[13] - روى في الدر المنثور، والعلامة الطبرسي في (مجمع البيان: 10/ 93) عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله (J) قال: ((إيما رجل جلب شيئاً إلى مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء)) ثم قرأ المقطع المذكور من الآية الكريمة.
[14] - مكارم الأخلاق، للشيخ الطبرسي: 459، ط. السادسة.
[15] - نهج البلاغة: - ج ٢ - ص ١٨٣، بحار الأنوار، للعلامة المجلسي: 75/ 67، ط. الوفاء- بيروت،
[16] - غرر الحكم: ح 2728.
[17] - غرر الحكم: ح 2867.
[18] - غرر الحكم: ح 2631.
[19] - غرر الحكم: ح 2795.
[20] - بحار الأنوار: 44/ 138.
[21] - رواه الترمذي في شرح كتاب رياض الصالحين: 60، باب: الكرم والإنفاق في سبيل الله.
[22] - مصابيح الجنان: 524.
[23] - الصحيفة السجادية: - ص ٢٧٧.