{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} - الإعداد للعمل علامة على صدق الراغب فيه

| |عدد القراءات : 83
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} (التوبة: 46)

الإعداد للعمل علامة على صدق الراغب فيه[1]

 

قال الله تبارك وتعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ* لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (التوبة: 46-47).

قاعدة من قواعد العمل الصادق المخلص تبيّنها الآية الكريمة من خلال أحد فصول غزوة تبوك التي وقعت في السنة التاسعة للهجرة بعد فتح مكة، فقد نقل التجّار القادمون من الشام أن هرقل الروم قد حشد جيشاً كبيراً في الشام يريد غزو المدينة للقضاء على الإسلام والمسلمين وانضمت إليه القبائل الشامية، فأمر النبي (J) أصحابه بالتهيؤ للخروج إلى تبوك وبعث إلى القبائل حوله وإلى مكة وإلى من أسلم من القبائل العربية فحثّهم على الخروج إلى الجهاد في خطبة مؤثرة، فَرَغِب الناس في الجهاد لما سمعوها من رسول الله (J)، وقدمت القبائل من العرب ممن استنفرهم، وعسكر في ثنية الوداع خارج المدينة، وأمر أهل الجِدَة أن يعينوا من لا قوة به، فكان سفراً بعيداً شاقاً {وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ} (التوبة: 42) في ظروف صعبة للغاية سماها القرآن {سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} (التوبة: 117).

فكانت هذه الغزوة امتحاناً للمجتمع المسلم تَميَّز فيه المؤمن الصادق من المنافق، فالمؤمنون الصادقون بادروا إلى التهيؤ والاستعداد، ومن لم يجد فقد وصفتهم آية أخرى من السورة {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ} (التوبة: 92).

أما المنافقون فقد تخلّفوا عن رسول الله (J) وآثروا الراحة والدعة متذرّعين بأنواع الادعاءات، فنزلت الآيات الكريمة من سورة التوبة قوية في فضحهم[2] وكذب دعاويهم، وتهديدهم بالخزي في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة، ((وتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوم من أهل الثبات والبصائر لم يكن يلحقهم شك ولا ارتياب ولكنهم قالوا نلحق برسول الله صلى الله عليه وآله، منهم أبو خيثمة وكان قوياً وكانت له زوجتان وعريشان –وهو ما يستظل به- فكانت زوجتاه قد رشّتا عريشيه وبرّدتا له الماء وهيئتا له طعاماً، فأشرف على عريشه، فلما نظر إليهما قال والله، ما هذا بإنصاف[3] رسول الله صلى الله عليه وآله فقد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قد خرج في الضِحّ – أي الشمس -   والريح وقد حمل السلاح مجاهداً في سبيل الله وأبو خيثمة قوي قاعد في عريشه وامرأتين حسناوين! لا والله ما هذا بإنصاف، ثم أخذ ناقته فشدّ عليها رحله فلحق برسول الله صلى الله عليه وآله، فنظر الناس إلى راكب على الطريق فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كن أبا خيثمة، فاقبل وأخبر النبي بما كان منه فجزاه خيراً ودعا له.

وكان أبو ذر رحمه الله تأخّر عن رسول الله (J) ثلاثة أيام وذلك أن جمله كان أعجف – أي مهزول - فلحق بعد ثلاثة أيام به، ووقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه على ظهرهِ، فلما ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كن أبا ذر، فقالوا هو أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أدركوه بالماء فإنه عطشان فأدركوه بالماء، ووافى أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه إداوة فيها ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر، معك ماء وعطشت؟ فقال: نعم يا رسول الله بأبي أنت وأمي؛ انتهيت إلى صخرة وعليها ماء السماء فذقته فإذا هو عذب بارد، فقلت لا أشربه حتى يشربه حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال رسول الله: يا أبا ذر، رحمك الله، تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك، وتدخل الجنة وحدك، يسعد بك قوم من أهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك والصلاة عليك ودفنك))[4].

في هذه الأجواء تفضح الآية الكريمة المنافقين الذين تكاسلوا وخذلوا رسول الله (J) وتقول: أنهم لو كانوا صادقين في إرادة الخروج معك لبان عليهم ذلك من خلال التحضير والإعداد للخروج لكنهم لم يفعلوا.

وجاءت {عُدَّةً} نكرة فأفادت عدة مداليل:

1-           الإطلاق أي أنهم لو كانوا صادقين في إرادة الخروج معك للجهاد كان بإمكانهم تهيئة أيَّ عدّة يلبون بها نداء الجهاد سواء كانت مالية أو بدنية أو بتجهيز غير القادرين ونحو ذلك، لكنهم لم يهيئوا أي شيء.

2-           دلالتها على القلة لتوبيخ المتقاعسين بأنهم لم يتخذوا أهبة الخروج حتى بالحد الأدنى وهي النية كما ورد في رواية العياشي في تفسيره عنه (8) قال: (يعني بالعدّة النية، يقول: لو كان لهم نية لخرجوا)[5].

3-           التفخيم أي للدلالة على لزوم تهيئة العدة اللازمة لكل عمل بما يتطلبه، ووجوب تحمّل مسؤولية أي عمل بما يناسبه، فقتال الروم بأعدادهم الكبيرة وسلاحهم ذي البأس الشديد يتطلب عدة تناسبهم لإرعابهم ودفع خطرهم قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال: 60) بينما هم تهرّبوا من المسؤولية بكل مستوياتها وتفاصيلها وبأعذار واهية.

ولما لم يريدوا لأنفسهم الخير بطاعة الله تبارك وتعالى فقد سلب منهم التوفيق {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} (التوبة: 46) فحرموا من طاعة الله تعالى والمضي مع رسول الله (J)، {فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (التغابن: 6) وباؤا بسخط من الله تعالى.

{فَثَبَّطَهُمْ} أي أقعدهم وحبسهم عن الخروج لا بجبرهم وإكراههم ولكن بحرمانهم من تأييده وتوفيقه فلم يستطيعوا الخروج، وكمثال على توفيق الله وخذلانه ما حكته الآيات الكريمة عن معركة بدر {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ} (الأنفال: 43)، فالإنسان بذاته ضعيف عاجز ويحتاج إلى توفيق من الله تعالى ليفعل الطاعة، وليست متاحة له متى شاء وكيف شاء (ولا ميسِّر لما عسَّرت، ولا ناصر لمن خذلت)[6] (وَاِنْ خَذَلَني نَصْرُكَ عِنْدَ مُحارَبَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطانِ فَقَدْ وَكَلَني خِذْلانُكَ إِلى حَيْثُ النَّصَبُ وَالْحِرْمانُ)[7].

{وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} القائل مجهول فإن كان من المنافقين كما أخبر تعالى في آية أخرى {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} (التوبة : 86)، فالأمر واضح، ولعله تعبير عن لسان حالهم المنافق، وإن كان القائل هو الله تعالى فإنه ليس بمعنى النطق باللسان، وإنما بمعنى تعلّق الإرادة بالقعود، وقد شرحناه مفصلاً في قبس قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس: 82)، وإن سلوكهم المنافق هو الذي أوجب ذلك، فهذا ليس أمراً تشريعياً حتى يقال بمنافاته مع الأمر بخروجهم إلى الجهاد.

وفي هذا التثبيط مصلحة للقاعدين ولعموم المسلمين، أما لهم فلحمايتهم من آثام وأوزار إضافية يحملونها لو خرجوا؛ لأنهم سيثيرون الفتن في جيش المسلمين ويتسبّبوا في وهنهم وضعفهم كما عبرت الآية التالية فيزدادون إثماً إلى إثمهم، ففي تثبيطهم عن الخروج رحمة بهم مع أنهم عاصون، وهكذا يحمي الله تعالى المؤمنين أيضاً فعن رسول الله (J): (إن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده ولذيذ وساده فيتهجد لي الليالي، فيتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين؛ نظراً مني له وإبقاءً عليه، فينام حتى يصبح فيقوم وهو ماقت لنفسه، زارٍ عليها، ولو أخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله من ذلك العجب فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله، فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله ورضاه عن نفسه، حتى يظن أنه قد فاق العابدين وجاز في في عبادته حد التقصير، فيتباعد مني عند ذلك، وهو يظن أنه يتقرب إليّ)[8].

وأما لمصلحة المسلمين؛ فلكي يتعرّفوا على المنافقين، ويتخلّصوا من شرهم ومكائدهم، فإنهم {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ} أي معكم في صفوفكم {مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً} أي اضطراباً وقلقاً وتشوشاً مما يثبّط عزيمة المسلمين {وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ} أي أسرعوا في التغلغل بين صفوفكم، لأن الإيضاع يعني الإسراع في الحركة، فتنتشر شبهاتهم وشكوكهم وفتنهم كسريان النار في الهشيم، وهدفهم أنهم {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} بتمزيق وحدتكم وتخويفكم وتثبيط عزائمكم، ومما يزيد المشكلة أنه {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} ويوجد في المسلمين جماعة من ضعاف البصيرة يتلقون منهم بدون تثبّت ورويّة والرجوع إلى أهل الخبرة في هذا المجال كما قال تعالى في آية أخرى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (النساء: 83) ووجود مثل هؤلاء السماعين السذّج الذين تنطلي عليهم الإشاعات والأكاذيب هو الذي ينجح مكائد الأعداء، ولو كان الجيش واعياً فطناً فإنها لا تؤثر أثرها، وربما أراد بالسماعين الجواسيس الذين يتلقون الشكوك والشبهات من الأعداء وينشرونها بينكم مما يقصم ظهر الجيش كما حصل لجيش أمير المؤمنين (A) في صفين فانشق آلاف الخوارج وتشوشت أفكار عدد كبير من الباقين، لذا ورد عن أمير المؤمنين (A) في التحذير من هذه الظاهرة (عوِّد أذنك حسن الاستماع ولا تصغِ إلى ما لا يزيد في صلاحك استماعه فإن ذلك يصدي القلوب ويوجب المذام)[9].

وقال (8) لبعض أمراء جيشه: (فانهدْ بمن أطاعك إلى من عصاك، واستغن بمن انقاد معك عمّن تقاعس عنك، فإنّ المتكاره مغيبُه خيرٌ من مشهده، وقعوده أغنى من نهوضه)[10].

ويمكن استفادة عدة دروس وعبر من الآية الكريمة:

1-           إن أي هدف يراد الوصول إليه وأي غرض يراد تحقيقه لا بد من تهيئة كل المقدمات اللازمة التي يتطلبها ابتداءً من الإرادة والنية الصادقة والعزم الراسخ ثم العمل، وهذا واضح فلا يحتاج إثبات وجوب مقدمة الواجب إلى بحث مفصّل في علم الأصول، وإلا كانت أماني فارغة ويعدّ من السخرية بنفسه، كما ورد كما ورد عن الإمام الصادق (A) قال: (الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر)[11]؛ إذ يكون فعله عبثياً، وروي عن الإمام الرضا (8) قوله: (من سأل اللهَ التوفيق ولم يجتهد فقد استهزأ بنفسه)[12].

     إن الاستعداد يقوي العزم ويُخلص النية ويزيد من الوعي بالعمل، وقد لا يوفق الإنسان للعمل فيكتب له أجر النية، وقد يعلم الله منه الصدق من استعداده فيصرف عنه مؤونة العمل والبلاء ويكتب له ثوابه.

   وهذه قاعدة عامة في الحياة سواء على مستوى الدراسة وطلب العلم أو الكسب أو العلاقات الاجتماعية أو مراتب الكمال وغير ذلك، وقد شرحنا ذلك في قبس سابق من قوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا}[13] (الإسراء: 19)، فمن يريد الفوز في الآخرة بجنة عرضها السماوات والأرض لا بد أن يسعى لها سعيها المناسب والموصل إليها، ومن يدعو للإمام المهدي (A) بالفرج وينتظر خروجه عليه أن يعدَّ نفسه بالتقوى والعمل الصالح، أما الكسل والتراخي والتسويف فإنه يحرم صاحبه من الطاعة، وإن الشيطان يتربّص به ليصدَّه عن العمل الصالح، فليكن حذراً وقلقاً من تسويلات النفس الأمّارة بالسوء، لئلا تؤدي به إلى مقت الله والحرمان من طاعته، قال أمير المؤمنين (8): (ومَن تردّد في الريب وطئته سنابك الشياطين)[14].

     وتتضمن الأحاديث الشريفة أمثلة كثيرة لمثل هذا الإعداد لصلاة الليل مثلاً بالنوم المبكر وتقليل وجبة العشاء والدعاء بالمأثور وغيرها، أو الإعداد للحج بالادخار اليومي للمال ولو القليل حتى تجتمع عنده الاستطاعة ونحو ذلك.

2-           قوله تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} فالله تبارك وتعالى لا يكره ذات الإنسان؛ لأنه خلقه في أحسن تقويم وأعدّه لرسالة عظيمة، إنما يكره عمله السيئ، إلا أن يتحول ذاته إلى معدن خبيث تصدر منه الأفعال القبيحة {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 57] وفي هذا درس بليغ على مستوى علاقاتنا الاجتماعية بالآخرين فإن المعمول به لدى الناس كراهة الشخص والحقد عليه وتسقيطه لمجرد صدور فعل كرهه الآخر منه، فلا بد من التفريق بين الشخص وعمله والتعامل معه بإنصاف وموضوعية، وقد فصلنا الكلام في هذا الدرس الاجتماعي في قبس سابق[15]، وألحقنا به بحثاً في تفسير قول أمير المؤمنين (A): (إن الله يحب العبد، ويبغض عمله)[16].

3-           إن طاعة الله تعالى كالحضور في صلاة الجمعة أو قيام الليل أو المشي إلى زيارة الإمام الحسين (A) أو المشاركة في الزيارة الفاطمية وغير ذلك ليست شرعة لكل وارد كما يقال، وإنما هي ألطاف إلهية خصَّ بها عباداً صادقين مخلصين ولا تُنال إلا بتوفيق الله تعالى لذا ورد في الدعاء (اللهم أرزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية) أما الكسول والمتخاذل فلا نصيب له منها.

4-           المهم عند القيام بعمل ما أو إقامة مشروع ما هو نوعية العاملين لا عددهم، فقد يكون وجود بعض ضعاف النفوس والبصائر مضرّاً بالعمل ومثبّطاً للعزائم {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 249) فالفئة القليلة المتصفة بالصبر والإخلاص والتقوى تفوق في عملها الفئة الكثيرة المجرّدة من هذه الصفات، فلا يحزن المؤمنون لتخلف جماعة عن العمل.

5-           إن بعض الأمور قد نراها شراً لنا ونحزن لحصولها – كتخلف جمع من أهل المدينة عن الخروج إلى الجهاد مع رسول الله (J) بحسب الآية الكريمة – إلا أنه في الحقيقة خير للمؤمنين، فليكونوا راضين بقضاء الله تعالى ومطمئنين بقدره ومسلمين لأمره.

6-           التحذير من الاستماع لأي حديث على الفضائيات، أو كلام منقول في الكتب أو منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، ويجب التثبت منه والرجوع إلى أهل الاختصاص للاستيثاق منه؛ فإن الإعلام من أهم أدوات الحرب الناعمة التي شنّها أعداء الإسلام، أما الساذج الغافل الذي يروّج الأخبار الكاذبة المرجفة بالمجتمع المسلم أو المؤدية إلى تزلزل عقائدهم وانحراف أخلاقهم وسلوكهم أو تخريب ثقافتهم فإنه يبوء بإثم عظيم.

       وخير مثال على مَن يعدّ العدة للعمل أصحاب الإمام الحسين (8) كحبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة الأسديين فإنهما تخفّيا[17] في عشيرتهما بعد أن خذل أهل الكوفة مسلم بن عقيل (رضوان الله عليه) حتى استشهد، وأحكم عبيد الله بن زياد قبضته على الكوفة، وطوّقها من جميع الجهات، وكان مصير شيعة علي القتل والاعتقال، فلم يشاءا أن يُحرما من نصرة الإمام الحسين (8)، وظلا يتحرّيان أخبار الإمام (8) حتى سمعا بنزوله أرض كربلاء فخرجا إلى نصرته بخطة أفلتا بها من الحصار المضروب على الكوفة، حتى نالا شرف الشهادة بين يدي أبي عبد الله (8)، فطوبى لهم وحسن مآب وحشرنا الله تعالى في زمرتهم مع النبي وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).



[1] - من درس التفسير الأسبوعي الذي يلقيه سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في مكتبه في النجف الأشرف على طلبة البحث الخارج يوم الأربعاء 10/جمادي أولى/ 1466 المصادف 13/11/2024.

[2] - من أسماء سورة التوبة (الفاضحة).

[3] - هذا الشعور الصادق يكشف عن علاقة خاصة مع رسول الله (9) ليست علاقة الحق والواجب أو الحرام والحلال أو الخوف من العقوبة والطمع في المكافأة وهي المؤثرات التي تضمن طاعة الأتباع لرئيس الدولة، بل علاقة الحب وإنصاف القائد من النفس ومراقبة تقديمه على النفس دائماً، وهي العلاقة التي أسس لها القرآن وحث عليها في مثل قوله تعالى: [مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ] (التوبة: 20)، وهذه العلاقة تكشف لنا عن قوة الطاعة التي يريد الإسلام تأسيسها في دولة آل محمد صلوات الله عليهم، تضمن ولاء الأتباع ظاهراً وباطناً وطاعتهم حتى مع أمن الخوف وغياب الطمع، وتحثهم على المزيد دائماً وتقلل الأعمال في أعينهم وتخوفهم من قليل الذنب وتجعل الإنسان يوجب على نفسه المستحب ويحرم المكروه المرخّص به.

[4] - تفسير البرهان: 4/279-280 ح1 عن تفسير علي بن إبراهيم: 1/294.

[5] - تفسير العياشي: 2/ 89، ح 60، البرهان: 4/ 282، ح 2.

[6] - الصحيفة السجادية: 57، الدعاء السابع.

[7] - مصابيح الجنان: 96، دعاء الصباح.

[8] - بحار الأنوار: 68/151.

[9] - غرر الحكم للآمدي: 4211.

[10] - نهج البلاغة: ج 3، ص 6، الكتاب الرابع

[11] - وسائل الشيعة (آل البيت): ج ٧ - ص١٤٥.

[12] - كنز الفوائد، للكراجكي: 1/ 330، بحار الأنوار: 75/ 356.

[13] - القبس 83 من موسوعة تفسير القرآن الكريم من نور القرآن: 3/24.

[14] - نهج البلاغة، الحكمة رقم (31).

[15] - قبس 47 من موسوعة تفسير القرآن الكريم من نور القرآن {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ} [الأعراف: 201]: 2/75.

[16] - نهج البلاغة: ج ٢ - ص ٤٤.

[17] - إبصار العين، للسماوي: 76، 82.