{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} - بشارة الكتب السماوية والأنبياء السابقين (ص) بالنبي الأكرم محمد (ص)

| |عدد القراءات : 128
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى
{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]
بشارة الكتب السماوية والأنبياء السابقين 1 (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين) بالنبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)

قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف: 6].
الحمد هو الثناء على من عنده فضيلة أو منقبة أو مكرمة أو صفة يحمد عليها على نحو التعظيم، وهو مقابل الذم، ويختص بالأمور الاختيارية كحسن الخلق والشجاعة والكرم وفعل المعروف، فهو أخص من المدح الذي يكون في الأمور الاختيارية وغير الاختيارية كصباحة الوجه، وهو أعم من الشكر الذي هو ثناء يجازى به صنيع حسن قُدِّمَ له أو نعمة تفضّل بها عليه – كما في مفردات الراغب والفروق لابن هلال وغيرهما –.
وقيل: إن الشكر يمكن أن يكون أعم من الحمد بلحاظ مورده وكيفيته، قال الجزائري: ((فالحمد أعم مطلقاً لأنه يعم النعمة وغيرها، وأخصّ مورداً إذ هو باللسان فقط، والشكر بالعكس إذ متعلقه النعمة فقط، ومورده اللسان وغيره، فبينهما عموم وخصوص من وجه، فهما يتصادقان في الثناء باللسان على الإحسان، ويتفارقان في صدق الحمد فقط على النعت بالعلم مثلاً، وصدق الشكر فقط على المحبة بالجنان لأجل الإحسان))2 .
أقول: وفيه تأمل: فإن الحمد لا يختص باللسان، ويصدق على القول والفعل، والحال كالتخلق بأخلاق الله تعالى والتحلي بالكمالات3 .
فـ(أحمد) مشتق من الحمد، وهو اسم للنبي (صلى الله عليه وآله) وهو أيضاً صفة له على نحو اسم التفضيل تعبّر عن استحقاقه الحمد والثناء لخصاله الكريمة وأفعاله المحمودة، كما أن (محمد) اسم له (صلى الله عليه وآله) وهو بنفس الوقت وصف له على شكل صيغة مبالغة لكثرة ما يحمد فيه، وقد سماه به جدّه عبد المطلب وأطعم قريشاً في يوم مولده وقالوا له: (ما سميت ابنك هذا؟ قال: سميته محمداً، قالوا: ما هذا من أسماء آبائك، قال: أردت أن يحمد في السماوات والأرض)4 .
وذكر السيد المسيح (صلوات الله وسلامه عليه) هذا الاسم للتعبير عن كونه (صلى الله عليه وآله) أفضل منه ومن جميع الأنبياء السابقين وأولى بالحمد منهم، وإلا لا يكون للبشرى معنى إذا لم يكن كذلك، وذكر جمع من المفسرين أن له وجهين:
1- أنه مبالغة من الفاعل أي الأنبياء (صلوات الله عليهم أجمعين) كلهم حمّادون لله عز وجل وهو أكثرهم حمداً لله تعالى.
2- أنه مبالغة من المفعول، أي أن الأنبياء كلهم محمودون لما فيهم من الخصال الحميدة، وهو أكثر مبالغة وأجمع للفضائل والمحاسن التي يحمد عليها5 .
وقد بشّر الأنبياء السابقون (صلوات الله عليهم أجمعين) بالنبي (صلى الله عليه وآله) ومنهم الرسولان الكريمان موسى وعيسى(صلوات الله وسلامه عليهما) في التوراة والإنجيل، روى الشيخ الكليني بسند صحيح عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال في حديث طويل (فلما نزلت التوراة على موسى (عليه السلام) بشر بمحمد (صلى الله عليه وآله) وكان بين يوسف وموسى من الأنبياء وكان وصي موسى يوشع بن نون (عليه السلام) وهو فتاه الذي ذكره الله عز وجل في كتابه، فلم تزل الأنبياء تبشر بمحمد (صلى الله عليه وآله) حتى بعث الله تبارك وتعالى المسيح عيسى بن مريم فبشر بمحمد (صلى الله عليه وآله) وذلك قوله تعالى: {يجدونه (يعني اليهود والنصارى) مكتوباً (يعني صفة محمد (صلى الله عليه وآله) عندهم (يعني) في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر وهو قول الله عز وجل يخبر عن عيسى: ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} وبشر موسى وعيسى بمحمد (صلى الله عليه وآله) كما بشر الأنبياء (عليهم السلام) بعضهم ببعض حتى بلغت محمداً (صلى الله عليه وآله)) 6.
وتصرح الآية الكريمة بأن خلاصة رسالة السيد المسيح (عليه السلام) أمران: تصديق التوراة والبشارة بالنبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، وكأنه (عليه السلام) حلقة الوصل بين الرسالات، وأن الدين الذي عليه الأنبياء جميعاً واحد وهو الإسلام.
ولما كانت البشرى تعني حصول المبشَّر على خيرٍ يسرّه، فإن تعبير السيد المسيح (عليه السلام) فيه إشارة بالغة إلى كمال دين الإسلام وما يجلبه لأتباعه من الخير والسعادة في الدارين، وهيمنته على جميع الأديان، فيجب على من يدركه أن يتبعه.
والظاهر أن البشارة بالنبي (صلى الله عليه وآله) كانت صريحة وواضحة في الأناجيل الموجودة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)، وإلا كانت أبلغ حجة لهم في تكذيب ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) خصوصاً نصارى نجران الذين باهلوا النبي (صلى الله عليه وآله) لكنهم انسحبوا مهزومين وكانوا يبحثون عن أي شيء يدينونه به وقد ذكّرهم القرآن الكريم بهذه الحقيقة في أكثر من آية، كقوله تعالى: {النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157] وقوله تعالى {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة : 146] ولم ينقل لنا التاريخ أن أحداً منهم كذّب هذه الحقيقة بل إن بعضهم أسلم حينما سمع بها كعبد الله بن سلام وغيره، روى القمي في تفسيره الآية السابقة ((إن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام: هل تعرفون محمداً في كتابكم؟ قال: نعم والله نعرفه بالنعت الذي نعته الله لنا إذا رأيناه فيكم، كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه مع الغلمان، والذي يحلف به ابن سلام لأنا بمحمد هذا أشد معرفة مني بابني، قال الله: { الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون}))7 .
فخلوّ بعض الأناجيل المحرَّفة الموجودة اليوم من ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يضرّ بصدق نقل القرآن الكريم لهذه الحقيقة، روى الشيخ الصدوق في كتابه العيون بإسناده إلى صفوان بن يحيى قال: (سألني أبو قرة صاحب الجاثليق أن أوصله إلى الرضا عليه السلام فاستأذنته في ذلك، فقال عليه السلام: أدخله عليّ، فلما دخل عليه قبّل بساطه وقال: هكذا علينا في ديننا أن نفعل بأشراف أهل زماننا، ثم قال: أصلحك الله ما تقول في فرقة ادّعت دعوى فشهدت لهم فرقة أخرى معدلون؟ قال: الدعوى لهم قال: فادّعت فرقة أخرى دعوى فلم يجدوا شهوداً من غيرهم؟ قال: لا شيء لهم، قال: فإنا نحن ادعينا أن عيسى روح الله وكلمته ألقاها فوافقنا على ذلك المسلمون وادعى المسلمون أن محمداً نبي فلم نتابعهم عليه، وما أجمعنا عليه خير مما افترقنا فيه، فقال له الرضا عليه السلام: ما اسمك؟ قال: يوحنا، قال: يا يوحنا إنا آمنّا بعيسى بن مريم عليه السلام روح الله وكلمته الذي كان يؤمن بمحمد (صلى الله عليه وآله) ويبشّر به ويقرّ على نفسه أنه عبد مربوب، فإن كان عيسى الذي هو عندك روح الله وكلمته ليس هو الذي آمن بمحمد (صلى الله عليه وآله) وبشّر به ولا هو الذي أقرّ لله عز وجل بالعبودية والربوبية فنحن منه براء، فأين اجتمعنا؟! فقام وقال لصفوان بن يحيى: قمْ فما كان أغنانا عن هذا المجلس)8 .
وقد وردت في إنجيل برنابا بطبعته المعرّبة 9 أخيراً، الفصل 97 قال الله ((اصبر يا محمد لأني لأجلك أريد أن أخلق الجنة والعالم وجماً غفيراً من الخلائق التي أهبها لك حتى أن من يباركك يكون مباركاً ومن يلعنك يكون ملعوناً، ومتى أرسلتك إلى العالم أجعلك رسولي للخلاص وتكون كلمتك صادقة حتى أن السماء والأرض تهنان ولكن إيمانك لا يهن أبداً))10 وفي فصل 220 ((وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله)).
ووردت نصوص أخرى في إنجيل يوحنا (الأبواب 16،15،14 يذكر فيها البشرى ببعثة الفارقليط ويقال إن أصل هذه الكلمة باليوناني (پيرِكلتوس) ومعناها الأحمد وهو الممدوح والمجلّل كثيراً كما في دائرة المعارف الفرنسية11 ، وهو -كثير الحمد12)) ، ففي الإصحاح الخامس عشر ((وأما الفارقليط روح القدس يرسله أبي باسمي ويعلمكم ويمنحكم جميع الأشياء وهو يذكّركم ما قلت لكم)) ((وإني قد خبّرتكم بهذا قبل أن يكون حتى إذا كان ذلك تؤمنون))13 ، قال في دائرة المعارف الفرنسية : ((لكنهم وضعوا بدلاً عنها لفظ (پاراكلتوس) اشتباهاً، حيث ترجمت في الطبعات العربية بـ(المعين) فورد في إنجيل يوحنا ((وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معيناً آخر ليمكث معكم إلى الأبد))14 وجاء في الباب الذي بعده ((ومتى جاء المعين الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي))15 .
ومن خلال هذه البشرى يعلّمنا السيد المسيح دروساً أخلاقية في الإنصاف والموضوعية وقول الحقيقة والاعتراف للآخرين بالفضل وعدم التحاسد.
وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معروفاً بالاسمين منذ ولادته، وروى الحلبي في السيرة النبوية أن جده عبد المطلب سمّاه محمد وسمّته أمّه أحمد16 .
وقد ضَمّن أبو طالب (رضوان الله تعالى عليه) عم النبي (صلى الله عليه وآله) هذا الاسم في شعره الداعي إلى نصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن ذلك قوله:
وقالوا لأحمدَ أنت امرؤ خلوف اللسان ضعيف السبب  17
ألا إن أحمد قد جاءهم بـحقٍ ولـم يأتــهم بالكـــذب
وقوله مخاطباً الحمزة والعباس وجعفراً وعلياً (عليه السلام) يوصيهم بنصرة النبي (صلى الله عليه وآله):
كونوا فدى لكم أمي وما ولدت في نصر أحمد دون الناس أتراسا18
وقوله في بشارة الأنبياء السابقين:
ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً نبياً كموسى خُطّ في أول الكتب 19
وأجابه ولده علي بن أبي طالب (عليه السلام):
أتأمرني بالصبر في نصر أحمدٍ ووالله ما قلت الذي قلتُ جازعا
سأسعى لوجه الله في نصر أحمدٍ نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعا 20
وذكر ذلك جعفر بن أبي طالب (رضوان الله عليه) لملك الحبشة قال: ((إن الله بعث فينا رسوله، وهو الرسول الذي بشّر به عيسى بن مريم برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) 21.
ونظم جدّي المرحوم الشيخ محمد علي اليعقوبي هذه البشائر في قصيدته بمناسبة المولد النبوي الشريف ومنها قوله:
نطقت به التوراة قبل وبشرَّ الانجيل فيه وصدّق الفرقان
صدعت به الرسل الكرام ودينه جاءت مبشرة به الأديان 22

ملحق: أهمية الأسماء وآثارها الاجتماعية والنفسية وآدابها:
ومن تكفّلِ الله تعالى بنفسه تسمية النبي (صلى الله عليه وآله) قبل ولادته، واختياره لأجمل الأسماء وأجمعها للكمالات نستلهم درساً في أهمية اختيار الأسماء الحسنة، وضرورة الالتفات إلى هذه القضية المغفول عنها، لما لها من آثار وتداعيات على النفس والمجتمع، وعدم التهاون في مراعاة الآداب الشرعية فيها.
روى الكليني بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (استحسنوا أسماءكم فإنكم تدعون بها يوم القيامة: قم يا فلان بن فلان إلى نورك، وقم يا فلان بن فلان لا نور لك)23 ، ومن وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): (يا علي حق الولد على والده أن يحسن اسمه وأدبه)، وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: (أول ما يبرّ الرجل ولده أن يسميه باسم حسن فليحسن أحدكم تسمية ولده).
وروى في قرب الإسناد (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يغيّر الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان)، وقد أمر الإمام الكاظم (عليه السلام) بمحضر أبيه الإمام الصادق (عليه السلام) رجلاً من أصحابه أن يغير اسم ابنته وقال له: (اذهب فغيّر اسم ابنتك التي سميتها أمس فإنه اسم يبغضه الله) وكان قد سمى ابنته الحميراء فقال الإمام الصادق (عليه السلام): (انته إلى أمره ترشد، قال الراوي: فغيّرتُ اسمها).
وذكرت الروايات جملة من الأسماء المبغوضة لأنها تذكّر بأعداء أهل البيت (عليهم السلام)، وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: (إن الشيطان إذا سمع منادياً ينادي يا محمد أو يا علي ذاب كما يذوب الرصاص) و(إن الشيطان إذا سمع منادياً ينادي باسم عدوّ من أعدائنا اهتزّ واختال).
وكره الأئمةُ (عليهم السلام) أن يذكر أحد باسمه أو كنيته إذا كان يكرهها، فقد أنشد أحد أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) أبياتاً فسأله لمن؟ قال لأبي العتاهية فقال (عليه السلام): (هاتِ اسمه ودع عنك هذا، إن الله عز وجل يقول {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: 11] ولعل الرجل يكره هذا).
وقد حثّ الأئمة المعصومون (عليهم السلام) على اختيار الاسم قبل الولادة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (سموا أولادكم قبل أن يولدوا، فإن أسقاطكم إذا لقوكم في القيامة لم تسموهم يقول السقط لأبيه: ألا سمّيتني وقد سمّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) محسناً قبل أن يولد) وقالوا (صلوات الله عليهم): (أصدق الأسماء ما سمي بالعبودية وأفضلها أسماء الأنبياء)، وروى أمير المؤمنين (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: (ما من أهل بيت فيهم اسم نبي إلا بعث الله عز وجل إليهم ملكاً يقدسهم بالغداة والعشي).
وجعلوا من العقوق عدم التسمية بمحمد، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: (من ولد له أربعة أولاد لم يسمِّ أحدهم باسمي فقد جفاني) وفي رواية أخرى حددهم بثلاثة.
وكان الأئمة (عليهم السلام) يحترمون هذا الاسم ويقدسونه ويتواضعون إجلالاً له، روى أبو هارون الجعدي قال: (كنت جليساً لأبي عبد الله (عليه السلام) بالمدينة ففقدني أياماً، ثم إني جئت إليه فقال: لم أرك منذ أيام يا أبا هارون؟! فقلت: ولد لي غلام، فقال: بارك الله لك، فما سميته؟ قلت: سميته محمداً، فأقبل بخده نحو الأرض وهو يقول محمد محمد محمد، حتى كاد يلصق خده بالأرض، ثم قال: بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبوي وبأهل الأرض كلهم جميعاً الفداء لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، لا تسبه، ولا تضربه، ولا تسئ إليه، واعلم أنه ليس في الأرض دار فيها اسم محمد إلا وهي تقدس كل يوم)24 .
وفي رواية أخرى أنَّ من أسمه محمد له كرامة وشفاعة يوم القيامة، وهكذا ورد استحباب التسمية بأسماء أهل البيت (عليهم السلام)، وإن فيها أجراً لأن دافعها الحب والمودّة، روى العياشي في تفسيره أنه (قيل لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، إنا نسمّي بأسمائكم وأسماء آبائكم فينفعنا ذلك؟ فقال: إي والله، وهل الدين إلا الحب، قال الله تعالى: {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ})25 .
ويستحب تسمية البنات باسم السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقد ورد أن الفقر لا يدخل بيتاً فيه اسم فاطمة من النساء، ومحمد وأحمد وعلي والحسن والحسين وجعفر من الرجال 26.
وكان لاسم فاطمة وقع خاص في قلوب أبنائها المعصومين (عليهم السلام) وشيعتها ومحبيها، يمتزج فيه التعظيم والإجلال بالحرقة واللوعة روى السكوني قال: (دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا مغموم مكروب فقال لي: يا سكوني ما غمّك؟ فقلت: ولدت لي ابنة، فقال: يا سكوني، على الأرض ثقلها وعلى الله رزقها تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك، فسرّى والله عني، فقال: ما سميتها؟ قلت: فاطمة، قال: آه آه آه، ثم وضع يده على جبهته - إلى أن قال: - ثم قال: قال لي: أما إذا سميتَّها فاطمة فلا تسبَّها ولا تلعنْها ولا تضربْها)27 .

 

ــــــــــــ

 1- قبس من نور القرآن في درس التفسير الأسبوعي الذي يلقيه سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) يوم الأربعاء 12/ربيع الثاني/ 1446 الموافق 16/10/2024.
2- فروق اللغات لنور الدين الجزائري (ت1158): 89 بواسطة المعجم: 13/749.
3- ممن ذكر ذلك الجرجاني (ت 816) في التعريفات: 41 بواسطة المعجم: 13/747.
4- المعجم في فقه لغة القرآن: 13/ 740، عن ابن دريد صاحب الجمهرة، وأورده في البداية والنهاية لابن كثير: 3/381 بلفظ يختلف ((يا عبد المطلب أرأيت ابنك هذا الذي أكرمتنا على وجهه ما سميته؟ قال: سميته محمداً، قالوا: فلم رغبت به عن أسماء أهل بيته؟ قال: أردت أن يحمده الله في السماء، وخلقه في الأرض)).
ونقل المعجم عن عدة مصادر أن أشخاصاً سمّوا محمداً وأحمداً في الجاهلية قبل ولادة النبي (صلى الله عليه وآله)، وأنا استبعد ذلك وإنما هو من وضع الحسّاد، ولو كان هذا الاسم معروفاً لكان بنو هاشم أولى به فكيف تقول قريش لعبد المطلب: ما هذا من أسماء آبائك، ولو سلمناه فإنهم أخذوه من بشارات أهل الكتاب بالنبي (صلى الله عليه وآله) وإخبارهم بقرب زمانه فتفاءلوا أن يكون ابنهم هو الموعود، قال ابن هشام: ((لا يُعرَف في العرب من تسمّى بهذا الاسم قبله (صلى الله عليه وآله) إلا ثلاثة، طمع آباؤهم - حين سمعوا بذكر محمد (صلى الله عليه وآله) وبقرب زمانه، وأنه يبعث في الحجاز - أن يكون ولداً لهم)) (السيرة النبوية: 1/158).
5- مجمع البيان: 9/ 249، ونقلها في المعجم: 13/775 عن البغوي في معالم التنزيل: 5/80 والميبدي في كشف الأسرار: 10/87 والفخر الرازي: 29/ 313.
6- الكافي: 8/117، كمال الدين: 213 ح2، البرهان: 9/288 ح2.
7- تفسير القمي: 182، بحار الأنوار: 15/180 ح2.
8- عيون أخبار الرضا: ج2، ص 254، باب 56، ح 1.
9- نقل المرحوم الصادقي في (تفسير الفرقان: 28/215 النصوص الأصلية بالسريانية المترجمة عن الأصل اليوناني مع تفاصيل تاريخية وله كتاب بعنوان (رسول الإسلام في الكتب السماوية).
10- نقلناها بواسطة التحقيق في كلمات القرآن الكريم: 2/ 330 وقال عن هذا الإنجيل: ((وهو من أحسن الكتب في المعارف والأخلاق ولطائف الحقائق الإلهية)).
11- المترجمة: 23/ 4176 نقلها عنه في تفسير الأمثل: 14/ 161.
12- نقلناها بواسطة (التحقيق في كلمات القرآن الكريم: 2/329).
13- نقلت جملة من التفاسير هذه النصوص ومنها تفسير الفخر الرازي: 29/313 والمعجم: 13/775.
14- تفسير النور: 9/ 594، عن إنجيل يوحنا، باب 14، جملة 16، وفي تفسير الأمثل والتحقيق ترجمت إلى الفارسية بالمعزّي والمسلّي.
15- إنجيل يوحنا، باب 15، جملة 26.
ولعل العبارة الأخيرة هي ما ذكره الإمام الرضا (عليه السلام) للجاثليق من الإنجيل قال (عليه السلام): (يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى عليه السلام: إني ذاهب إلى ربكم وربي، والبار قليطا جاء هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له) (عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 145).
16- السيرة الحلبية: 1/ 93- 100.
17- تفسير مجمع البيان: 4/445، أورده ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة: ج 14 /ص 61.
18- تفسير مجمع البيان: ج4، ص 29-33.
19- تفسير مجمع البيان: ج4، ص 29-33.
20- الغدير: 7/ 358، الأمثل: 14/ 163.
21- الدر المنثور: 8/ 148.
22- ديوان الذخائر: 5.
23- هذا الحديث وكل الأحاديث التالية وغيرها موجودة في وسائل الشيعة: 21/387-401، أبواب أحكام الأولاد، الأبواب 21-30.
24- وسائل الشيعة: 21/393 ح4.
25- سفينة البحار: 4/ 295.
26- بحار الأنوار: 104/ 130.
27- وسائل الشيعة :ج ٢١ - ص ٤٨٢.