القبس/210 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} الصف:14 - دعوة الى نصرة دين الله تعالى وأوليائه العظام
القبس/210 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} الصف:14 - دعوة الى نصرة دين الله تعالى وأوليائه العظام
قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} (الصف:14).
دعوة من الله تبارك وتعالى إلى جميع المؤمنين أن ينصروا الله تعالى وذلك بأن يكونوا من أنصار رسول الله (J) في نشر الإسلام والدفاع عنه، وهذه الدعوة تشريف للإنسان وسبب لرفعته وافتخاره بأن خالق السماوات والأرض ومن بيده ملكوتهما يدعوه إلى نصرته ليحفّزهم على ذلك، فأن ربط النصرة بالله تعالى يعطيها أكبر زخم، كما أنه يحقق شرط تحصيل الأجر بأن تكون النية خالصة لله تعالى، وليس طمعاً بما عند الرسول (J).
ويذكّرهم الله تعالى بمثل من الرسل اُولي العزم ليتأسّوا به وهو السيد المسيح عيسى بن مريم صلوات الله عليه حينما دعا الحواريين وهم خاصّة مريديه الملازمين له المنقطعين إليه أن ينصروه في دعوته إلى الله تبارك وتعالى وأن يعينوه على أداء رسالته ـ فالنصر هو العون ـ ويعاضدوه في هداية الناس إلى السبيل الموصل إلى الله تبارك وتعالى، فاستجاب له الحواريون وأعلنوا استعدادهم لبذل النصرة والعون لله تعالى من خلال نصرة رسوله ودينه، إذ لابدَّ لكل صاحب مشروع أن يكون له أنصار ومؤيدون ليعينوه على إقامة المنهج الإلهي في الأرض.
فلماذا يدعو (A) الحواريين إلى نصرته وقد كانوا معه (A) ومؤمنين به ويتبعونه ويستفيدون منه، وورد فيهم عن الامام الرضا (A) قوله (وأما عندنا فسميّ الحواريون حواريين لأنهم كانوا مخلصين في أنفسهم ومخلِّصين لغيرهم من أوساخ الذنوب بالوعظ والتذكر)([1])؟ وإنما دعاهم إلى نصرته لأنه (A) أراد منهم تأكيد هذه النصرة والثبات عليها لمّا رأى علامات الخذلان والتكذيب من قومه بني إسرائيل رغم الآيات المتواترة والحجج البيّنة، قال تعالى {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (آل عمران:52-53)، فاستجاب له الحواريون وأشهدوه على تسليمهم المطلق واستعدادهم لبذل الغالي والنفيس في سبيل الحق وكان ذلك بلطف الله تعالى وتأييده لهم {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} (المائدة:111).
وقد أخذ النبي (J) من أصحابه مثل هذا التعهّد بالنصرة والثبات عليها أكثر من مرة ففي بيعة العقبة طالب أهل يثرب أن ينتخبوا اثني عشر رجلاً ليكونوا نقباء عليهم([2])، وكذا في بيعة الشجرة، لإدامة العمل الرسالي وتنظيمه، وتمكين النخبة من قيادة الأمة وإدارة جميع شؤونها، وعدم إحداث فراغ في حياتها، فإذا تحقق ذلك فإن الأمة ستلتف حولهم لما تراه من الخير والصلاح والسعادة، وتنفرز الجماعة المؤمنة عن الفاسدة والمنافقة في معتقداتها وأفكارها وأخلاقها وسلوكها، {فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ} فاذا تحقق هذا الوضوح في الهوية والانتماء: أتى نصر الله والفتح {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} (الصف:14) {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} (الفرقان:31) .
فيدعو الله تعالى المؤمنين بالنبي (J) وأتباع رسالته في جميع الأزمنة والعصور إلى تأكيد مثل هذه النصرة والاستمرار عليها والتواصي بها، ويستنهض هممهم للعمل في سبيل الله لأن الخطاب عام ولا يختص بأصحاب رسول الله (J)، فقد روى الطبرسي في الاحتجاج عن أمير المؤمنين (A) في حديث (ولم يُخْلِ أرضَه من عالِم بما يحتاج الخليقة إليه ومتعلم على سبيل نجاة، أولئك هم الأقلّون عدداً، وقد بَيّن الله ذلك في أمم الأنبياء، وجعلهم مثلاً لمن تأخر عنه مثل قوله في حواريي عيسى حيث قال لسائر بني إسرائيل (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) يعني مسلّمون لأهل الفضل فضلهم ولا يستكبرون عن أمر ربهّم فما أجابه الا الحواريون)([3]).
وتصرح الآية الكريمة بأن النصرة المطلوبة مشروطة بأن تكون لله تبارك وتعالى وفي سبيل الله وإعلاء كلمة الله تعالى وإعزاز دينه فلا قيمة لأي نصرة على أساس التعصب للعشيرة أو الحزب أو شخص معين أو أي عنوان آخر.
إن الله تعالى لم يطلب نصرة عباده لعجز أو ضعف أو نقص في القدرة والقوة وهو تعالى وصف نفسه بكل قدرة وقوة {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة:148) وقال تعالى {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} (البقرة:165) وقال تعالى {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (آل عمران:126)، {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال:10) وقال تعالى {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} (آل عمران:160).
وأثبت سبحانه عجز كل ما سواه من القوى وإنْ استعلت واستكبرت وتجبّرت قال تعالى {وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} (الأعراف:192) وقال تعالى {وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرً} (النساء:173) وقال تعالى {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} (النساء:139).
وكذلك فأنه تبارك وتعالى لم يستقرضنا من فقر أو نقص أو عجز بقوله {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} (الحديد:11).
وإنما كان طلب النصرة منه تعالى ليوفر لنا فرصاً عظيمة للطاعة والتكامل حتى نسمو ونرتقي وننال الدرجات الرفيعة، وفي ذلك قال أمير المؤمنين (A): فَلَمْ يَسْتَنْصِرْكُمْ مِنْ ذُلٍّ وَلَمْ يَسْتَقْرِضْكُمْ مِنْ قُلٍّ اسْتَنْصَرَكُمْ وَلَهُ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَاسْتَقْرَضَكُمْ وَلَهُ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فَبَادِرُوا بِأَعْمَالِكُمْ تَكُونُوا مَعَ جِيرَانِ اللَّهِ فِي دَارِهِ رَافَقَ بِهِمْ رُسُلَهُ وَأَزَارَهُمْ مَلَائِكَتَهُ وَأَكْرَمَ أَسْمَاعَهُمْ أَنْ تَسْمَعَ حَسِيسَ نَارٍ أَبَداً وَصَانَ أَجْسَادَهُمْ أَنْ تَلْقَى لُغُوباً وَنَصَباً ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)([4]).
والسؤال هنا: كيف لمخلوق ضعيف عاجز مثلنا يطلب منه أن ينصر الله تعالى؟ وفي الإجابة نقول إن نصرة الله تعالى تتجلى في ميادين عديدة ولها اشكال متنوعة:
أولها: النفس وهي الساحة الأولى والأهم لنصرة الله تعالى قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} (المائدة:105) وحكي عن أمير المؤمنين (A) قوله (ميدانكم الأول أنفسكم فحاسبوها قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر) وهذا المعنى مكرَّر كثيراً في كلمات المعصومين (D) حتى أصبح متواتراً كقول علي (A) (سياسة النفس أفضل سياسة)([5]).
وتتحقق هذه النصرة بتهذيب النفس الأمارة بالسوء وكبح جماح شهواتها والسيطرة على غرائزها وتنقيتها من أغلال الأنانية والحقد والتعصب والحسد وحب الدنيا وسائر الرذائل، وتزيينها بالفضائل والعلوم النافعة والتفقه في الدين والعمل به، وقد أطلق النبي (J) على هذه الحركة المباركة (الجهاد الأكبر)([6]) وفي دعاء الصباح لأمير المؤمنين (A) (وَاِنْ خَذَلَني نَصْرُكَ عِنْدَ مُحارَبَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطانِ فَقَدْ وَكَلَني خِذْلانُكَ اِلى حَيْثُ النَّصَبُ وَالْحِرْمانُ)([7]).
ثانياً: الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى وتحبيبه إلى الناس بذكرِ عظيمِ رحمته وكرمه وإحسانه وجميل صنعه وسمو صفاته، ودحض الإلحاد والشرك بالحجج والبينات، وقد أتاح الله تعالى لنا اليوم أعظم الوسائل للدعوة والتبليغ والنشر من خلال التقنيات المعاصرة فنستطيع أن نوصل صوت الإيمان إلى ملايين البشر من خلال المنصات الإلكترونية الفاعلة والجاذبة والمؤثرة.
ثالثاً: نصرة حجج الله تعالى على خلقه وهم النبي(J) وآله المعصومون (D) وتعظيمهم ومودتهم ونشر سيرتهم العطرة والاستفادة منها والدفاع عن حقهم وإظهار مظلوميتهم.
رابعاً: الالتفاف حول العلماء العاملين المخلصين لربهم ودينهم وأمتهم فإنهم ورثة الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) وحملة رسالتهم المباركة.
خامساً: نصرة دين الله تعالى بنشره وتعريف الناس به وتحبيبه إلى الناس وتثبيت قلوب المؤمنين ورد الشبهات ووأد الفتن والعمل على هداية الناس وإرشادهم
إلى الحق وتعليمهم الأحكام الشرعية والأخلاق الفاضلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن أداء هذه الفريضة الإلهية أعظم نصرة لله تعالى، روي عن الامام الباقر (A) قوله (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله، فمن نصرهما أعزّه الله ومن خذلهما خذله الله)([8]).
سادساً: السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان وتحريره من أغلال الظلم والانحراف والمعاصي والعبودية للطواغيت والمستكبرين ونصرة المستضعفين والمحرومين التوّاقين للكمال والحرية، قال تعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} فالغرض من بعث الأنبياء والرسل وإنزال الكتب والشرائع إقامة العدالة الاجتماعية وتحرير الإنسان ثم قال تعالى {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحديد:25) وقد تعني (بِالْغَيْبِ) في زمان عدم حضور المعصوم (A) لوفاة أو غَيبَة كزماننا الحاضر.
سابعاً: إقامة شعائر الله تعالى والحث عليها والمساهمة فيها بما يتيسر، وإعمار المساجد وتفعيل دور المسجد والقرآن في حياة الأمة وفق البرامج التي ذكرناها في خطابات سابقة.
ثامناً: الانضمام إلى الأنشطة الاجتماعية المثمرة كالأعمال الخيرية والخدمية والتنموية والتوعوية والعلمية والثقافية ورعاية المواهب والكفاءات وإيجاد فرص العمل وقضاء حوائج الناس وتزويج المتعففين فهذه كلها من الدين وقد قال تعالى {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} (الأنفال:72).
ويحذّر الله تبارك وتعالى من التقاعس عن هذه النصرة {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} (الأنفال:73) وقد ضمّنها النبي (J) في حديثه عن مخاطر ترك سنة الزواج([9]).
القيام الفاطمي نصرة لله تعالى:
أيها السيدات والسادة الموالون للنبي وآله الكرام (صلوات الله عليهم أجمعين):- لقد خرجت السيدة الزهراء (B) من دارها وهي العقيلة الخفرة التي كانت تكره الخروج من منزلها وقد قالت ذلك لأمير المؤمنين (A) (خرجْتُ كاظمةً وعُدتُ راغمة)([10])، لكنها خرجت تلبية لهذا النداء الإلهي العظيم، لتنصر الله تعالى ورسوله ووليّه الأعظم، ولتعيد الحق إلى نصابه، وتصون الدين من الانحراف والتشويه، وتحمي الأمة من الفساد والضلال وتستنهضهم وتستثير هممهم للدفاع عن الحق، فتخاطب الأنصار بقولها ( إيها بني قيلة، وأنتم ذوو العدد والعدّة، والأداة والقوة، وعندكم السلاح والجُنّة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت)([11]).
فما كان عذرهم إلا أن قالوا (يا سيدة النساء، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد ويحكم العقد، لما عدلنا عنه إلى غيره) فقالت (B) (إليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم، ولا أمر بعد تقصيركم)([12]).
وببركة ذلك القيام الفاطمي المخلص لله تبارك وتعالى تعززت مسيرة نصرة الدين وإقامة أحكامه ورفض الظلم والفساد والانحراف، وسار على خطاها المؤمنون الصادقون، فلا تقصروا في الالتحاق بهذا الركب المبارك وعدم إدخار أي جهد عن نصرة الدين وأهله وهنا يحثنّا أمير المؤمنين (A) على بذل كل الجهود في هذه المجالات المتنوعة لنصرة الله تعالى قال (A) (أَسْهِرُوا عُيُونَكُمْ وَأَضْمِرُوا بُطُونَكُمْ وَاسْتَعْمِلُوا أَقْدَامَكُمْ وَأَنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ وَخُذُوا مِنْ أَجْسَادِكُمْ فَجُودُوا بِهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَبْخَلُوا بِهَا عَنْهَا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ)([13]).
وهذه هي الدعوة التي نعلن تلبيتها عند زيارة الامام الحسين (A) فنقول له (لبيّك داعي الله إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري)([14]).
وقد كتب الله تعالى على نفسه ان ينصر من نصره ويثبّت قدمه على الصراط المستقيم قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد:7) وقال تعالى {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (الصافات:171-173) وقال تعالى {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم:47) وقال تعالى {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر:51) أي في الدنيا والآخرة بالتمكين وقوة الحجة وظهور أمر الدين.
وقال تعالى {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج:40) وقال تعالى {بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} (آل عمران:150).
نعم قد يتأخر نصر الله تعالى لحكمة يعلمها ولا نعلمها، أو لتمحيص الناس وتمييز الصادق من المدعي والمخلص من المنافق {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} (الحديد:25)، وقد يمرّ المؤمنون بصعاب ومكاره وشدائد تزلزل نفوسهم، إلا أنها تقوي إيمانهم وتنقّي إخلاصهم، وأنهم في النهاية هم المنتصرون {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة:214) وقال تعالى {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} (يوسف:110) وقال تعالى {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} (الأنعام:34).
واعلموا أن من يتقاعس ويتخاذل ويبخل فإنه لا يضر إلا نفسه وإن الله غني عن العالمين وسيأتي بقوم آخرين يقومون بهذا الواجب ويفوزون بثوابه العظيم {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} (التوبة:40) وقال تعالى {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد:38).
أيها الأحبة:
إن جهودكم وتضحياتكم في نصرة الدين وتعظيم هذه الشعائر الإلهية بعين الله تعالى وأوليائه العظام وهي مدّخرة لكم عنده تبارك وتعالى، وأنقلُ لكم هذه البشارة على لسان الإمام الصادق (A) لكل الموالين العاملين المخلصين حيث فضّلهم الإمام (A) على حواري عيسى (A)، فقد روى الشيخ الكليني (v) بسنده عن الإمام الصادق (A) قال (إِنَّ حَوَارِيَّ عِيسَى (A) كَانُوا شِيعَتَهُ، وَ إِنَّ شِيعَتَنَا حَوَارِيُّونَا، وَ مَا كَانَ حَوَارِيُّ عِيسَى بِأَطْوَعَ لَهُ مِنْ حَوَارِيِّنَا لَنَا، وَ إِنَّمَا قَالَ عِيسَى (A) لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ، فَلَا وَ اللَّهِ مَا نَصَرُوهُ مِنَ الْيَهُودِ وَ لَا قَاتَلُوهُمْ دُونَهُ، وَ شِيعَتُنَا وَ اللَّهِ لَمْ يَزَالُوا مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ رَسُولَهُ (J) يَنْصُرُونَّا وَ يُقَاتِلُونَ دُونَنَا وَ يُحْرَقُونَ وَ يُعَذَّبُونَ وَ يُشَرَّدُونَ فِي الْبُلْدَانِ جَزَاهُمُ اللَّهُ عَنَّا خَيْراً وَ قَدْ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (A) وَ اللَّهِ لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ مُحِبِّينَا بِالسَّيْفِ مَا أَبْغَضُونَا وَ وَ اللَّهِ لَوْ أَدْنَيْتُ إِلَى مُبْغِضِينَا وَ حَثَوْتُ لَهُمْ مِنَ الْمَالِ مَا أَحَبُّونَا)([15]) .
نسأل الله تعالى ان يثبّتنا على دينه وولاية أهل البيت (D) وان يجعلنا ممن ينتصر بهم لدينه ويرضى عنهم ببركة السيدة فاطمة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها (صلوات الله عليهم أجمعين).
([1]) علل الشرائع: 80/1 باب 72، تفسير البرهان: 2/222 ، ح1
([2]) روى السيوطي في (الدر المنثور: 6/214) ان رسول الله (J) قال لأهل بيعة العقبة (أخرجوا إليَّ اثني عشر رجلاً منكم يكونوا كفلاء على قومهم كما كفلت الحواريون لعيسى بن مريم).
([3]) الاحتجاج: 1/368
([4]) نهج البلاغة: الخطبة 183
([5]) غرر الحكم: 5589
([6]) وسائل الشيعة: 15/161 أبواب جهاد النفس، باب 1 ح 1
([7]) مفاتيح الجنان: 96 دعاء الصباح
([8]) وسائل الشيعة: 16/124 أبواب الأمر والنهي، باب: ح 20
([9]) في الكافي والتهذيب عدة روايات معتبرة عن الإمامين الباقر والصادق (C) عن رسول الله (J) أنه قال (اذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجّوه، الا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) (وسائل الشيعة: 20/76 أبواب مقدمات النكاح، باب 28).
([10]) الاحتجاج للطبرسي: 1/137
([11]) الاحتجاج للطبرسي: 1/133
([12]) الاحتجاج للطبرسي: 1/140
([13]) نهج البلاغة: الخطبة 183
([14]) مفاتيح الجنان: 473 الزيارة المخصوصة في أول رجب والنصف منه ومن شعبان.
([15]) الكافي (الروضة): 8/268 ح 396 ، تفسير البرهان: 9/292 ح 2