{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} - لا مكان للتفاهة في حياة الإنسان

| |عدد القراءات : 192
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115]

لا مكان للتفاهة في حياة الإنسان[1]

 

آية جليلة القدر عظيمة البركات، روى في الدر المنثور ان عبد الله بن مسعود قرأها في إذن مصاب مع الآيات الثلاثة التالية حتى نهاية السورة فبرأ لأنه سمع من رسول الله (J) قوله:(والذي نفسي بيده لو أن رجلاً موقناً قرأها على جبل لزال).

وفيه أيضاً عن أحد أصحاب النبي (J) قال: ((بعثنا رسول الله (J) في سرية وأمرنا أن نقول إذا نحن امسينا وأصبحنا {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} فقرأناها فغنمنا وسلمنا)) ([2]).

يظنّ كثير من البشر أنه لا توجد حياة أخرى بعد الموت ولا بعث ولا نشور ولا حساب ولا جنة ولا نار، وهو وهم باطل يريد به هؤلاء أن يخدعوا أنفسهم، حتى يطلقوا العنان لشهواتهم وأهوائهم ليفعلوا ما يشاؤون ما داموا لا يتعرضون للحساب.

فالآية الكريمة توجِّه لهم استفهاماً استنكارياً فيه توبيخ على هذا الاعتقاد ممزوجاً بالحسرة والأسف، وهكذا في قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36]، فإن ظنَّكم بعدم وجود يوم القيامة الذي ترجعون فيه إلى خالقكم ليحاسبكم على أعمالكم، يلزم منه أَنَّ خلقكم وايجادكم في الدنيا عبث وليس وراءه هدف صحيح، ولا يثاب المحسن على إحسانه ولا يعاقب المسيء على إساءته ولا ينتصف المظلوم من الظالم، وفي كل هذا ظلم لله سبحانه وتعالى ووصفه بغير الحكمة والعدالة والقدرة، لذا جاءت الآية التالية حاسمة في التنزيه {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 116].

 فهذا الظن وهم باطل لا يليق بالخالق الحكيم الرحيم ولا يستند إلى دليل، بل هو على خلاف الحق والبرهان الساطع الذي يذعن له العقل السليم، فإن الله تعالى لم يخلقكم عبثاً من دون غرض صحيح، وهذه الغاية هي التي تجعل للحياة معنى وقيمة ولولا وجود يومٍ يكافئ به المحسنون ويعاقب فيه المسيئون لما كان أي حافز لفعل الخير ولا رادع عن فعل الشر، وهذا أحد الأدلة على وقوع المعاد والحساب، وهو دليل نفي العبثية في الخلق، فالبعث وما يليه من الحساب والجزاء هو الحلقة الأخيرة في النشأة لتبلغ به كمالها وتمامها، ولا يغفل عن هذه الحقيقة المتجلية في صفات الكون إلا من عَمِي قلبه عن رؤية الحق.

وهكذا تكشف الآية عن أنَّ كثيراً مما يظنه الأنسان ويعتقد به هو وهم باطل، لأنه لم يأخذه من المعين الصافي.

فعلى الإنسان أن يستشعر مسؤوليته عن وجوده في هذه الدنيا، وأن يستعد للحساب عند رجوعه إلى الله تعالى يوم القيامة ومن يستسلم للغفلة سيفاجأ بما يجد في كتاب أعماله {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47] فإنه مخلوق للآخرة وهي الحياة الباقية {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64] والدنيا دار ممر لها، يتزود منها الإنسان بما يضمن له السعادة والفوز في الآخرة، وليست هي هدفاً بنفسها حتى تكون كل همَّه، قال أمير المؤمنين (A):( الدنيا خلقت لغيرها ولم تخلق لنفسها)[3].

وقد أكّدت عدة آيات قرآنية على هذه الحقيقة وهي نفي العبثية في خلق الكون والإنسان بألفاظ متعددة كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} [الدخان: 38] واللعب كالعبث يطلق على الفعل الذي يخلو من الغرض الصحيح، وقوله تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}[الأنبياء: 16-17] واللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمّه، وكل ذلك باطل نقيض الحق {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص : 27] {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران : 191].

فلا يضيّع الإنسان أي جزء من وقته من دون اكتساب ما ينفعه في آخرته، فإن عمره رأسماله الذي سُلِّم إليه ليستثمره في الخيرات والحسنات.

وأشارت عدة آيات كريمة إلى الغرض من خلق الإنسان، بعضها على نحو الغرض النهائي كقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود : 119] فقد خلقهم الله ليتنعموا برحمته ويسعدوا برضوانه، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء : 70] فالغرض تكريمه وبيان أفضليته {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء : 70]، وبعضها على نحو الوسيلة للوصول إليه كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56] روي عن الإمام الحسين (A) قوله:(أيها الناس، إن الله جلَّ ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه)[4]، فخروجه إلى الدنيا لخوض هذه التجربة والاختيار حتى يتأهل لنيل الكرامة والسعادة، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك : 2].

روى الشيخ الصدوق في العلل بسنده عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال:( سألت الصادق جعفر بن محمد (C) فقلت له: لم خلق الله الخلق؟ إن الله تبارك وتعالى لم يخلق الخلق عبثاً ولم يتركهم سدى، بل خلقهم لإظهار قدرته، وليكلفهم طاعته، فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ولا ليدفع بهم مضرّة، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى النعيم)[5].

وفي الآية تقريع وزجر للعابثين في هذه الحياة الغافلين عمّا خلقوا لأجله والمهوسين بالتفاهات، حتى أصبحت (صناعة التفاهة) كما يسمونها رائجة، وكلما كان المحتوى هابط للمنشور أو المقطع الفيديوي أكثر تفاهة وانحطاطاً كان أكثر رواجاً ويلقى إعجاب الملايين، فتسابق طالبو الشهرة والمال لابتكار التفاهات، بينما المواقع التي تبني الإنسان وتغذّي الفكر وتنمّي القدرات الإيجابية لا يرتادها إلا القلة.

إن صناعة التفاهة ونشرها بين الناس ليست وليدة اليوم، بل هي سياسة تتبعها الحكومات الجائرة الظالمة لإلهاء الشعوب عن قضاياها الأساسية، وإشغالهم عن محاسبة الحكام الظلمة والالتفات إلى جرائمهم، ولتسطيح عقول الناس وتجهيلهم حتى يكونوا كالقطيع الذي يقاد بلا وعي كالشعوب الغربية اليوم، حتى تشبّه الآلاف منهم بالكلاب في نباحهم وسلوكهم ومشيهم على أربع، وآخرون بالخراف كذلك ولهم حظائر يأوون إليها، أما تغيير الجنس والمثلية والشذوذ فحدّث ولا حرج، حتى قالوا إن الإنسان حينما يولد يكون منقسماً بايولوجياً إلى ذكر وانثى أما بعد ذلك فان النوع الاجتماعي أو الجندر لا حدود له فيمكن أن يكون حماراً أو خشبة أو وحشاً أو غير ذلك حسبما يشتهيه ويميل إليه، ويجري كل ذلك باسم الحرية الزائفة.

وكان حكام بنو أمية نشطين في صناعة التفاهة خصوصا في الحرمين المقدسين مكة والمدينة، لأن فيها بقايا أصحاب النبي (J) والفقهاء والصلحاء وعلى رأسهم أئمة أهل البيت (D)، فتعمدوا إسقاط قدسية هاتين المدينتين والقضاء على الأخلاق الكريمة والعفة والشرف بنشر الخلاعة والمجون، فكان شاعرهم عمر بن أبي ربيعة المخزومي يتجول في شوارع المدينة المقدسة وينشد في الغزل شعرا خليعاً وحوله الفاسقات يغنين ويضربن بالدفوف ((وكان يتعرض لنساء الحاج ويشبّب بهن))[6].

وانتشر المهرجّون الذين يضحكون الناس بالمقالب التي ينصبونها لأهل الصلاح والشرف أو عامّة، الناس، وتطورّت الحالة في العصر العباسي حيث نشأت مجاميع من يُسمَّون بالشطّار والعيّارين، وأغرت هذه الحرفة كثيرين مما دفعهم إلى ترك طلب العلم لأنهم وجدوا سوقه كاسداً، فاتجهوا إلى صناعة التفاهة طلباً للدنيا، وقد عبَّر بديع الزمان الهمداني (ت:398 هـ) في المقامة القردية من مقاماته، عن دافع هؤلاء مع اعترافهم بدناءة فعلهم بعد أن وصف ازدحام الناس على قَرَّادٌ يُرْقِصُ قِرْدَهُ بما ورد...... فَقُلتُ: مَا هَذِهِ الدَّنَاءَةُ وَيْحَكَ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

الذَّنْبُ لِلْأَيَام لاَ لِي

فَاعْتِبْ عَلَي صَرْفِ اللَّيالِي

بِالحُمْقِ أَدْرَكْتُ المُنَى

وَرَفَلْتُ فَي حُلَلِ الجَمَالِ ([7])

 

ويعلمنا الإمام ([8]) السجاد (A) في أدعيته التي تمثل مدرسة متكاملة للمعارف الإلهية والأخلاق الفاضلة وأسس الحياة السعيدة، يعلمنا الهدفية في الحياة وألا نصرف اوقاتنا إلا فيما ينفعنا، ومن ذلك قوله:( وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا تَسْأَلُنِي غَداً عَنْهُ وَاسْتَفْرِغْ أَيَّامِي فِيمَا خَلَقْتَنِي لَهُ)[9].

أي كرّس أعمالي لما تطلبه مني يوم القيامة كالصلوات في أوقاتها وصيام شهر رمضان وتلاوة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب المحارم والبر بالوالدين والإحسان إلى الناس وعدم الظلم ونحو ذلك.

وكان لأئمة المسلمين (D) المواقف الصارمة في مواجهة هذه التفاهات كصنع المقالب والقيام بحركات لإضحاك الناس، فقابلوها بالتوهين والتحقير، تارة وبالموعظة والنصيحة وبالتحذير من سوء العاقبة تارة أخرى، روى الشيخ الصدوق في الأمالي بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:(كان بالمدينة رجل بطّال يضحَكُ الناسُ منه، فقال: قد أعياني هذا الرجل أن أُضحِكه-يعني علي بن الحسين (عليهما السلام) - قال: فمّر عليٌّ وخلفه موليان له فجاء الرجل حتى انتزع رداءه من رقبته ثم مضى، فلم يلتفت إليه علي (عليه السلام)، فاتبعوه -أي الموليان- وأخذوا الرداء منه، فجاءوا به فطرحوه عليه، فقال لهم: من هذا؟ فقالوا له: هذا رجل بطّال يضحك منه أهل المدينة، فقال (عليه السلام): قولوا له: إن لله يوماً يخسر فيه المبطلون)[10].

أقول: يشير (A) بذلك إلى قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} [الجاثية: 27]. هذه الخسارة التي تحدثت عنها الآيات عديدة كما في قوله تعالى: {إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ} [الشورى: 45] لأنهم خسروا كل رأسمالهم فيما يضرُّهم ولا ينفعهم.

وكان الإمام السجاد (A) يحذّر الناس من هذه الأفعال ويعتبرها من الكبائر، روى أبو خالد الكابلي عن سيد الساجدين (عليه السلام) في تفسير (الذنوب التي تهتك العصم) بأنها (شرب الخمر ولعب القمار، وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو والمزاح وذكر عيوب الناس)[11].

ويزداد قبح الفعل إذا تضمّن كذباً أو إيذاءً للناس واستهزاءً بهم، وهو ما يحصل عادة في المقالب أو الكاميرا الخفية أو كذبة نيسان وامثالها، روى في الترغيب والترهيب: عن أبي الحسَنِ - وكانَ عَقَبيّاً بَدْريّاً -: كُنّا جُلوساً معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله، فقامَ رجُلٌ ونَسِيَ نَعلَيهِ، فأخَذَهُما رجُلٌ فوَضَعهُما تَحتَهُ، فرَجعَ الرّجُلُ فقالَ: نَعْلَيَّ، فقالَ القَومُ: ما رأيناهُما، فقالَ: هُوَ ذَه، فقالَ [رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله]: فكيفَ برَوعَةِ المؤمنِ؟! فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، إنّما صَنعتُهُ لاعِباً، فقال: فكيفَ برَوعَةِ المؤمنِ؟! - مَرَّتينِ أو ثلاثاً)[12]، فأين مجتمعنا الذي يتبجح بانتقاص الآخرين والسخرية منهم من هذه الأخلاق الكريمة.

لذا ورد التحذير منه والوعيد بأشد العقوبات، -من وصية النبي (J) لأبي ذر (ويل للذي يحدِّث فيكذب ليضحك القوم، ويل له ويل له ويل له) [13]وفي رواية أخرى (إن الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوي في جهنم ما بين السماء والأرض)[14].

روى سيف بن عميرة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:(كان يقول علي بن الحسين (عليهما السلام) لولده: اتقوا الكذب، الصغير منه والكبير، في كل جد وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير، أما علمتم إن رسول الله (J) قال: ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله صدّيقاً، وما يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كذابا) ([15]).

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:( وإياك أن تذكر من الكلام ما يكون مضحكاً وإن حكيت ذلك عن غيرك) ([16])، فالتبرير بمقولة (ناقل الكفر ليس بكافر) يحتاج إلى وقفة تأمّل ومراجعة.

وفي نهج البلاغة (ما مزح أمرؤ (رجل) مزحةً إلا مجّ من عقله مجة) ([17]).

وفي أمالي الصدوق: عن الصادق عليه السّلام قال: (لا تمزح فيذهب نورك ولا تكذب فيذهب بهاؤك).

وروى صاحب السرائر في وصيّة الكاظم عليه السّلام لبعض ولده: (إيّاك والمزاح فانّه يذهب بنور إيمانك ويستخف مروّتك)‏ ([18]).

وهذ النهي لا يشمل المزاح مع المؤمنين وملاطفتهم وإدخال السرور عليهم فإنه مستحب إذا خلا من الكذب والباطل وإيذاء الآخرين والاستهزاء بهم ومن كل ما يوجب عداوتهم وتخجيلهم وأمثالها، ففي الكافي بسنده عن يونس الشيباني قال: قال أبو عبد الله (A) (كيف مداعبة بعضكم بعضاً؟ قلت: قليل، قال: فلا تفعلوا ([19]) فإن المداعبة من حسن الخلق، وإنك لتُدخِل السرور على أخيك، ولقد كان رسول الله (J) يداعب الرجل يريد أن يسرّه) ([20]) وروي (أن رسول الله (J) كان يمزح ولا يقول إلا حقاً ولا يؤذي قلباً ولا يفرط فيه) ([21]).

 ومما روى في مزاح النبيّ (J) أنه كان يأكل تمرا مع علي (A) وكان يضع النوى قدّام علي (A) فلمّا فرغا قال: يا علي هذا النوى كلّه أمامك انّك لأكول، فقال يا رسول اللّه الأكول الّذي يأكل التمر و نواه يعني به النبي (A) لأنّه لم يكن عنده نوى التمر) ([22]).

 وروي أن رجلاً أتى النبي (J) فقال: يا رسول الله أحملني، قال النبي (J): إنّا حاملوك على ولد ناقة، قال: وما أصنع بولد ناقة؟ -وكأنه ظنّ أنه يعطيه ولد الناقة الصغير فلا ينفعه بالحمل وغفل عن أن الناقة الكبيرة تلدها الناقة أيضاً- فقال النبي (J): وهل تلد الأبلَ إلا النوق)[23].

وفي الكافي عن معمر بن خلاد سألت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك الرجل يكون مع القوم فيجري بينهم كلام يمزحون ويضحكون؟ فقال: لا باس ما لم يكن، فظننت أنه عنى الفحش، ثم قال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأتيه الاعرابي فيهدي له الهدية ثم يقول مكانه: أعطنا ثمن هديتنا فيضحك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان إذا اغتم يقول: ما فعل الاعرابي ليته أتانا ([24]).

نسأل الله تعالى أن يوقظنا من نومة الغافلين المبعدين (وَعَمِّرْنِي مَا كَانَ عُمْرِيْ بِذْلَةً فِي طَاعَتِكَ)[25]

 

 



[1] - ألقي هذا القبس القرآني على طلبة البحث الخارج ضمن درس التفسير الأسبوعي يوم الأربعاء 25/ربيع الأول/1445 الموافق 11/10/2023.

[2] - الدر المنثور: 5/122، ط.دار الفكر.

[3] - نهج البلاغة: الحكمة: 463.

[4] -بحار الانوار: 5/312.

[5] - نور الثقلين:3/566.

[6] - الاعلام للزركلي:5/211، ط/3 عن مصادره.

[7] - مقامات بديع الزمان للهمداني: ج1/ص 106.

[8] -تحدث سماحة المرجع (دام ظله) بملخّص هذا القبس تزامناً مع ذكرى استشهاد الإمام السجاد (A) مع حشد كبير من الشباب والطلبة الجامعيين في نهاية الدورة الصيفية المكثفة التي يتلقونها في النجف يوم 27 محرم 1445 الموافق 15/8/2023.

[9] - الصحيفة السجادية: الدعاء العشرون: مِنْ دُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ومَرْضِيِّ الْأَفْعَالِ.

[10] - أمالي الصدوق:289.

[11] - معاني أخبار للصدوق:270/271، وسائل الشيعة :16/282، ط. مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).

[12] - ميزان الحكمة: 8/124 عن الترغيب والترهيب: 3 / 484 / 5.

[13] - وسائل الشيعة:12/251 ط. مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).

[14] - وسائل الشيعة (آل البيت): ج ١٢ /ص ٢٥١.

[15] - وسائل الشيعة: ١٢ /ص ٢٥٠ ط. مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).

[16] - نهج البلاغة،3/ 56.

[17] - نهج البلاغة: الحكمة450.

[18] - سفينة البحار: ج8/ص67.

[19] - أي لا تقللّوا من المداعبة، وفي (مكارم الأخلاق:1/58 ح47) (هلّا) وهو الأنسب.

[20] - الكافي:2/663 ح3.

[21] -بحار الأنوار:69/235.

[22] - الأنوار النعمانية - الجزائري، السيد نعمة الله - مجلد4 ص: 71.

[23] -بحار الأنوار:16/294، ح1، سنن أبي داوود:4/200 ح4998، ميزان الحكمة:8/123.

[24] - الكافي - الشيخ الكليني - ج ٢ /ص ٦٦٣، ميزان الحكمة:8/124.

[25] - من دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد (A).