ملحق: زيادة قيمة العمل بإهدائه
ملحق:زيادة قيمة العمل بإهدائه
(الدنيا مزرعة الآخرة)([1])ومتجر أولياء الله تعالى وقد عبّر القرآن الكريم عن عمل الانسان في الدنيا وسعيه بالتجارة (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم) (الصف:10) (يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) (فاطر:29) فمنها يكتسب الانسان نعيم الجنان في الآخرة وفيها يزرع الثمر المبارك الذي يحتاجه في حياته الباقية، وهذه الحقيقة تدفع الانسان الواعي البصير إلى السعي الحثيث لزيادة أرباحه ورصيد حسناته عند الله تبارك وتعالى.
ولزيادة الأرباح اسلوبان:
1- بأن يزيد من اعماله الصالحة ويستثمر كل ما يستطيع من اوقاته في اكتسابها وتجنب السيئات.
2- زيادة قيمة اعماله حتى يحصل على أجر ازيد في نفس العمل.
وكلامنا في الأسلوب الثاني فمثلاً ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام):(صلاة متطيب أفضل من سبعين صلاة بغير طيب)([2]) فمسحة من العطر تضاعف قيمة الصلاة سبعين مرة، وفي حديث آخر عن الامام الصادق (عليه السلام) (ركعتان يصليهما متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها غير المتزوج)([3]) فالتزويج يضاعف قيمة الصلاة سبعين ضعفاً، وورد في الاحاديث ان الصلاة في المسجد تعدل كذا صلاة في غيره، والصلاة جماعة تعدل كذا، فإذا استطاع المؤمن بالالتزام بهذه الأمور من مضاعفة صلاته الاف المرات بضرب هذه الاعداد ببعضها.
ومما يزيد قيمة العمل اهداؤه إلى الآخرين، فان الاجر على العمل يتضاعف بعدد من اهدي إليهم وليس يُقسَّم ثوابه على من اهداه اليهم، لذا ورد الخبر عن أبي الحسن (عليه السلام) قال:(قال أبو عبدالله (عليه السلام):لو أشركت ألفا في حجتك لكان لكل واحد حجة من غير ان تنقص حجتك شيئاً)([4]) وقد تزيد قيمته اكثر اذا اهداه الى والديه لأنه يكتب له برَّ بهما او إلى قرابته لأنه سيضاف إليه ثواب صلة الرحم ففي صحيحة هشام بن الحكم عن ابي عبدالله (عليه السلام) (في الرجل يشرك أباه وأخاه وقرابته في حجه؟ فقال:اذن يكتب لك حج مثل حجتهم وتزاد أجراً بما وصلت)([5]).
ومما ورد في ذلك (موثقة إسحاق بن عمار عن ابي إبراهيم (عليه السلام) قال:سألته عن الرجل يحج فيجعل حجته عمرته أو بعض طوافه لبعض اهله وهو عنه غائب ببلد آخر ،قال:قلت:فينقض ذلك من أجره؟ قال:لا هي له ولصاحبه وله أجر سوى ذلك بما وصل، قلت:وهو ميت هل يدخل ذلك عليه؟ قال:نعم، حتى يكون مسخوطاً عليه فيغفر له، أو يكون مضيقاً عليه فيوسع عليه، قلت:فيعلم هو في مكانه أن عمل ذلك لحقه؟ قال:نعم، قلت:وإن كان ناصبياً ينفعه ذلك؟ قال:نعم، يخفف عنه)([6]) .
وأفضل ما يكون الاهداء والنيابة عن المعصومين (عليهم السلام) فقد روى عن موسى بن القاسم قال: (قلت لابي جعفر الثاني (عليه السلام):قد أردت أن أطوف عنك وعن أبيك فقيل لي:إن الاوصياء لا يطاف عنهم، فقال لي بل طف ما أمكنك فإنه جائز. ثم قلت له بعد ذلك بثلاث سنين:إني كنت أستاذنتك في الطواف عنك وعن أبيك فأذنت لي في ذلك فطفت عنكما ما شاء الله ثم وقع في قلبي شيء فعملت به قال:وما هو؟ قلت:طفت يوما عن رسول الله (صلى الله عليه واله) فقال:ثلاث مرات صلى الله على رسول الله، ثم اليوم الثاني عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن (عليه السلام) والرابع عن الحسين (عليه السلام) والخامس عن علي ابن الحسين (عليهما السلام) والسادس عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) واليوم السابع عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) واليوم الثامن عن أبيك موسى (عليه السلام) واليوم التاسع عن أبيك علي (عليه السلام) واليوم العاشر عنك يا سيدي وهؤلاء الذين أدين الله بولايتهم فقال:إذن والله تدين بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره، قلت:وربما طفت عن أمك فاطمة (عليهما السلام) وربما لم أطف، فقال:استكثر من هذا فإنه أفضل، ما أنت عامله إن شاء الله)([7]) .
وتذكر بعض الروايات ثواباً عظيماً لمن يهدي الاعمال الصالحة للمعصومين (عليهم السلام) بان يكون معهم في درجتهم فقد روى علي بن المغيرة، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال:قلت له:إن أبي سأل جدك، عن ختم القرآن في كل ليلة، فقال له جدك:كل ليلة، فقال له:في شهر رمضان، فقال له جدك:في شهر رمضان، فقال له أبي:نعم ما استطعت.
فكان أبي يختمه أربعين ختمة في شهر رمضان، ثم ختمته بعد أبي فربما زدت وربما نقصت على قدر فراغي وشغلي ونشاطي وكسلي فإذا كان في يوم الفطر جعلت لرسول الله (صلى الله عليه واله) ختمة ولعلي (عليه السلام) أخرى ولفاطمة ($) أخرى، ثم للأئمة (%) حتى انتهيت إليك فصيرت لك واحدة منذ صرت في هذا الحال - أي منذ التفت إلى ولايتكم أو الى هذه الفكرة - فأي شيء لي بذلك؟ قال:لك بذلك أن تكون معهم يوم القيامة، قلت:الله أكبر فلي بذلك؟! قال:نعم، ثلاث مرات)([8]) .
وهذا كله من فضل الله تعالى وكرمه، وفي الحديث القدسي (إنما خلقت الخلق ليربحوا علىّ ولم أخلقهم لأربح عليهم)([9]) .
وقد اشرت في بحثي الفقهي عندما تناولت مسألة (الفصل بين عمرتين)([10]) إلى ما يذهب إليه المشهور من عدم صحة العمرتين في شهر واحد وانا أخالفهم في ذلك ولكن على المشهور فليس الاجراء الصحيح أن نعتمر مرة واحدة في شهر ما ثم ننتظر دخول الشهر الثاني للاعتمار مرة ثانية، بل الصحيح أن نكرر العمرة ولو في كل يوم مرة أو مرتين لكن بالنيابة عن المعصومين (عليهم السلام)، لأن ما اشترطوه من الفصل بين عمرتين بشهر واحد كاف عن نفسه اما النيابة فله أن يكرّرها.
([1]) عوالي اللئالي: 1/267 ح 66
([2]) الكافي: ٦ / ٥١١ / ٧
([3]) بحار الأنوار: 103/219 ح 15
([4]) و (5) و(6 ) الكافي: ج2 من الفروع، كتاب الحج، باب: من يشرك قرابته وإخوته في حجته أو يصلهم بحجة، الأحاديث: ح4،ح6،ح10
([7]) فروع الكافي: ج2 ، كتاب الحج، باب الطواف والحج عن الأئمة (عليهم السلام) ، ح 2.
([8]) الكافي: ج ٢ ، ص ٦١٨
([9]) جامع السعادات - محمد مهدي النراقي - ج ١ - ص ٢٢٨
([10]) راجع: فقه الخلاف: 7/425, ط. الثانية