القبس/38(وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوۡمَ حَصَادِهِۦۖ) سورة الأنعام:141 - بركات دفع الزكاة
(وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوۡمَ حَصَادِهِۦۖ)
موضوع القبس:بركات دفع الزكاة
شكر المنعم:
نعم الله تعالى على الناس كثيرة لا تعدُ ولا تحصى ومنها انه تبارك وتعالى يخرج لهم من الأرض أنواع النباتات لتكون غذاءاً لهم ولأنعامهم مضافاً الى الفوائد الأخرى كتحسين البيئة وجمالية الطبيعة وغير ذلك.
إنّ هذه النعم تلزمنا شكر الخالق المنعم الذي شمل برحمته كلّ مخلوقاته حتى من لم يعرفه ومن لم يطلب منه بل حتى على من عصاه وناواه، وبالشكر تدوم النعم([1]) كما ورد في الحديث الشريف، قال تعالى (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم:7) فهذه وسيلة من يريد استزادة النعم والخيرات.
فضل الزكاة وأهميتها:
ومن تمام شكر النعمة أداء حقوقها، التي فرضها الله تعالى على ما انعم عليهم تطهيراً لنفوسهم وتنمية لأموالهم، ولفظ الزكاة يحمل هذين المعنيين (التطهير) و(النماء) والزكاة تحقق هذين الهدفين
وقد أشير الى وجوبها في قوله تعالى (وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) (الأنعام:141) وقوله تعالى (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (الذاريات:19) وذكر علة فرض الله تعالى الزكاة في قوله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ } (التوبة:103) وفي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:(لما نزلت آية الزكاة خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا.. في شهر رمضان، فأمر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) مناديه فنادى في الناس:إن الله تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة)([2]) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) (ولو أنّ الناس أدوا حقوقهم لكانوا عايشين بخير) وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) (حصّنوا أموالكم بالزكاة) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) (إنّ الله عزّ وجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلاّ بأدائها وهي الزكاة)([3]) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:(إنّما وضعت الزكاة اختباراً للأغنياء ومعونة للفقراء ولو أنّ الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيراً محتاجا ولاستغنى بما فرض الله له، وإنّ الناس ما افتقروا ولا احتاجوا وجاعوا ولا عروا إلاّ بذنوب الأغنياء، وحقيقٌ على الله تبارك وتعالى أن يمنع رحمته ممّن منعه حقّ الله في ماله، وأقسم بالذي خلق الخلق وبسط الرزق أنّه ما ضاع مال في بر ولا بحر إلاّ بترك الزكاة)([4]) وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال (إِنَّ الزَّكَاةَ جُعِلَتْ مَعَ الصَّلَاةِ قُرْبَاناً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا فَإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ كَفَّارَةً وَمِنَ النَّارِ حِجَازاً وَوِقَايَةً فَلَا يُتْبِعَنَّهَا أَحَدٌ نَفْسَهُ وَلَا يُكْثِرَنَّ عَلَيْهَا لَهَفَهُ فَإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَيْرَ طَيِّبِ النَّفْسِ بِهَا يَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ مَغْبُونُ الْأَجْرِ ضَالُّ الْعَمَلِ طَوِيلُ النَّدَمِ)([5]).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال (إذا أراد الله بعبد خيراً بعث إليه ملكاً من خزّان الجنّة فيمسح صدره ويسخّي نفسه بالزكاة)([6]).
ومن وصية لأمير المؤمنين (عليه السلام) قال:(الله الله في الزكاة فإنّها تطفئ غضب ربّكم)([7]).
وفي الحديث الشريف قال (شابٌ سخي مرهق في الذنوب أحبّ إلى الله عز وجل من شيخ عابد بخيل)([8]) ويشرح حديث آخر معنى السخي عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال (من أدّى ما افترض الله عليه فهو أسخى الناس) ([9]) وفي حديث عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال (إنّ الله تبارك وتعالى قرن الزكاة بالصلاة فقال {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} (البقرة:43) فمن أقام الصلاة ولم يُؤت الزكاة فكأنّه لم يقم الصلاة)([10]).
وقد ذكر الفقهاء الأصول المالية التي تجب فيها الزكاة وشروط وجوبها ومقدارها فتجب على الغلات الأربع:الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وعلى الانعام الثلاث:الابل والبقر والغنم، وعلى النقدين:الذهب والفضة المسكوكين كعملة متداولة، ويوجد خلاف في وجوب الزكاة على غير هذه كالأموال التجارية والعملة الورقية ونحو ذلك، وكمثال على ذلك، قالوا:تجب الزكاة في الغلات الزراعية ضمن شروط معيّنة ذكرها الفقهاء (قدس الله أرواحهم) في الرسائل العملية، ومنها بلوغ النصاب وهو (847) كيلوغرام فإذا كان الحاصل أقل من ذلك فلا زكاة عليه، فإذا بلغت الغلّة مقدار النصاب وجبت فيه الزكاة ومقدارها (10%) من الحاصل إذا كانت المزروعات تسقى بشكل طبيعي من دون آلة سيحاً بالمطر أو بفيضان النهر ونحوها، وتكون الزكاة بنسبة 5% إذا كان السقي بالآلات.
الآثار المباركة للزكاة:
ومن الأحاديث الشريفة المتقدمة نستطيع تلمس عدة آثار مباركــة لإخـراج الزكاة:
1- إنّها من أعظم القربات إلى الله تعالى وانها مقرونة بالصلاة.
2- توجب المحبة الإلهية للعبد وشموله بالرحمة العظيمة.
3- إنّها تُطفئ غضب الرب، وتوجب كفّارة الذنوب وإنها حجاب ووقاية من النار.
4- إنّها اختبار يعطي فرصة للعبد لكي ينجح فيه فيستحق الجائزة، فبدون خوض الامتحان لا يرتقي الإنسان إلى مرحلة أعلى وأكمل، وإنّ امتحان إخراج شيء من المال صعبٌ على الإنسان لكنّه منتج ومثمر، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:(ما بلى الله عز وجل العباد بشيء أشد من إخراج الدرهم([11]).
5- انها سبب لزيادة النعم ودوامها.
6- تحصّن المال من التلف والخسارة، وإنّ من يبخل بالزكاة يخسر أكثر منها من المال بتلف أو سرقة أو خسارة فيخسر الدنيا والآخرة.
7- تقضي على الفقر وتنمي الاقتصاد وتزدهر بها أحوال الناس، لأنّ الناس إذا كانوا فقراء فإنّهم لا يمتلكون قدرة على الشراء فيصاب السوق بالكساد، فإذا توفّر لديهم المال تحرّك السوق وعاد بالنفع على نفس دافعي الزكاة وسائر الحقوق الشرعية وهذه الحقيقة يعرفها دافعوا الضرائب في الدول الصناعية والبنوك العالمية المموّلة.
وهذا الكلام يجري في إخـراج سائـر الحقـوق الشرعيـة كالخمـس وردّ المظالـم لوضوح انطباق الأحاديث الشريفة عليها.
التحذير الشديد من عدم دفع الحقوق الشرعية:
وإذا لم تكفِ هذه الروايات والآثار المباركة على إخراج الزكاة لتحفيز الناس وتحريكهم نحو إخراجها فلنقرأ في مقابل ذلك ما ورد من تحذير شديد من مغبة التخلّف عن دفع الحقوق الشرعية ففي الحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال (ما من عبدٍ منع من زكاة ماله شيئاً إلاّ جعل الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوّقاً في عنقه ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب، وهو قول الله عز وجل (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (آل عمران:180) يعني ما بخلوا به من الزكاة)([12]).
وقد طرد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) جماعة من المسجد وحرمهم من الصلاة معه لأنّهم لم يؤدّوا حقوق أموالهم، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال (بينما رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في المسجد إذ قال:قم يا فلان قم يا فلان، قم يا فلان، حتّى أخرج خمسة نفر، فقال:أخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه وأنتم لا تزكّون)([13]).
وفي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) (من منع قيراطاً من الزكاة فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً)([14]) وفي حديثٍ عنه قال (من منع قيراطاً من الزكاة فليس مؤمن ولا مسلم)([15]) وهو قول الله عز وجل {... رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (المؤمنون:99-100).
لتساعدوا الناس:
أيها الأحبة أمـام هـذه الأحاديـث الموجبـة للزكـاة والمبيّنـة لآثارهـا المبـاركــة، والعاقبة المظلمة لتاركها لا يسع الإنسان إلاّ المبادرة لإخراجها بالنسبة التي ذكرناها، وليس من الضرورة إيصالها إلى المرجعية الدينية فيجوز لصاحبها توزيعها على الفقراء المحتاجين أو المساهمة بها في المشاريع الخيرية والتي تخدم الصالح العام، كبناء مركز صحّي أو قنطرة لعبور الناس أو مدرسة أو محطّة تصفية المياه ونحوها مع الالتفات إلى أن الهاشمي الذي ينتسب إلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لا يجوز له أخذ الزكاة من غير الهاشمي، ويجوز العكس.
فما يمنع أحدكم من مساعدة أقربائه ومعارفه المحتاجين من الزكاة فيدخل السرور عليهم ويقضي حوائجهم وبنفس الوقت يؤدي هذه الفريضة العظيمة التي بها نماء لأموالكم وتحصين لها ونيل لرضا الله تبارك وتعالى.
إنّ الذي دفعنا إلى توجيه هذا الحديث إرشادكم إلى هذه الطاعة العظيمة المقرّبة إلى الله تبارك وتعالى ولما رأيناه من غفلة الغالبية العظمى من الناس عن هذه الفريضة ومن واجبنا إرشادهم ونصحهم وهدايتهم والله الموفّق.
([1]) ميزان الحكمة- الريشهري: 4/3313
([2]) الروايات المذكورة من وسائل الشيعة، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، باب 1، 2، 3.
([3]) الكافي - الكليني :٣ / ٤٩٨
([4]) ميزان الحكمة - الريشهري :٢ / ١١٤٧
([5]) نهج البلاغة: 199/الخطب/الزكاة
([6]) بحار الأنوار - المجلسي : ٩٣ / ١٩
([7]) بحار الأنوار - المجلسي : ٩٣ / 27
([8]) بحار الأنوار - المجلسي : 70 / 307
([9]) من لا يحضره الفقيه - الصدوق :٢ / ٦٢
([10]) شرح أصول الكافي - المازندراني :٨ / ٦٣
([11]) الخصال- الشيخ الصدوق: 8/ح27.
([12]) الكافي- الشيخ الكليني: 3/504/ح10
([13]) الكافي- الشيخ الكليني: 3/504/ح10
([14]) المحاسن- البرقي: 1/87/ح28/ح29
([15]) المحاسن- البرقي: 1/87/ح28/ح29