وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً - الأنس بالإمام الحسين (ع) يشغل الذين اتقوا عن دخّول الجنة

| |عدد القراءات : 9432
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

[وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً]

الأنس بالإمام الحسين (8) يشغل الذين اتقوا عن دخّول الجنة[1]

        قال الله تعالى في كتابه الكريم: [وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ] (الزمر:73).

        قال أمير المؤمنين (8) في وصف أحوال هؤلاء عندما قرأ الآية قال: (قد أُمِنَ العذاب، وانقطع العتاب. وزُحزحوا عن النار، واطمأنت بهم الدار، ورضوا المثوى والقرار. الذين كانت أعمالهم في الدنيا زاكية، وأعينهم باكية. وكان ليلهم في دنياهم نهاراً؛ تخشّعاً واستغفاراً. وكان نهارهم ليلاً؛ توحشاً وانقطاعاً. فجعل الله لهم الجنة مآباً، والجزاء ثواباً. وكانوا أحق بها وأهلها. في ملك دائم، ونعيم قائم)([2]).

        [سِيْقَ] فعل مبني للمجهول من (ساق) والسائق هم الملائكة، قال تعالى: [وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ] (ق:21)، وفي المفردات ((سوق الإبل جلبها وطردها يقال: سقته فانساق)) ومنه (لا أستطيع أن أسوق إلى نفسي خير ما أرجو) أي أجلب، وسمي مهر المرأة سياقاً لأن الأصل فيه كان من الإبل والغنم يسوقها الرجل إلى المرأة، وعُبِّر عن النزع الأخير للإنسان في حال الاحتضار ((السَوْق)) لأن روحه تُساق لتخرج من البدن، وفي قول أمير المؤمنين (8) لعثمان: (فلا تكونن لمروان سِيقة يسوقك حيث شاء) والسيقة الناقة التي ساقها العدو([3]).

        والزُمَر جمع (زمرة) وهي الجماعة فيُساقون على شكل جماعات، ربما ليأنس بعضهم ببعض ويعوَّضهم عن الوحشة والخذلان الذي لاقوه في الدنيا بحيث أصبحوا معزولين عن أغلبية المجتمع من أهل الدنيا([4]).

        ولأنهم على درجات متفاوتة وللجنة أبواب بحسب ما يناسب هذه الدرجات، كما أن أهل النار يساقون جماعات فقالت فيهم الآية السابقة: [وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً] لأنهم على دركات متفاوتة [لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ] (الحجر : 44)، وللجنة ثمانية أبواب روى أنس بن مالك عن رسول الله (9) أنه قال: (إن للجنة ثمانية أبواب، وللنار سبعة أبواب)([5])، وروي عن أمير المؤمنين علي (8): (إن للجنة ثمانية أبواب: باب يدخل منه النَبيُّون والصِّدِّيقون، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون. وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومُحِبُّونا، وباب يدخل منه سائر المسلمين، مِمَّن شهد أن لا إله إلا الله، ولم يكن في قلبه مقدار ذَرَّة من بغضنا أهل البيت)([6])، وروي عن الإمام الباقر (8) قوله: (أحسنوا الظن بالله تعالى واعلموا أن للجنة ثمانية أبواب عرض كل باب منها مسيرة أربعين سنة)([7]).

        ولا يخفى ما في التعبير بالزمر من إيحاء إلى تأثير الانتماء إلى الجماعة في سلوك الفرد حتى أنه يُحشر إلى الجنة أو النار بلحاظ انتمائه، وقد ورد التأكيد في الروايات على أن معرفة الشخص تتم من خلال معرفة الجماعة التي ينتمي إليها فإن كانوا من أهل الصلاح كان منهم ظاهراً وإن كان من أهل الضلال كان منهم كذلك، ففي وصية أمير المؤمنين (8) لولده الحسن (8): (قارن أهل الخير تكن منهم وباين أهل الشر تبِن عنهم)([8])، ومما روي عن نبي الله سليمان (8) قوله: (لا تحكموا على رجل بشيء حتى تنظروا الى من يصاحب فإنما يُعرف الرجل بأشكال أقرانه ويُنسب إلى أصحابه وأخدانه)([9]).

        والملفت أن زمر النار قال تعالى فيهم: [حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا] بينما قال في أهل الجنة [حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا] ولعل الاختلاف يُشعر بأن أبواب النار تكون مغلقة وتفتح عند وصول مستحقيها إليها، كأبواب السجون المغلقة على أهلها وتفتح عندما يصل محكوم بالسجن إلى الباب، أما الجنة فأبوابها مفتوحة قبل وصولهم إليها لأن الواو حالية أي أن المتقين جاؤوها حال كونها مفتوحة لانها تكون مهيئة لاستقبالهم بالزينة والتكريم.

        ويثار هنا سؤال([10]): أن السوق بالنسبة لأهل النار معلوم لأنهم يرغمون على دخولها ويُدفعون إليها دفعاً، قال تعالى: [يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً] (الطور : 13) وقال تعالى: [وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً] (مريم : 86)، لكن سَوقَ الذين اتقوا غير واضح لأن المفروض أنهم يسرعون إليها مبادرين لأنها غاية مناهم وقد تحققت.

        وبتعبير آخر قاله بعض المفسرين: ((استعمال لفظ (سيق) أثار التساؤل، كما لفت أنظار الكثير من المفسرين لأن هذا التعبير يستخدم في موارد يكون تنفيذ العمل فيها من دون أي اشتياق ورغبة في تنفيذه، ولذلك فإن هذه العبارة صحيحة بالنسبة لأهل جهنم، ولكن لمَ استعملت بشأن أهل الجنة الذين يتوجهون إلى الجنة بتلهف واشتياق))([11]).

        ويمكن أن نذكر هنا عدة أجوبة:-

1- أن نسلّم بالإشكال ونقول إن اللفظ استُعمل من باب المشاكلة وهو من أساليب البديع المعروفة في الأدب العربي ومثاله قوله تعالى: [فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ] (البقرة:194) والمقابلة بالمثل واستنقاذ الحق ليس عدواناًلكن أحد وجوه استعمال اللفظ أنه استُعمل من باب المشاكلة، وتوجد وجوه أخرى ذكرناها في قبس آخر.

2- إن نفس مفردة (السوق) لا تتضمن معنى التعنيف والزجر والإهانة، ولعل صاحب المفردات شرحها بلحاظ سوق الإبل، وإن جهود أهل اللغة مبنية على الاستقراء وهو قد يكون ناقصاً كقوله في مادة حشر: ((إخراج الجماعة من مقرّهم وإزعاجهم عنها إلى الحرب وغيرها)) وهو لا يلائم قوله تعالى: [يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً] (مريم : 85)؛ لذا عرّف ابن فارس في معجم مقاييس اللغة السوق بأنه ((حدو الشيء)) من دون أن يتضمن معنى الزجر أو التعنيف، وعرّفه الشيخ الطبرسي في مجمع البيان بأنه ((الحث على السير))([12])، وقال بعض المحققين: ((حث على سير من خلف في ظاهر أو معنى فالسوق في الظاهر كما في [فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ] (فاطر:9) والسوق المعنوي كما في [إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ] (القيامة : 30) والسوق في ما وراء المادة، كما في [وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً] (الزمر:71) [وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً] (الزمر:72)، فكما أن السحاب يساق إلى بلد ميت لحفظ النظم وتتميم اللطف والفضل، كذلك يساق الكافر إلى جهنم، ويساق المؤمن إلى الجنة، حفظاً للنظم وإجراءً للعدل وإعطاءً لما تقتضيه الطبائع، وتطلبه النفوس من لوازم الضلال والهداية [أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى] (القيامة:36) ))([13]).

        وعلى هذا فيمكن استعمال لفظ السوق في المحبوب والمكروه ويُعرف ذلك من القرائن او من الغرض المقصود للسوق كلفظ البشرى الذي يُفهم منه الأمور المفرحة لكنه يستعمل أيضاً في الأمور السيئة [فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ] (آل عمران: 21)، فقد يكون السوق للتكريم والتبجيل كمن يلتمس ضيفاً على الباب لدخول داره فيأخذ بكتفيه او بيديه ويدخله الدار فهذا سوق للتكريم، وهو ما يقوم به بكل إخلاص وسرور أصحاب المواكب الحسينية في أيام زيارة الأربعين فيعزمون على المشاة أن يستريحوا في مواكبهم ويتناولوا من طعامهم وشرابهم.

        فاشتياق المتقين إلى الجنة مهما كان عظيماً فإن الجنة وملائكتها وحورها مشتاقون إليهم أكثر ويتلهفون إلى لقائهم فيسوقونهم إليهم بتكريم وحث؛ لذا فسّر في مجمع البيان سوق الذين كفروا بأنهم ((يساقون سوقاً في عنف)) وقال عن سوق الذين اتقوا: ((أي يُساقون مكرمين)) ولم يجد في ذلك بأساً لأن الحال لم يستظهره من اللفظ وإنما من القرائن.

        وبذلك يقترب معنى السوق من الدلالة والهداية، لذا يستعمل أهل المعرفة لبيان غرض القرآن أو الدين عموماً تعبير السوق نحو الكمال، والهداية قد تكون إلى الجنة وهو معروف وقد تكون إلى النار، قال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً، إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً] (النساء: 168-169)، وقال تعالى:  [شَيطَاناً مَرِيداً، كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ] (الحج : 3-4)، فسوقَ الذين اتقوا الى الجنة لانهم يحتاجون من يهديهم إليها ويدلّهم عليها في تلك الأجواء الرهيبة في محشر القيامة.

 

3- أو أن الذين اتقوا لمَّا يُنادى بهم لدخول الجنة يبقون في المحشر لأمرٍ ما كالشفاعة في ذويهم ومحبيهم [وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ] (الطور : 21) كالذي ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن الإمام الصادق (8) (إن السقط يجيء محبنطئاً على باب الجنة فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: لا، حتى يدخل أبواي الجنة قبلي)([14]).

        أو للوفاء بالعهد مع إخوانهم المؤمنين كما في المؤاخاة المذكورة في أعمال يوم الغدير (أن لا أدخل الجنة إلا وأنت معي).

        أو أنهم لتواضعهم وحسن أدبهم لا يريدون سبق إخوانهم في الدخول إلى الجنة فينتظرون الرفقة ليدخلوا زمراً وجماعات.

        أو لكي يُعرف قدرهم كما في الحديث الوارد في شفاعة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (3) أنها إذا (صارت عند باب الجنة تلتفت، فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي؟ فتقول: يا رب أحببت أن يُعرف قدري في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه، الجنة، قال أبو جعفر عليه السلام: والله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا يقول الله: يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟ فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا أحبائي ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة، انظروا من كساكم لحب فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة فخذوا بيده وأدخلوه الجنة، قال أبو جعفر (8): والله لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالى: [فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ، وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ] فيقولون: [فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ] قال أبو جعفر (8): هيهات هيهات منعوا ما طلبوا [وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ] )([15]).

        فلهذه الأسباب وغيرها يتأخرون عن دخول الجنة فتحثّهم الملائكة على دخولها وهو معنى السوق.

4- إن الذين اتقوا لا تؤهلهم أعمالهم إلى دخول الجنة فلا تحركهم الحركة الكافية نحوها، ولكن لطف الله تعالى ورحمته تشملهم فتعطيهم زخماً وتسرّع بهم نحو الجنة فهم يحتاجون إلى (سوق) أيضاً ليدخلوا الجنة بلا تأخير، وهذا السوق ورد في [الذين اتقوا] وليس في [المتقين] وبينهما فرق فالذين اتقوا حالة قد يحصل معها ما ينافيها كما في قوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ] (الأعراف : 201) والمتقون مقام تحولت التقوى عند أهَله إلى صفة ثابتة ولازمة لذواتهم؛ لذا لم يستعمل معهم لفظ السوق، قال تعالى: [يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً، وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً] (مريم : 85-86) والخلاصة أن أهل التقوى على درجات فبعضهم تكون حاله غير تامة فيحتاجون إلى تكميلها بسوق وبعضهم تكون عندهم تامة فلا يحتاجون.

5- إن السوق ليس للذين اتقوا وإنما لذويهم ومتعلقيهم ومحبيهم وقد وعد الله تعالى أن يلحقهم بهم [وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ] (الطور : 21) وهؤلاء يحتاجون إلى سوق لأن منزلتهم ليست بدرجة الذين اتقوا وإنما نسب السوق إلى الذين اتقوا لأنهم هم الملحوظون والمقصودون بالتكريم ودخول الجنة، فكل واحد منهم يمثل جماعة ويعادل جماعة نظير قوله تعالى: [إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً] (النحل:120) كما أن الملك حينما يدعى يساق معه رفاقه وحاشيته وينسب السوق إلى الجميع.

6- إن الذين اتقوا لما يرون ما أعد الله لهم من الكرامة والفوز العظيم الذي تحقق لهم تخرج أرواحهم من أبدانهم فرحاً وشكراً وشوقاً إلى المنعم المتفضل فتساق أرواحهم إلى أبدانهم ليدخلوا الجنة وهم كانوا هكذا في الدنيا كما وصفهم أمير المؤمنين (8) في خطبته في صفة المتقين (ولولا الأجل الذي كُتب لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب، وخوفاً من العقاب)([16]).

7- ما يُستفاد من بعض الروايات في فضل زيارة الإمام الحسين (8) ونصرته لإقامة دين الله تعالى ونشر ولاية أهل البيت (%) وهي من سيماء الذين اتقوا [ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ] (الحج: 32)، فقد روى زرارة عن الإمام الباقر (8) أو الصادق (8) أنه قال: (يا زرارة إذا كان يوم القيامة جلس الحسين (8) في ظل العرش وجمع الله زواره وشيعته ليبصروا من الكرامة والنصرة والبهجة والسرور إلى أمر لا يُعلم صفته إلا الله فيأتيهم رسل أزواجهم من الحور العين من الجنة فيقولون إنا رُسل أزواجكم إليكم يقلن: إنا قد اشتقناكم وأبطأتم عنا فيحملهم ما هم فيه من السرور والكرامة على أن يقولوا لرسلهن: سوف نجيئكم إن شاء الله)([17]).

        ورويت بشكل آخر أكثر تفصيلاً في كامل الزيارات عن زرارة وفيها (وما من عبد يُحشَرُ إلاّ وعيناه باكيةً إلاّ الباكين على جدِّيَ الحسين (8)، فإنّه يحشر وعينه قَريرة، والبشارة تلقاه والسّرور (بيّن) على وجهه، والخلق في الفزع وهم آمنون، والخلق يعرضون وهم حدّاث([18]) الحسين (8) تحت العرش وفي ظلِّ العرش، لا يخافون سوءَ يوم الحساب، يقال لهم: ادخلوا الجنّة، فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه، وأنَّ الحور لترسل إليهم أنّا قد اشتقناكم مع الولدان المخلّدين فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم مِنَ السُّرور والكَرامَة، وإنَّ أعداءَ هم مِن بين مَسْحوب بناصيته إلى النّار، ومِن قائل: [ما لَنا مِن شافِعينَ وَلا صَدِيقٍ حَميم]، وإنّهم ليرون منزلهم، وما يقدرون أن يدنوا إليهم ولا يصلون إليهم، وإنَّ الملائكة لتأتيهم بالرِّسالة مِن أزواجهم ومِن خُزّانهم على ما أُعطوا مِن الكَرامة فيقولون: نأتيكم إن شاء الله، فيرجعون إلى أزواجهم بمقالاتهم، فيزدادون إليهم شوقاً إذا هم خبّروهم بما هم فيه مِنَ الكَرامة وقُربهم مِن الحسين عليه السلام، فيقولون: الحمد لله الَّذي كفانا الفَزَع الأكبرَ، وأهوال القيامة، ونجّانا ممّا كنّا نخاف، ويؤتون بالمراكب والرِّحال على النَّجائب، فيستوون عليها، وهم في الثَّناء على الله والحمد ‏لله والصَّلاة على محمَّدٍ وآله، حتّى يَنْتَهوا إلى منازلهم)([19])، فهؤلاء المتقون من زوار الإمام الحسين (8) وشيعته والمقيمين لشعائره بإخلاص يفضلون النظر إلى وجهه الكريم على المصير إلى الجنة وينشغلون به عنها فتأخذهم الملائكة برفق وتكريم إلى الجنة حينما أذن الله تعالى بذلك.

        والرواية لم تطبق هذه الحالة على الآية الكريمة لذلك لم يلتفت اليها أصحاب التفاسير بالروايات كالبرهان ونور الثقلين إلا أن معناها واضح الانطباق على الآية.

 



([1]) كلمة ألقيت بتاريخ الجمعة 29 محرم 1442 الموافق 18/9/2020

([2])  نهج البلاغة: 2/132، شرح محمد عبده.

([3])  مجمع البحرين: 5-6 /118، مادة (سوق).

([4])  بعكس زمر الكافرين وجماعتهم فهي تزيدهم وحشة بعضهم من بعض لأنهم كما قال تعالى: [الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ] (الزخرف: 67)؛ لأنهم يذكّرونهم بصحبتهم السيئة وأفعالهم المشينة [يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً] (آل عمران:30).

([5])  وسائل الشيعة: 3/246، أبواب الدفن وما يناسبه، باب 72، ح11. عن أمالي الصدوق: 123.

 ([6]) الخصال: 406.

([7])  بحار الأنوار: 8/131، عن كتاب الخصال: 2/39.

([8])  نهج البلاغة: 3/52، بشرح الشيخ محمد عبده.

([9])  بحار الأنوار: 71/188، عن كنز الفوائد لأبي الفتح محمد بن علي الكراجكي (ت 449 هجـ): 36.

([10])  أثاره سماحة الشيخ في إحدى جلساته اليومية في شوال /1439 الموافق تموز /2018 لتحريك أذهان الجالسين وحثهم على التدبر في الآيات القرآنية ووعد سماحته بكتابة قبس في ذلك.

([11])  الأمثل في تفسير القرآن للشيخ مكارم الشيرازي: 11/579.

([12])  مجمع البيان للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي: 8/221.

([13])  التحقيق في كلمات القرآن الكريم للعلامة حسن المصطفوي: 5/330.

([14])  وسائل الشيعة: 20/1، كتاب النكاح، أبواب المقدمات، باب 1، ح2.

([15])  بحار الأنوار: 8/52 عن تفسير فرات الكوفي: 113-115.

([16])  نهج البلاغة: 2/161، خطبة 193، في وصف المتقين.

([17])  بحار الأنوار: 101/75، ح25 عن نوادر علي بن أسباط ضمن الأصول الستة عشر: 123.

[18] ) أي يتحدثون مع الامام (8)

([19]) كامل الزيارة: 84.