الدعوة الى كشف المكر الحقيقي لطلاب الزعامات

| |عدد القراءات : 618
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

أمير المؤمنين (عليه السلام) ومكر طلّاب الزعامات(1)

كان من أقوى الأسلحة التي فتكت بجيش أمير المؤمنين (عليه السلام) ومجتمعه وأوهنت دولته وأضعفتها هو مكر الاعداء وخُدعهم حتى عبّر عنه بقاصم الظهر قال (عليه السلام) (ما قصّم ظهري إلا رجلان : عالم متهتك وجاهل متنسك ,هذا ينفّر عن حقه بهتكه ,وهذا يدعو الى باطله بنسكه)([2]) ومحل الشاهد هو الاول وهو الذي عنده علم وفكر وفطنة إلا انه يستخدمها في المكر وخداع الناس وإبعادهم عن الحق.

وقد واجه الامام (عليه السلام)  الوان المكر والخداع من اول لحظة لتحملّه مسؤولية الإمامة وقيادة الأمة بعد وفاة رسول الله(ص) عندما نفى زعماء الانقلاب موت رسول الله (ص) وهددوا بالقتل كل من يقول بذلك حتى لا تتوجه الأمة الى الخليفة الشرعي وليكسبوا الوقت حتى يعدّوا العدّة ويهيئوا الأمور لمن يريدون وهذا ما حصل، وقد تناولته في خطاب سابق.

والى أيام خلافته وتصدّيه لشؤون الأمة حين واجه العتاة والدهاة والماكرين كمعاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة كخدعة رفع المصاحف في معركة صفّين التي شقّت جيش الإمام (عليه السلام) فنشأت فرقة الخوارج، وكان (عليه السلام) يلام على انه ليس بمستوى دهائهم وانه غير مؤهل لقيادة الدولة لان الدهاء والخداع من مقومات السياسة وتدبير السلطة ,فيتأسف (عليه السلام) لهذه الانتكاسة في الأمة وانقلاب الموازين في تصوراتها، قال (عليه السلام) (ولقد أصبحنا في زمانٍ قد اتخذ أكثر أهله الغدر كَيساً – أي الفطنة والذكاء -، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، ما لهم - قاتلهم الله - قد يرى الحُوّل القُلّب – وهو البصير بتحولات الأمور وتقلبيها - وجه الحيلة , ودونها مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين)([3]) فيصف نفسه بأنه عارف بالأمور ووجوهها وعواقبها ويعرف كيف يحقق مراده ويصل الى مطلوبة لكن كثيراً من تلك الوسائل مخالفة لأوامر الله تعالى ,فيتركها لله تعالى وهو قادر عليها ,لكن خصومه لا يتورعون في دينهم وليس عندهم تقوى تحدّد له بوصلة سلوكهم فيقتحمون تلك الوسائل الشيطانية .

ومن كلام له (عليه السلام) في نفس السياق قال (عليه السلام) (واللـه ما معاوية بأدهى منّي، ولكنه يغدرُ ويفجُرُ. ولولا كراهيةُ الغدر لكنت من أدهى الناس. ولكن كلّ غَدرة فَجرة وكلّ فَجرة كَفرة، ولكلّ غادرٍ لواءٌ يُعرف به يوم القيامة. واللـه ما أُستغفل بالمكيدة ولا أُستّغمز بالشديدة)([4])

فالإمام (عليه السلام) وإن كان لا يستعمل الدهاء والمكر لأن فيه سخط الله تعالى إلا ان ذلك لا يعني أنه مغفّل تنطلي عليه المكائد ولا يلتفت اليها،ولا انه ممن يضغط عليه ويستضعف بالقوة ليغيّر مبادئه التي يؤمن بها .

ويعلل الإمام (عليه السلام) في الخطبة السابقة سبب رفضه لتلك السياسات بقوله (ولا يغدِرُ من عَلِم كيف المرجِع) أي أن من علم أن مآل الأنسان إلى الموت والدنيا إلى الفناء ثم يحشر ليحاسب على أعماله فانه لا يقدم على ما يضّره في اخرته.

وهذا التباين الذي ذكره الإمام (عليه السلام) بين سياسته وسياسة خصومه يمثّل المفارقة الدائمة بين المنهجين ولا يختص بزمان دون زمان حتى زماننا الحاضر،واليكم بعض الأساليب الماكرة التي تدَّبر اليوم لخداع الشعوب والسيطرة عليها والتحكم فيها وسوقها الى ما يريده الحكام:

1-       ما يسمى بالمصطلح ( ركوب الموجة) بان يستغل السياسيون مطالب حقيقية ومشروعة للشعب فينادي بها لكسب الجماهير اليه والتقوّي بهم للضغط على خصومه لتحصيل مكاسب اكبر سواء كانوا داخل الحكومة او خارجها، كمطلب تحسين الخدمات وإيجاد وظائف للعاطلين او معالجة الخروقات الأمنية او الغاء الرواتب التقاعدية الباهظة للبرلمانيين وأمثالهم وهي مطالب مشروعة نؤيدها وندعمها لكن جهات شبابية مجهولة تحاول تحريك الناس تحت عنوان هذه المطالب لأغراض معينة على راسها السيطرة على توجيه المجتمع والتحكم بحركته وانتزاع قيادته لتكون بيد جهات خفية تعمل على مواقع التواصل الاجتماعي وبدعم داخلي وخارجي مالياً واعلامياً وسياسياً وليضغطوا بذلك على الجهات الفاعلة على الارض حتى تسير في ركابهم .

 

2-       الهاء الشعوب بالألعاب والمتع واللهو والعبث لأشغالهم عّما يجري من فساد وظلم وطغيان وتحويل انتباههم الى اللهو واللعب بدلاً من القضايا الحيوية والاهداف الحقيقية والحركة الواعية البناءة الى ترفض ظلم وفساد اولئك الحكام ,وهذه السياسة يسمونها (استراتيجية الالهاء)([5]) وتشمل سيلاً لا ينتهي من الالعاب والبطولات والمسابقات والمهرجانات ونحو ذلك.

 

3-       خلق المشاكل وافتعال الازمات لتمرير سياسات معينة تكون مرفوضة في الوضع الطبيعي مثلاً يريدون تخفيض دعم السلع الاساسية او الضمان الاجتماعي او الخدمات العامة كالصحة والتعليم فيخلقون ازمات مالية ليقنعوا الشعب بضرورة اتخاذ هذه الاجراءات.

 او يريدون مثلاً وضع الشعب تحت المراقبة والتجسس عليه وجمع المعلومات التفصيلية عنه وتقييد حرياته وحركته، او اعتقال وتصفية المعارضين، فيفتعلون مشكلة أمنية كتفجيرات مثلاً او اظهار اعترافات شبكة تجسس وهمية وهكذا مما يجعل اتخاذ تلك الاجراءات أمراً مقبولاً وتسمى هذه السياسة (ابتكر المشاكل ثم قدّم الحلول)

4-       استراتيجية التدرّج: باعتماد التدريجية في تطبيق التكتيكات حتى يصلوا الى النتيجة التي يريدونها ولو فعلوها مباشرة لأحدثت ضجة وثورة عارمة كبعض الاجراءات الاقتصادية والاجتماعية ,وقد تطول المدة او تقصر بحسب أهمية القضية مثلاً يريدون تقليل الرواتب فيتركون حالة البطالة تزداد ويستقدمون عمالة اجنبية رخيصة فيرضى المواطن بأقل ما يمكن.

 

5-       استثارة العاطفة بدل الفكر لتعطيل حالة الوعي والتأمل والتحليل وتمييز ما هو عقلاني عن غيره فيفقد الأنسان قدرته على النقد البنّاء الذي يقود عملية الاصلاح كما ان استعمال المفردات العاطفية يسمح بالمرور الى اللاوعي حتى يتم زرعه بأفكار ورغبات ومخاوف ونزعات او سلوكيات.

 

6-       إبقاء الشعب في حالة جهل وحماقة بطريقة يكون غير قادر على استيعاب الطرق المستعملة للتحكم به واستعباده بان تكون نوعية التعليم المقدّم للطبقات السفلى هي النوعية الافقر حتى تبقى الهوّة المعرفية التي تفصل الطبقات السفلى عن العليا غير مفهومة من قبل الطبقات السفلى.

 

7-       التعويض عن الثورة ورفض الظلم والفساد بالإحساس بالذنب بجعل الفرد يعتقد انه المسؤول الوحيد عن تعاسته وان سبب مسؤوليته تلك هو نقص في قدراته وقابلياته او تقصير في جهوده فيقوم بامتهان نفسه بدل التحرك للتغيير والاصلاح.

ولا يخفى عليكم سريان بعض هذه الاساليب الى الشعائر الدينية وهو ما نبهنا عليه في خطابات سابقة.

 هذه نماذج من وسائلهم لترويض الشعوب وتسييرها في ظل الديمقراطيات الشكلية مستفيدين من ماكنة إعلامية مؤثرة وتمويل ضخم مصدره ما سرقوه من أموال هذه الشعوب المغلوبة على أمرها.

 وأما المكر المستخدم لتحصيل المواقع الدينية المقدّسة فهو لا يقل دهاءاً عن هذه ويقترب من جملة منها كالذي ذكرناه من فعل الانقلابيين بعد رسول الله (ص) او ما تقوم به بعض الجهات المتنفذّة بصناعة الزعامة التي يريدون ويسوّقونها الى الاتباع والمريدين الذين لا يتمكنون من المناقشة والتأمل لطول سياسة التجهيل المتبعة معهم ولأنهم اوهموهم بأن في ذلك خروجاً عن الدين ونحو ذلك فيسلّمون بالنتيجة وهذه أخطر حالات المكر التي تتعرض لها الأمة وهي راضية بحالها مستسلمة للأغلال التي كبلّوها بها ولا تسمع الى العلماء المخلصين العاملين الواعين.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) الخطبة الثانية التي ألقاها سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) لصلاة عيد الفطر السعيد يوم الجمعة عام 1434 الموافق 9/آب/2013 م.

([2]) غرر الحكم /9665

([3]) )نهج البلاغة : 115 الخطبة (41)

([4] نهج البلاغة : 432 الخطبة (198)

([5])بعض هذه الكلمات لخصّها أحد الاخوة الواعين من كتاب (أسلحة صامتة لحروب هادئة) لعالم الاجتماع الأمريكي (افرام نعوم تشومسكي)