التبني بين الشريعة والعرف

| |عدد القراءات : 4720
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

التبني بين الشريعة والعرف

 

التبني بمعنى احتضان أبناء الآخرين ورعايتهم وتربيتهم عمل إنساني جليل لما يتضمن من إيجابيات عديدة منها:

 

1- توفير الفرصة لمن حرموا من الذرية ان يشعروا بهذه النعمة من خلال هؤلاء المتبنين.

 

2- حفظ حياة الابناء الذين يتخلون عنهم أهلهم لسبب أو لآخر ويحاولون التخلص منهم اما برميهم بالشوارع العامة او في دور اللقطاء والأيتام.

 

3- التخفيف عن كاهل بعض الاسر التي تشعر بأعباء الانفاق على العيال الكثيرين لذا ورد في الحديث (قلة العيال أحد اليسارين).

 

4- قد يكون المتبنى يتيماً فيفوز كافله بثواب عظيم ذكر الحديث الشريف (أنا وكافل اليتيم كهاتين) وأشار الى أصبعين متجاورين له (صلى الله عليه وآله وسلم) إشارة الى منزلة كافل اليتيم منه (ص) يوم القيامة.

 

وتتجلى الرحمة الانسانية بوضوح في عملية التبني وهي مشتقة من رحمة الله تعالى التي هي أحب صفاته تبارك وتعالى اليه حتى اختار اسمين من الرحمة (الرحمن ، الرحيم) دون غيرهما من الاسماء الحسنى في البسملة ليفتتح بها كل شيء وفي الحديث ان الله يحب من عباده الرحماء ويحب رقة القلب ويثيب عليها بلا حساب لأنه كريم ولا يسبقه احد فاذا كان المخلوق يحمل هذه الرحمة فكيف سيجازيه. وفي بعض قصص الانبياء السابقين (عليهم السلام) ان امرأة فاسقة دخلت الجنة لانها رأت قطة عطشى قرب بئر ولا تستطيع ان تشرب الماء فاحتالت المرأة لذلك طريقة وسقتها الماء فأخبر نبي ذلك الزمان بأن الله تعالى كتب لها الجنة بهذا العمل بشرط إقلاعها عن فسقها طبعا، وقد تبنى النبي (ص) غلامه زيد بن حارثة حتى بلغ مبلغ الرجال فزوجه ابنة عمته زينب. وكذا عندما مر ابو طالب (ع) بصعوبة في معاشه، فاتفق النبي (ص) وعمه حمزة (ع) ان يعيناه لكثرة عياله فأخذ النبي (ص) علياً (ع) وأخذ الحمزة جعفراً (ع) فتربيا عندهما. وإن كنا نعتقد ان تربية النبي (ص) لعليّ وتولي أمره كانت وفق تخطيط إلهي محكم لإعداد الامتداد الرسالي الكامل للنبي (ص).

 

لكن هذه العملية الانسانية – أعني التبني - يجب ان تكون ضمن الضوابط الشرعية لان الفوضى مرفوضة خصوصاً في الانساب وما نزلت الشريعة الا لتنظيم حياة البشر وإسعادهم في الدنيا والآخرة ومن المؤسف ان المجتمع غير ملتفت لهذه الاحكام الشرعية للتبني مما سبب مفاسد كثيرة واختلالا في الحقوق والواجبات لذا اقتضى التنبيه لذلك ضمن النقاط التالية التي تمثل الاجابات عن الاسئلة الرئيسية في هذا المجال:

 

1- لا تترتب آثار النسب على التبني فلا تكون المرأة التي أحتضنته امّاً له ولا الرجل اباً ويلزم من ذلك ان الام يجب ان تتحجب من الولد المتبنى وتتحجب البنت المتبناة من ابيها ومن اولاده الذين يراهم العرف اخوتها ومن حق الرجل ان يتزوج هذه البنت المتبناة كما ان رسول الله (ص) تزوج بامرأة متبناه زيد بعد ان طلقها وكان ذلك بأمر الله تعالى (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً) (الأحزاب:37) . وقد كانت العرب تمنع من ذلك لأنهم يعتبرون هؤلاء الادعياء أبناءهم.

 

والحل الشرعي لهذه المشكلة ان الابوين اذا شاءا تحريم الابن والبنت عليهما فيمكن ان ترضعه حاضنته اي امه بحسب العرف ان كان عندها حليب بشروط الرضاع المحرم ومنها ان يكون في عمر دون السنتين وان تواصل إرضاعه خمس عشرة رضعة متوالية من دون ان تفصل بينها بحليب آخر كالمجفف او طعام فتصبح امه فعلا بالرضاعة ويصبح الرجل اباه واولادهما اخوانه واذا لم يكن عندها حليب فتدفعه الى اختها فتصبح خالته وان كانت بنتا فيعطيها الرجل لأخته فترضعها فيصبح خالا لها وهكذا.

 

2- وتفريعاً  عن النقطة السابقة فان هذا الابن المدعى لا يرث ممن يتبناه ولا هما يرثانه لعدم وجود نسب بينهما، فان اراد المدعي له ان يعطيه من املاكه فاما ان يهبه ما يريد في حياته او يجعل له حصة من ثلث التركة الذي له الحق شرعاً في ان يضعه حيث يشاء ولا يجوز للمتنبى ان يرث وفق القسام الشرعي وان كان من ناحية رسمية مسجلا كابن للمتوفى.

 

3- لا مانع من ان يسجل الرجل متبناه باسمه في دائرة الاحوال المدنية او دائرة الجنسية ليتمتع بحقوق المواطنة كاملة كالدراسة وتسجيل الزواج والعقار ولكن المهم عدم ترتيب الآثار الشرعية على هذا التسجيل من حيث النسب والميراث ولتلافي هذه المشكلة يقر في ورقة ويشهد  عليها عادلان على ان هذا ليس ولداً له ويعالج المشكلة بما ذكرناه في الفقرتين السابقتين.

 

4- قد علمت انه لا مانع شرعا بل يجب احيانا التقاط الابناء من دور اللقطاء والايتام وغيرها وإجراء اللازم لاحتضانهم وتربيتهم فإذا كان له نسب معروف فيجب الحاقه بنسبه امتثالا لقوله تعالى (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ) (الأحزاب: من الآية5) عندما كان البعض يسمى زيد بن حارثة (زيد بن محمد) وعلى جميع الأطراف ترتيب الآثار الشرعية مع الاب الحقيقي.

 

5- ليس في المتبنى او كون الابن لقيطا اي منقصة من ناحية شرعية بل حتى في ابن الزنا فإنه لا يؤاخذ بجريمة والديه وإذا حرمه الشرع المقدس من بعض المواقع كإمامة الجماعة، ومرجعية التقليد فلأسباب اجتماعية لا تتعلق به ولاتكشف عن نقص او انحراف فيه وانما مراعاةً لشعور المجتمع الذي يشعر بالحزازة النفسية من الائتمام به او تقليده كما يقبح بالعالم أن يأكل في الشارع او يمشي مكشوف الرأس فلا مانع منه شرعاً ولكن العرف العام لا يقبله فروعي هذا الجانب فيه.

 

6- ينبغي اعلام المتبنى منذ صغره بالحقيقة ليسهل على جميع الاطراف تطبيق الاحكام الشرعية كتحجب امه واخواته المدعاة منه اما إبقاء الامر سراً حتى الكبر فإنه يسبب صعوبة في التطبيق وان كانت طاعة الله لازمة على عباده وليس لهم الاعتراض عليها او تأجيلها.

 

7- لا يوجد عمر محدد للتبني لكن تبني الطفل وهو دون السنتين يتيح فرصة لبعض الحلول الشرعية التي ذكرناها في الفقرة الاولى.

محمد اليعقوبي