خطاب المرحلة (510) المسلمون تعرّفوا على أمريكا قبل كولومبس بعدة قرون
المسلمون تعرّفوا على أمريكا قبل كولومبس بعدة قرون
المعروف إن كريستوفر كولومبس (1451-1506) أول من تعرّف على أرض الولايات المتحدة الأمريكية-وليس اكتشف كما هو المتداول لأنها أرض مكتشفة ومسكونة من أهلها الأصليين- سنة 1492 ميلادية. وحينما وطأت قدماه تلك الأرض كان يظن أنها جزر الهند الغربية التي كانت وجهته عندما تحرك من إسبانيا عن طريق الغرب ولم يدرِ أنه عالم جديد. وبعد سنوات وصلها الإيطالي أميركوفسبوشيو (1451-1512)، وعرف أن هذا عالم جديد ليس جزءاً من العالم القديم المعروف لديهم وباسمه سميت أميركا([1]).
هذا هو المشهور والمعروف، ولكن انقدح في ذهني ان الحقيقة ليست كذلك وان المسلمين قد تعرفوا على الأراضي الامريكية قبل كولومبس بثلاثة قرون على الأقل وان اسمها كان أمريكا قبل ذلك.
والذي قدح هذا الاحتمال في ذهني أنني وجدت خلال مطالعتي للكتب المعجمية التي ضبطت أسماء علمائنا ان عدة علماء كان اسمهم (أميركا) قبل كولومبس بأكثر من ثلاثمائة عام فقد أورد الشيخ منتجب الدين([2]) (504-585 هجرية) (1110-1189 ميلادية) هذا الاسم في عدة مواضع من كتابه الفهرست الذي ذكر فيه العلماء والمشايخ الذين سبقوه بجيل أو جيلين أو ثلاثة أي في القرنين الخامس والسادس الهجريين.
فمنهم اسمه أميركا مثل (أميركا بن أبي اللجيم) ووصفه بأنه ((الفقيه الثقة: مناظر حاذق وجه))([3]) وهو يسبقه بجيلين.
ومنهم اسم أبيه مثل (السيد إسحاق بن أميركا بن كرامي الجعفري)([4]) ووصفه بأنه عالم صالح، والسيد الرضا بن أميركا وقال إنه عالم زاهد([5]).
ومنهم اسم جدّه مثل (الشيخ أحمد بن علي بن أميركا)([6]) ووصفه بأنه فاضل ورع وهو من شيوخ المؤلف.
والشيخ محمد بن أبي جعفر بن الفقيه أميركا([7])، وآخرون غيرهم.
وهؤلاء عاشوا في القرن الحادي عشر الميلادي أي قبل كولومبس بأربعة قرون.
وهذا يعني أن هذا الاسم كان معروفاً في بلاد المسلمين وهو لفـظ غيــر
عربي حتى يمكن أن نفسّر التسمية به ولا معنى له في اللغة الفارسية أيضاً حيث
تسمّى به بعض العلماء الايرانيين، فأمامنا احتمالان لتداول هذا الاسم عندنا:
1- أن يكون المسلمون قد وصلوا إلى تلك الأرض وعرفوا الاسم من أهلها الساكنين فيها([8]) ولما عادوا نقلوا المعلومة إلى مجتمعهم وعلى هذا فاسم أمريكا معروف قبل وصول الإيطالي أمريكانو([9]).
2- أن يكون الأئمة المعصومون (^) من أهل بيت النبي (’) الذين يأخذون علمهم عن جدهم النبي عن الله تعالى قد أخبروا أصحابهم بوجود أراضي في الجانب الآخر من الأرض لا يعرفونها ويفصل بيننا وبينهم بحر عظيم -وهو المحيط الأطلسي- وان اسمها أمريكا كما أخبر الإمام الصادق (×) أن النجوم هي شموس مثل شمسنا، وأن قبل سلالتنا البشرية التي تبدأ بآدم النبي توجد الف او مليون سلالة بشرية أي الف الف ادم ، وغيرها من الحقائق العلمية التي كشفت عنها الروايات الموجودة في كتب الحديث على اختلاف في أسانيدها، والذي يقوّي هذا الاحتمال على الأول أن أكثر العلماء الذين حملوا هذا الاسم هم من شيعة أهل البيت (^) وأوردت معاجم([10]) رواة أهل السنة عدداً أقل.
وعلى أي حال فإن الخبر بعد أن عرف لدى المسلمين سواء بالطريق الأول أو الثاني واخذوا يتداولونه ومن عادة البعض ان يسمي أولاده بالأسماء الغريبة أو المأخوذة من اللغات الأخرى فانتشر هذا الاسم كما سمّى البعض عندنا (جزائر) و(باريس) و(نجف) ونحو ذلك.
قد يقال: إذن لماذا لم تصلنا رواية عن المعصومين (^) يذكرون فيها اسم أمريكا؟ وجوابه ببساطة: أن الشيعة عموماً تعرضوا إلى حملات إبادة وسجن ومصادرة الأموال وحرق المكتبات على مدى الأجيال مما تسبب في إضاعة الكثير من آثارهم وهذا واضح عند المطّلع على التأريخ.
فالنتيجة أن انتشار هذا الاسم في أوساط المسلمين يكشف عن معرفتهم بهذه الأرض قبل كولومبس بعدة قرون.
والسؤال: إنه إذا تعرف المسلمون على هذا العالم الجديد قبل كولومبس فلماذا لم ينقل تأريخياً أو يكون لهم حضور في تلك الأرض كالمهاجرين الأوربيين؟
والجواب: إن الأوربيين حينما وصلوا إلى هناك أبادوا أكثر أهلها الأصليين من الملونين الحمر واستوطنوا أرضهم فعرف وجودهم وتاريخهم، وهذا لم يفعله المسلمون للفارق بين هدفي الأمتين فالمسلمون يذهبون لتحرير الإنسان واحترامه وتكريمه وتعريفه بالخالق العظيم والرسالة المحمدية وليسوا محتلين يفرضون وجودهم على السكان الأصليين.
والفرق الثاني أن المسلمين لم تتواصل رحلاتهم لأن ثقافتهم الدينية تمنع من الهجرة إلى بلاد غير المسلمين إذا تسببت في نقصان في دينهم بينما توالت هجرة الأوربيين بشكل موجات بشرية هائلة.
ومع ذلك فإن بعض الوثائق التي ترجع إلى العهد الأندلسي الإسلامي (انتهى بسقوط غرناطة عام 1492 ميلادية) ومكتوبة باللغة العربية فيها وصف كامل لأمريكا والمسلمين فيها عثرت عليها دوقة مدينة سيدونسا وهي لويزا إيزابيل كان قد خبأها أجدادها من حكام إسبانيا في القصر الذي ورثته ونشرتها على صفحتها الإلكترونية، وتوجد دلائل أخرى من الاثار الموجودة هناك ووثائق ذكرتها بعض المدوّنات على صفحات النت لسنا بصدد عرضها هنا فلعل المسلمين الموجودين ابيدوا مع السكان الأصليين، وكانت الأحقاد الاوربية يومئذ في ذروتها
وهنا قد يتساءل البعض بأنه حتى لو ثبت أن المسلمين سبقوا في الوصول إلى الأرض الأمريكية فماذا نستفيد من ذلك في حاضرنا المتخلف المهزوم والمأزوم؟
والجواب: أن المعرفة أثمن شيء في الوجود بغض النظر عن اثارها المنظورة وأن هذه الحقيقة تبين عظمة تأثير الدين الإسلامي في نفوس أتباعه ودفعهم للرقي والازدهار والحضارة، وما تخلّف المسلمون إلا عندما تخلفوا عن دينهم وتعاليمه النبيلة السامية، فهذه الحقائق تعيد للمسلمين ثقتهم بأنفسهم وتحفّزهم على العودة إلى دينهم.
([1]) المنجد في الأعلام.
([2]) من أحفاد الشيخ الصدوق الأب ووصف بأنه حسن الضبط كثير الرواية واسع الطرق عن آبائه وأقربائه وأسلافه، ووصفه أحد علماء الشافعية بأنه: شيخ ديّان من علماء علم الحديث سماعاً وضبطاً وحفظاً وجمعاً وقلَّ من يدانيه في هذه الأعصار في كثرة الجمع والسماع (راجع: أمل الآمل للحر العاملي: 2/194، الرقم 583، روضات الجنتات: 4/316، رقم 403، الكنى والألقاب: 2/675).
([3]) معجم رجال الحديث: 4/143، الرقم 1544.
([4]) نفس المصدر: 3/198، رقم 1127.
([5]) نفس المصدر: 8/200، رقم 4604.
([6]) نفس المصدر: 2/177، رقم 687.
([7]) نفس المصدر: 15/246، رقم 9994.
([8]) هذا يحتاج إلى نصوص أقدم من كولومبس.
([9]) ولعل اسم أمريكانو مأخوذ من اسم القارة الجديدة التي كانت مسماة بهذا الاسم كما يسمى الشخص الإيراني الذي يأتي للدراسة في النجف بالنجفي أو العراقي إذا رجع إلى أهله.
([10]) راجع مثلاً سير أعلام النبلاء والوافي بالوفيات وطبقات الشافعية الكبرى.