المؤتمر العام الثالث لجماعة الفضلاء
المؤتمر العام الثالث لجماعة الفضلاء
أكد المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي على محورية الدور الذي تضطلع به الحوزة العلمية الشريفة والدور الفاعل الذي تؤديه في صلاح الامة أو فسادها وقال سماحته: (إن الأمة تكون بخير ما دامت الحوزة العلمية بخير وتؤدي دورها بشكل فاعل وتأثيرها في صلاح الأمة وفسادها –والعياذ بالله- أشد من تأثير الحكام). السبت 28/ صفر/1431 المصادف 13/2/2010.
وقال المرجع اليعقوبي في كلمة ألقاها في المؤتمر الثالث لجماعة الفضلاء المنعقد في النجف الأشرف بمناسبة ذكرى استشهاد الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في الذكرى السابعة لتأسيس الجماعة، والذي حضره ما يناهز الـ 350 من طلبة العلوم الدينية من العلماء والفضلاء وأئمة الجمعة والجماعة والخطباء: (إن من تابع تاريخ الأمم السالفة وحتى أمة الإسلام يجد أن سنة الله تعالى جارية فيهم على حد سواء [فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً] (فاطر:43) فما دام هناك امتداد صالح للأنبياء والرسل فإن الأمة تبقى عصية على الانحراف والابتعاد عن الشريعة، وإذا لم يكن مثل هؤلاء العلماء الصالحين من أمناء الرسل على شرائعهم فإن الأمة تضيع وتغرق في التيه وتخلّف الحق وراء ظهورها ولا تنفعها البينات والحجج التي جاءهم بها نبيهم الكريم).
وحث سماحته الفضلاء والطلبة على السعي الدؤوب وأداء ما عليهم من واجبات والتزامات تجاه الله تبارك وتعالى ونبينا وأئمتنا (صلوات الله عليهم) وتجاه أمتنا التي تنتظر الكثير من الحوزة العلمية الشريفة حيث قال: (إن نجاة الأمة على يد العلماء لا تتحقق بالقعود والكسل والاكتفاء بتعاطي المصطلحات العلمية، وإنما تتحقق بالعمل الدؤوب ورصد الثغور التي يتسلل منها شياطين الإنس والجن ليثيروا الشبهات والفتن والفساد، وليحرفوا مسيرة الأمة عن صراطها المستقيم الذي حدده لها الله تبارك وتعالى.
كما اشاد سماحته بجهود العاملين الرساليين من طلبة العلوم الدينية الذين تحملوا العنت والمشقة منذ تأسيس جماعة الفضلاء قبل سبع سنوات وهو ما يعانيه كل رسالي يسير في طريق الاصلاح، لافتاً إلى الثمرات التي انتجها هذا الكيان المبارك بقول:( وقد مرّت سبع سنوات على تأسيس هذه الجماعة المباركة وأثمرت جهودها عن مشاريع مهمة أذهلت المطلعين عليها، حين يرون وجود عشرات الفروع من جامعتي الصدر والزهراء (عليها السلام) والعشرات من المؤسسات الإنسانية والثقافية والدينية وإقامة العشرات من صلوات الجمعة وإنشاء العديد من المراكز المشتركة بين الحوزات العلمية والجامعات الأكاديمية، واعترفوا بأن مرجعياتٍ لها إمكانياتُ دولة عجزت عن مثل هذه الإنجازات، لكن همم العاملين وزهدهم في الدنيا وقناعتهم بأن ما عند الله تعالى خير وأبقى هو الذي بعث الحياة في كل هذه المشاريع النبيلة وأدامها بفضل الله تبارك وتعالى.)
ثم قدّم سماحته الخطوط العريضة لخارطة الطريق التي تمثل الخطوات العملية للسير في المشروع الرسالي الالهي العظيم تكونت من سبع نقاط تضمنت عدة مضامين منها التبليغ الاسلامي ونشر الحوزات العلمية والنهوض بواقع الشعائر الدينية والمحافظة على وحدة الحوزة والفتها مهما اختلفت وجهات النظر.
وحول الدور السياسي للحوزة العلمية قال سماحته: (إن من وظيفة الحوزة العلمية الإصلاح وتغيير الواقع الفاسد ومقاومة الظلم والانحراف على جميع الأصعدة، ومنها السلطة والحكم، وقد أتيحت لهذا الجيل فرصة لم تكن متاحة من قبل لتحقيق ما يمكن تحقيقه من خلال صناديق الاقتراع في الانتخابات، ورغم وجود تحفظات لدينا على سير هذه العملية وملابساتها، إلا أنها تبقى الطريق المتيسر الآن للتغيير، ولا يعذِر المجتمع من حاول التغيير بغيرها، ولا شك أنه يوجد في المرشحين من يُؤمَّل منه الخير ويُرجى فيه الصلاح والإصلاح. كما لا يُعذر من تقاعس عنها لسبب أو لآخر، وقد جرّب من تخلّف عن المشاركة فلم يجنِ إلا الضعف والتقصير ووخز الضمير).
وفيما يلي نص كلمة المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي(دام ظله) التي القاها في المؤتمر العام لجماعة الفضلاء بتاريخ 28/ صفر/ 1431 المصادف 13/ 2/2010:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحوزة العلمية وأداء شكر النعمة (*)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أكمل الخلق أجمعين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام على رسول الله أمين الله على وحيه، وعزائم أمره، الخاتم لما سبق، والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كله ورحمة الله وبركاته.
السلام على صاحب السكينة، السلام على المدفون بالمدينة، السلام على المنصور المؤيد، السلام على أبي القاسم محمد بن عبد الله ورحمة الله وبركاته.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله تعالى أجورنا وأجوركم بمصابنا المتجدد بفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لم تُصَب الدنيا بمثله وفيه قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (بأبي أنت وأمي طبتَ حياً وطبت ميتاً، انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممن سواك من النبوة والإنباء، خصصتَ حتى صرتَ مسلياً عمن سواك، وعممت حتى صار الناس فيك سواء)([1]).
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: (لما قُبضَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بات آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بأطول ليلة حتى ظنوا أن لا سماء تظلّهم ولا أرض تقلّهم)([2]).
لقد انقطع بموته (صلى الله عليه وآله وسلم) التنزيل، ورفع أمان لأهل الأرض [وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأنتَ فِيهِم] (الأنفال: 33).
واستضعف أهل الحق وعلى رأسهم أهل بيته الطاهرين كما أخبر (صلى الله عليه وآله وسلم): (أنتم المستضعفون بعدي) وانقلبت الأمة على الأعقاب [أفَئِنْ مَاتَ أو قُتِلَ انقَلبْتُم عَلى أَعقَابِكُم] (آل عمران: 144).
وفي هذه المناسبة نستذكر حديثاً مروياً عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد خطب في أصحابه يوماً فقال: (أيها الناس إن في القيامة أهوالاً وأفزاعاً وحسرة وندامة... ) إلى أن قالوا: يا رسول الله ما النجاة من ذلك؟ فقال: (اجثوا على ركبكم بين يدي العلماء تنجوا منها ومن أهوالها فإني أفتخر يوم القيامة بعلماء أمتي، فأقول: علماء أمتي كسائر الأنبياء قبلي، ألا لا تكذبوا عالماً ولا تردّوا عليه ولا تبغضوه وأحبُّوه، فإن حبهم إخلاص وبغضهم نفاق، ألا ومن أهان عالماً فقد أهانني ومن أهانني فقد أهان الله ومن أهان الله فمصيره إلى النار، ألا ومن أكرم عالماً فقد أكرمني، ومن أكرمني فقد أكرم الله ومن أكرم الله فمصيره إلى الجنة).
أيها الأحبة:
إن القدر المتيقن من العلماء المشار إليهم في الحديث هم المعصومون من أهل بيت النبي (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وإنما تشمل عموم علماء الأمة باعتبارهم مبلغين عن الأئمة الطاهرين (سلام الله عليهم) وناقلين لرسالتهم ومتأسّين بهم وقائمين بوظائفهم ومتحملين لمسؤولياتهم.
والتكليف العام الذي يجب تلقيه من الحديث الشريف هو وجوب طاعة العلماء السائرين على نهج الأئمة الأطهار والأخذ منهم وإكرامهم وحسن الظن بهم والتحذير من مغبّة الإعراض عنهم والقدح فيهم وتوهينهم.
لكن النخبة الرسالية من الأمة يفهمون منه تكليفاً آخر وهو الالتحاق بركب العلماء وأن يكونوا منهم، فإنهم لا يكتفون بنجاة أنفسهم وإنما يعملون بما ييسر الله لهم من الأسباب لإنقاذ الأمة من الأهوال والفتن والأخذ بأيديهم نحو الفوز والفلاح. ويتحقق ذلك في أوضح أشكاله بالانخراط في سلك الحوزة العلمية الشريفة وبذل الوسع في تحصيل العلوم وتهذيب النفس وتحصيل الكمالات حتى يصبح من العلماء الذين وصفهم الحديث الشريف وبيّن دورهم.
وقد حباكم الله تعالى بفضله فجاء بكم من شتى بقاع الأرض على تنوع ثقافاتكم وانتماءاتكم لتكونوا جزءاً من هذا الكيان الشريف الممتد في أعماق التأريخ والضارب بأطنابه في جذور الأرض [ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء] (إبراهيم: 24).
إن الشعور بالانتماء إلى سلسلة من الشموس والكواكب يقف في رأسها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرون والأنبياء والرسل (صلوات الله عليهم أجمعين) والشهداء والصديقون والعلماء الصالحون حتى تصل إلى جيلنا الحاضر، إن هذا الشعور يزيد الهمة ويعطي مزيداً من الثقة بالنفس وبالمنهج الذي ينتمي إليه.
إذن كم هو عظيم فضل الله تبارك وتعالى على من انتمى إلى هذا الخط الشريف [ قَلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلكَ فَليَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَا يَجمَعُونَ] (يونس: 58) [وَفي ذَلِكَ فَليَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ] (المطففين: 26) حتى أنني أستغرب من غفلة أكثر الناس عن هذا الفضل العظيم، وأتساءل ماذا يوجد في غيره من خير لا يوجد فيه حتى يعرض عنه من يعرض؟
أيها الأساتذة والفضلاء وطلبة العلم:
من حق الله تعالى علينا أن نعرف عظيم نعمته، ونقدّم بين يديه عجزنا عن الشكر، وأن نكون أوفياء لنعمته ونقوم بحقوقها وما تقتضيه من واجبات والتزامات تجاه خالقنا تبارك وتعالى ونبينا وأئمتنا (صلوات الله عليهم) خصوصاً إمام العصر الشاهد على أفعالنا وأقوالنا (عجل الله تعالى فرجه ومكن له) وتجاه أمتنا التي تنتظر الكثير من الحوزة العلمية الشريفة.
إن نجاة الأمة على يد العلماء لا تتحقق بالقعود والكسل والاكتفاء بتعاطي المصطلحات العلمية، وإنما تتحقق بالعمل الدؤوب ورصد الثغور التي يتسلل منها شياطين الإنس والجن ليثيروا الشبهات والفتن والفساد، وليحرفوا مسيرة الأمة عن صراطها المستقيم الذي حدده لها الله تبارك وتعالى، وفي ذلك قال إبليس: [قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ] (الأعراف: 16-17) وحكى تعالى عنه قوله: [قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ] (ص: 82-83).
إن الله تبارك وتعالى ذم المتقاعسين المتواكلين الذين لا يريدون أن يقدّموا جهداً أو تضحية وينتظرون من الغير إنجاز العمل وينشغلون هم بالتشكيك والاعتراض، ولقد ذكر الله تبارك وتعالى مثالاً لهم من قوم موسى [يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ] لكن الله تبارك وتعالى أثنى على المبادرين إلى العمل المستجيبين لأوامر نبيهم [قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ]. فكانت عاقبة التخاذل والتمرد والتشكيك التيه جيلاً كاملاً حتى استبدل بهم ربهم غيرهم [قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ] (المائدة: 21-26).
لذا فإننا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لننهض بهذه المسؤوليات الإلهية. وقد مرّت سبع سنوات على تأسيس هذه الجماعة المباركة وأثمرت جهودها عن مشاريع مهمة أذهلت المطلعين عليها، حين يرون وجود عشرات الفروع من جامعتي الصدر والزهراء (عليها السلام) والعشرات من المؤسسات الإنسانية والثقافية والدينية وإقامة العشرات من صلوات الجمعة وإنشاء العديد من المراكز المشتركة بين الحوزات العلمية والجامعات الأكاديمية، واعترفوا بأن مرجعياتٍ لها إمكانياتُ دولة عجزت عن مثل هذه الإنجازات، لكن همم العاملين وزهدهم في الدنيا وقناعتهم بأن ما عند الله تعالى خير وأبقى هو الذي بعث الحياة في كل هذه المشاريع النبيلة وأدامها بفضل الله تبارك وتعالى.
ويبقى طموحنا أكبر بكثير مما أنجز، لأن الكمال لا حدود له فطالِبوه لا يقفون عند حد، ولأن التحديات التي تحيط بنا والمسؤوليات الملقاة علينا والأمانة الثقيلة التي تحملناها لا زالت تستنهض المزيد من الجهود.
إننا نأمل من مؤتمركم الشريف هذا أن يحقق نقلة في طريق العمل الصالح ويغنينا بالأفكار والخطوات العملية التي ينبغي اتخاذها في المرحلة القادمة، وفي محاور متعددة منها:-
1- الاهتمام بالتبليغ الإسلامي وانتشار الخطباء والمبلغين والمرشدين في أصقاع الأرض داخل العراق وخارجه وأن يأخذ الطلبة والطالبات في فروع جامعات الصدر والزهراء في المحافظات وسائر المدارس الدينية دورهم في أداء هذه الرسالة الشريفة، وقد كانت تجربة عدد من الأخوة العاملين المخلصين الذين انتشروا في محافظة ديالى خلال الموسمين الماضيين تجربة مثيرة للفخر والاعتزاز وتستحق التأسي والثناء.
2- الارتقاء بشخصية الحوزوي ليكون قائداً حقيقياً في المساحة التي يشغلها وهذا يتطلب جدّاً واجتهاداً في التحصيل العلمي وفي تهذيب النفس والسلوك والانفتاح على حاجات المجتمع ومشكلات العصر وأنواع الثقافات السائدة والاطلاع الواسع على الكتب والنشرات والمجلات وسائر وسائل المعلومات العصرية ليكون مواكباً لعصره ويحافظ على تقدمه على المجتمع حتى يجد الناس عنده ما يحتاجون إليه، وإلا فهم سيخلّفونهم وراء ظهورهم.
3- نشر الحوزات العلمية والمدارس الدينية والمعاهد القرآنية في جميع المدن لتعليم الفقه والعقائد والأخلاق والتعريف بفضائل أهل البيت (عليهم السلام) وسيرتهم المباركة، فإن مثل هذه الحوزات هي مصدر الإشعاع ومفتاح البركات للمجتمعات التي تحتضنها.
4- إغناء خطاب الجمعة بكل ما يلامس واقع الأمة وهمومها والانسجام مع وظائف هذا المنبر المقدس وتوجّهات المرجعية الدينية، وأن يكون ملبياً لتنوع الحضور ومستوياتهم.
5- محافظة الحوزة العلمية على وحدتها وألفتها مهما اختلفت وجهات النظر والتعاطي معها بحسن الظن ما دامت تصب في الهدف الإلهي المبارك، والتعامل مع هذا الاختلاف في الأساليب على أنه تنوع أدوار بحسب ما تقتضيه ظروف العمل، ولا يمكن أن يكون ذلك سبباً للتقاطع والتباعد فإنه غير مشروع وهو سبب فشل المؤسسات وانهيارها، قال تعالى: [وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] (الأنفال: 46) .
6- النهوض بواقع الشعائر الدينية وخصوصاً الشعائر الحسينية لتكون محققة للأهداف التي سالت تلك الدماء الزواكي الطواهر من أجل تحقيقها، لأننا نلمس مع الأسف تسطيحاً لهذه الشعائر وتراجعاً في الممارسات لتصبح غالباً خالية من تلك الأهداف ولا تترك تأثيراً حقيقياً على نفوس الملايين إلا في وقت ممارستها، مع الإشادة التامة بالنبل والمواقف الكريمة التي تجلت في الزيارة الأربعينية والتي تستحق أن يُفرد لها كتاب خاص لتطلع البشرية على التجليات الإنسانية فيها. لكن هذه المسيرة المليونية يمكن أن تساهم بشكل كبير في تعجيل الظهور الميمون المبارك إذا أبرَزت بشكل أكبر الأهداف والمبادئ التي أعلنها الإمام الحسين (عليه السلام)، وإنما يتحقق التأسي به (عليه السلام) بمقدار تجسيد تلك المبادئ والمحافظة عليها وليس بمقدار شجّ الرؤوس بالسيوف وإدماء الظهور بالسلاسل والمشي على الجمر وبعض الممارسات التي تشوه الصورة الناصعة لمدرسة أهل البيت (سلام الله عليهم).
7- إن من وظيفة الحوزة العلمية الإصلاح وتغيير الواقع الفاسد ومقاومة الظلم والانحراف على جميع الأصعدة، ومنها السلطة والحكم، وقد أتيحت لهذا الجيل فرصة لم تكن متاحة من قبل لتحقيق ما يمكن تحقيقه من خلال صناديق الاقتراع في الانتخابات، ورغم وجود تحفظات لدينا على سير هذه العملية وملابساتها، إلا أنها تبقى الطريق المتيسر الآن للتغيير، ولا يعذِر المجتمع من حاول التغيير بغيرها، ولا شك أنه يوجد في المرشحين من يُؤمَّل منه الخير ويُرجى فيه الصلاح والإصلاح. كما لا يُعذر من تقاعس عنها لسبب أو لآخر، وقد جرّب من تخلّف عن المشاركة فلم يجنِ إلا الضعف والتقصير ووخز الضمير.
أيها السادة المحترمون:
إن الأمة تكون بخير ما دامت الحوزة العلمية بخير وتؤدي دورها بشكل فاعل وتأثيرها في صلاح الأمة وفسادها –والعياذ بالله- أشد من تأثير الحكام، وقد قربنا ذلك في بعض كتبنا([3]) عندما شرحنا الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل: يا رسول الله ومن هما؟ قال: الفقهاء والأمراء)([4]).
وإن من تابع تاريخ الأمم السالفة وحتى أمة الإسلام يجد أن سنة الله تعالى جارية فيهم على حد سواء [فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً] (فاطر: 43) فما دام هناك امتداد صالح للأنبياء والرسل فإن الأمة تبقى عصية على الانحراف والابتعاد عن الشريعة، وإذا لم يكن مثل هؤلاء العلماء الصالحين من أمناء الرسل على شرائعهم فإن الأمة تضيع وتغرق في التيه وتخلّف الحق وراء ظهورها ولا تنفعها البينات والحجج التي جاءهم بها نبيهم الكريم، كأهل مصر بعد يوسف (عليه السلام) على رغم ما رأوه على يديه من معجزات وكرامات وإنقاذ حياتهم من الجوع والقحط وتخليصهم من جور الظلمة، قال تعالى: [وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ] (غافر: 34)، وهكذا الأمم الأخرى، أما شريعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد حفظها الله تبارك وتعالى بأئمة معصومين هداة مهديين ومن بعدهم بعلماء عاملين مخلصين صادقين حتى يظهر الله تعالى دينه على يد بقية الله الأعظم (عجل الله تعالى فرجه)، ولذا ورد في الحديث الشريف الذي بدأنا به الكلام أن النجاة في الدنيا والآخرة تكون بمتابعة العلماء، فكونوا منهم ليس فقط بالزي والشكل والعناوين البراقة وإنما بالعلم والعمل الصالح والسير على خطى رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).