(إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد7)

| |عدد القراءات : 3253
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

 

بسمه تعالى

(إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[1] (محمد7)

قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد7) تبيّن الآية إحدى القواعد والسنن الالهية، وهي ثنائية متلازمة عبّر القران الكريم  المعَبّر عنها بجملة شرطية، الشرط فيها (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ) والجزاء (يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) وهي متلازمة تكرّرت في القرآن الكريم كقوله تعالى (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج40).

ولا بد أن نفهم أولاً معنى نصرة الله لأن الله تعالى غنيّ عن العالمين ولا يحتاج الى معونة ونصرة احد بل الكل محتاج اليه، وفي نهج البلاغة قول امير المؤمنين (عليه السلام) (فَلَمْ يَسْتَنْصِرْكُمْ مِنْ ذُلٍّ وَلَمْ يَسْتَقْرِضْكُمْ مِنْ قُلٍّ اسْتَنْصَرَكُمْ وَلَهُ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَاسْتَقْرَضَكُمْ وَلَهُ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[2] فنصرة الله بنصرةِ رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوليائه وحججه الذين يدعون الى طاعته ويقيمون الدين ويعملون لتطبيق منهج الله تبارك وتعالى في الأرض وتتحقق نصرة الله بنصرة دينه وتحكيم شريعته واحكامه في واقع الحياة، قال تعالى (كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ الله) (الصف14) فنصرة الله تعالى تعني نصرة السائرين الى الله تعالى والهادين الى الله تعالى والعاملين لإعلاء كلمة الله تعالى، فهي نصرة لهؤلاء قال تعالى (وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (الحشر8) وإنما نسبها الى الله تعالى لأكثر من نكتة:

1.  لإعطائها أهمية بنسبتها الى الله تعالى ولو نُسِبَتْ النصرة الى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أوليائه فقط لكانت أقل زخماً لذا قرن الله تعالى نصرة رسوله (صلى الله عليه واله) بنصرته تبارك وتعالى (وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (الحشر8).

2.  للتنبيه الى شرط القبول وإعطاء الجزاء بأن تكون النصرة وسائر الأعمال خالصة لله تعالى اي ان الجزاء يتحقق حينما تكون نصرة اولياء الله تعالى نصرة لله، هذا الذي يقال في الاصول ان تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية، فقد ينصر الشخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الإمام ويخرج معه لكنه لهدف آخر غير خالص كالرياء أو الشهرة أو تحصيل منفعة دنيوية أو تعصباً لمدينته أو قبيلته ونحو ذلك فهذه النصرة لا قيمة لها عند الله تعالى.

في صحاح العامة عن أبي موسى قال ((سُئل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن الرجل يقاتل شجاعة، و يقاتل حميةً ويقاتل رياءً، أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) ))[3].

ونلفت النظر الى جملة امور قد لا يلتفت اليها الكثيرون ممن يتداولون هذه الآية ويجعلونها عنواناً لبياناتهم وخطاباتهم:

1.  إن نصرة الله تعالى مفتوحة على كل المجالات وإن كان أرقاها والذي كانت الآيات بصدده  هو القتال في سبيل الله لكن نصرة الله تعالى تتحقق بما لا يحصى من الطرق فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نصرة لله تعالى وغضب له أذا عُصي، وكذا دعوة الناس الى الله تعالى وهدايتهم وإصلاحهم، وتتحقق أيضاً بأي مشروع فيه رضا الله تعالى وصلاح العباد، وبأي حوار تردّ به الإشكالات الموجهة الى الدين أو فيها انتقاص من قادته العظام، وحينما نؤيد مسعى لتطبيق قوانين الله تعالى وأحكامه في حياة الناس كمشروع القانون الجعفري فهذه نصرة لله تعالى، وتتحقق أيضاً بأي خدمة تقدمها للناس المحتاجين لأنك بذلك تدفع عنهم الاعتراض على قضاء الله وقدره فهو نصرة لله تعالى ودفاع عنه كما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما سُئل عن لبسه القميص المرقّع البالي وتوزيعه المساعدات بنفسه على بيوت الفقراء والايتام قال: لكيلا يتبيّغ بالفقير فقره)[4] أي لكيلا يغلبه الفقر ويقهره فيؤدي الى الاعتراض على الله تبارك وتعالى.

وهكذا تتعدد أشكال نصرة الله تعالى ويتحقق معها الجزاء وهو أن ينصركم الله ويؤيدكم في سائر شؤونكم ويزيد من توفيقكم ويهيئ لكم الاسباب والمقدمات للتقدم ومزيد من الانتصارات، وكلما ازددت نصرة لله تعالى، زاد الله من نصرته لك وتسديدك.

2.  إن الكثيرين يستشهدون بالآية الى قوله تعالى (ينصركم) ويعتقدون ان هذا كافٍِ وان هذا هو موضع الحاجة ولا يلتفتون الى ما هو أهم من النصر وهو الثبات عليه الذي ذكرته فإن النصر قد يتحقق لكنه لا يدوم  لعدم توفير إمكانية المحافظة عليه، أو لأنهم بعد أن انتصروا تغيرّت نواياهم وانحرفت فلم يعودوا مستحقين للنصر، وتزول عنهم نعمة الانتصار ويكون بلا قيمة، كالجيش الذي يهجم على العدو ويأخذ مواقعه لكنه لا يستطيع الامساك بالأرض فيتراجع عنها ويعود العدو اليها وربما يستغل العدو هذا التراجع ويستفيد من زخم العودة ليتقدم أكثر في عمق هذا الطرف الذي انتصر اولاً، وكمثال من التاريخ نذكر ما حصل للمسلمين في معركة أُحُد فانهم انتصروا في بداية المعركة لكنهم لما عصوا اوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)واتبعوا اهوائهم والتفتوا الى جمع الغنائم لم يدم ذلك النصر وانقلب الى هزيمة وخسروا شهداء كثيرين، لذا كان التوجيه الرباني بعد ان فتح الله تبارك وتعالى مكة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وللمسلمين ونصرهم على قريش بحسب سورة النصر {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} [النصر : 1 - 3] فعليك ان تسبح الله وتنزهه عن اي وهم وظن بانك صاحب القدرة في تحقيق النصر وتستغفره من كل ما يفقدك هذا النصر ويزيل اسبابه،وهكذا التاريخ حافل بالمنقلبين على الاعقاب .

فقيمة الانتصار في الثبات عليه وإدامته بإدامة الأسباب الموجبة له، ولا شك أن هذا التثبيت هو من مصاديق الجزاء (ينصركم) وأحد مفرداته فيكون من قبيل ذكر الخاص بعد العام كما يقال وانما ذكر تثبيت الاقدام مع انه داخل في عنوان (ينصركم ) لأكثر من نكتة:

 

 

   أ‌-       إلفات النظر اليه والاهتمام به.

     ب‌-   ولتمييزه عن ثبات آخر يسبق النصر لا بد أن يحققه العبد الناصر لربه بشجاعة وإصرار ليتحقق الانتصار على العدو كقول طالوت لما بارز جالوت الطاغية (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة250) فتلاحظ ان ثبات الاقدام كان مقدمة للنصر، فيوجد ثبات يسبق النصر وتثبيت يلحقه .

3. إن كل هذه الألوان من النصرة بما فيها القتال المؤدي الى الموت إنما هي على مستوى (الجهاد الأصغر)، والأسمى من ذلك تطبيق هذه المعادلة على (الجهاد الأكبر) أي على صعيد مجاهدة النفس ومنعها من اتباع الاهواء والشهوات وتطبيعها على طاعة الله تبارك وتعالى والورع والتقوى وتتجرد عما سوى الله تبارك وتعالى حتى تكون احبّ الى الشخص من نفسه ومن كل ما سوى الله تبارك وتعالى، وفي الحديث الشريف (أعدى أعداءك نفسك التي بين جنبيك)[5]  فهي تهشّ الى المعصية ويزيّنها الشيطان فمقاومتها نصرة لله تبارك وتعالى على ادعائه الشيطان وأوليائه والنفس الأمارة بالسوء، وحينئذ ينصرك الله تعالى ويزيدك قوة وعزيمة ويرقّيك في درجات التكامل، من دعاء الصباح لأمير المؤمنين (عليه السلام) (وَإِنْ خَذَلَنِي نَصْرُكَ عِنْدَ مُحارَبَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطانِ، فَقَدْ وَكَلَنِي خِذْلانُكَ إِلى حَيْثُ النَّصَبِ وَالحِرْمانِ)[6]، فاذا اعانك الله تعالى ونصرك على نفسك ونجحت في الامتحان وحققت تقدماً في هذه الاشهر المباركة او المشاهد المشرّفة او بحضورك مجالس الصالحين وفي المساجد وصلوات الجمعة والجماعة وغيرها فثبت عليه وادمه ولا تضيّعه بسبب شهوة او غضب او تزيين من شياطين الانس والجن، فان السقوط في الهاوية حينئذٍ يكون مريعاً والعياذ بالله تعالى .

ايها الاخوة:

            أنتم بفضل الله تبارك وتعالى بإقامتكم لهذه الشعيرة المباركة: السير على الأقدام من حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) الى حرم الإمام الحسين (عليه السلام) لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في النصف من رجب ولإحياء وفاة عقيلة الهاشميين السيدة زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): وبإدامتكم لها منذ بضع سنوات: تنصرون الله تبارك وتعالى بعدة أشكال تتضح من خلال ما ذكرناه سابقاً فأسأل الله تعالى أن ينصركم ويثبت أقدامكم.

 



[1] ) الكلمة السنوية التي اعتاد سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) القاءها على مواكب العزاء التي تنطلق من النجف الاشرف الى حرم الامام الحسين (عليه السلام) سيراً على الاقدام لزيارته الشريفة يوم النصف من رجب واحياء شعائر وفاة العقيلة زينب (عليها السلام) وتنطلق المسيرة يوم الخميس 11/رجب/1435 المصادف 30/4/2015

[2] ) نهج البلاغة : 183 / الوصية بالتقوى

[3] اخرجه الشيخان وابو داوود والترمذي والنسائي.

[4] نهج البلاغة 2: 204

[5] عدة الداعي ص 314

[6] مفاتيح الجنان: 94