خطاب المرحلة: (387) المرأة وطلب المعالي

| |عدد القراءات : 1938
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

المرأة وطلب المعالي(1)

يوجد شعور أو ارتكاز أو ثقافة لدى النساء قبل الرجال بأنهنّ قاصرات عن بلوغ المعالي ودرك الكمال، وقد ترسّخت هذه الثقافة حتّى تحوّلت إلى قناعة، فاخترتُ هذا العنوان للحديث عنه.

إنّ سلوك طريق الكمال يبدأ بالإرادة والعزم، وكلما كان العزم أقوى كان قطف الثمار أسرع (على قدر أهل العزم تأتي العزائم) وينسب السيد الخميني (قده) إلى شيخه (رضوان الله تعالى عليه) قوله (إن العزم هو جوهر الإنسانية ومعيار ميزة الإنسان، وإن اختلاف درجات الإنسان باختلاف درجات عزمه)([2])

وإنما يشتد عزم الإنسان وتقوى إرادته بزيادة القناعة والمعرفة، لذا أقدّم بعض المحفزّات لرفع الهمّة.

يوجد في القرآن الكريم والروايات والأدعية الشريفة ثناء عظيم على من تكون همته كبيرة في طلب الكمال ونيل معالي الأمور، قال تعالى في وصف عباد الرحمن (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) (الفرقان/74) والزوج لغة يطلق على المرأة والرجل فتجري الآية فيهما معاً، ويسجّل القرآن الكريم علّو همتهم بأنهم يطلبون أن يكونوا للمتقين إماماً، ولا يكتفون بأن يكونوا من المتقين، وإن كانت درجتهم رفيعة.

وفي دعاء أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي رواه كميل بن زياد (واجعلني من أحسن عبيدك نصيباً عندك، وأقربهم منزلة منك، وأخصّهم زلفة لديك، فإنه لا ينال ذلك إلا بفضلك، وجُد لي بجودك) والنساء كالرجال يطلبن ما في هذا الدعاء كل ليلة جمعة فيمكن أن يكون أي واحد منّا –نساءاً ورجالاً- أحسن عباد الله نصيباً وأقربهم إليه تبارك وتعالى بعد الإمام المعصوم (عليه السلام)، والدليل على إمكان الوصول إلى هذه المرتبة بفضل الله تبارك وتعالى تعليم الإمام لنا أن ندعو الله تعالى بذلك ولو كان مستحيلاً فلا معنى لطلبه.

وفي دعاء الافتتاح الذي يدعى به كل ليلة من شهر رمضان المبارك (اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الإسلام وأهله وتذلّ بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها خير الدنيا والآخرة) فتطلب –سواء كنت رجلاً أو امرأة- في هذا الدعاء من الله تعالى أن يجعلك من القادة إلى سبيله في دولة الإسلام الكريمة وليس فقط من عامة المؤمنين والصالحين وإن كان هؤلاء في نعيم.

فإذن هذا كله ممكن ومتيسر للنساء والرجال على حدٍ سواء بعد الأخذ بأسبابه ووسائله الموصلة إليه قال تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) (آل عمران/195) فهذا الموقع الشريف وهي القيادة في الدولة الكريمة ممكن بل هو واقع بحسب ما أفادت روايات أخبار الظهور، ففي حديث مطول روته عدة مصادر كتفسير العياشي وغيبة النعماني وإرشاد المفيد وغيبة الطوسي وغيرهم كثير بأسانيد متعددة عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر (عليه السلام) وفيه تفاصيل عن بداية ظهوره (عليه السلام) وحركته المباركة وخطبته في المسجد الحرام، ومحل الشاهد فيها إنه بعد أن يطلب الإمام النصرة بقوله (عليه السلام) في خطبته (فنحن أولى الناس بكتاب الله إنا نشهد وكلّ مسلم اليوم إنا قد ظُلمنا وطُردنا وبُغي علينا وأُخرجنا من ديارنا وأموالنا وأهالينا وقُهرنا إلاّ إنا نستنصر الله اليوم وكلّ مسلم).

يقول الإمام الباقر (عليه السلام) (ويجيء والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاًَ فيهم خمسون امرأة، يجتمعون بمكّة على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف يتبع بعضهم بعضاً، وهي الآية التي قال الله: (أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقول (عليه السلام) ثمّ يخرج من مكة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام)([3]).

وهذه الرواية تدل على عظمة المنزلة التي يصل إليها هذا العدد الكبير من النسوة ويتصفن بالخصال الكريمة التي ذكرتها الروايات الشريفة لأصحاب الإمام (عليه السلام)، فيتأهّلن لممارسة دور قيادي في دولة الإمام لأن الثلاثمائة وثلاثة عشر هُم القادة في تلك الدولة الكريمة.

ويبرز بذلك دور المرأة الإنسانة في التصدّي لأعلى المواقع ونيل أرقى الكمالات لا المرأة التي يُتاجر بحقوقها وتمتهن كرامتها ويُفرض وجودها في الأروقة السياسية بالكوتا ونحوها.

ولا شكّ أن الوسيلة التي تصل بها المرأة إلى هذه المقامات تبدأ من خطّ الشروع والقاعدة الأساسية وهي التزامها بواجباتها الدينية على أكمل وجه، عن النبي (صلى الله عليه واله) قال: (كلّ امرأة صالحة عبدت ربّها وأدّت فرضها وأطاعت زوجها دخلت الجنّة).([4])

وهذا يتطلّب منها تفقّها ومعرفة بأمور الدين بمعناه الواسع الشامل للأحكام الشرعيّة والمبادئ الاعتقادية والأخلاق السامية ومعرفة أولياء الأمر وهم الأئمة الذين فرض الله ولايتهم ومودّتهم وقرن طاعتهم بطاعته.

وتتكفّل الحوزات العلمية بشكل عام تغذية هذه العلوم والمعارف والأحكام بفضل الله تبارك وتعالى وبهذا تتحقّق فائدة مزدوجة، تكاملكم في أنفسكم، وتأهيلكم لإنشاء أسرة صالحة وتربية أبنائكم بشكل سليم يحقّق لكم الصدقة الجارية التي ذكرها الحديث الشريف (إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث: علم يُنتفع به، صدقة جارية، ولد صالح يدعو له)([5]) فلا تتحقّق الصدقة الجارية بأي ولد بل بالولد الصالح الذي يستمر بالتكاثر والتوسّع إلى يوم القيامة فكم سيكون هذا الرصيد المبارك؟

ذكرنا هذا على نحو الاختصار لأنّه واضح وملتفت إليه، ولكنّنا نشير الآن إلى بعض الخطوات العملية التي تزيد في التكامل وتوصل إلى المراد بإذن الله تعالى، ونأمل أن تكون من الإضافات التي تتميّز بها هذه المؤسسة المباركة (جامعة الزهراء الدينية) عن بقية المؤسسات وتهتم بها:

1-    إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنّها معطّلة وغائبة في المجتمع وهذا التعطيل لدى النساء أشدّ لضعف حركة التبليغ والوعظ والإرشاد، رغم أنّ هذه الفريضة وُصِفت في الأحاديث الشريفة بأنّها أسمى الفرائض وأعظمها وأنّها منهاج الأنبياء وسبيل الصلحاء وغير ذلك.

ويكفي أن ننقل حديثاً واحداً عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان عظمتها قال (عليه السلام): (وما أعمال البرّ كلّها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلاّ كنفثة في بحر لجّي) فتصوّروا عظمة هذه الفريضة، فهل يسعنا بعد هذا أن نتقاعس عن إحيائها وتفعيلها؟ ومن نافلة القول الإشارة إلى أن أداء هذه الوظيفة لا يقتصر على الآمر والناهي المباشرين بل يشمل آليات أخرى ومنها المنشورات والكتيبات والمجالس والحوارات ونحو ذلك.

ومن هذه الناحية فقد نجحت فروع الجامعة بتقديم العشرات من المبلّغات الرساليات ومرشدات قوافل الحجّاج ولهنّ صفحات نافعة على مواقع التواصل الاجتماعي وتركن أثراً مباركاً فجزاهنّ الله خير الجزاء.

2-   الاتّصاف بالحياء والعفّة، وهاتان الصفتان في النساء خصّهما بالطلب الدعاء المأثور في زمن الغيبة الذي أوّله (اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية) والذي يبيّن الصفات المطلوبة في كل شريحة كالعلماء والأمراء والأغنياء والفقراء والشباب وغيره إلى أن يقول (وعلى النساء بالحياء والعفة) فالتركيز عليهما ناشئ من أهميتهما ودورهما في تكامل النساء.

وقد وردت فيهما أحاديث كثيرة كالمروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال (العفة رأس كل خير)([6]) وقد جعلته إحدى الفاضلات عنواناً لكتاب مفصّل في هذه الخصلة الكريمة، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممّن قدّر فعفّ، لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة)([7])  وعنه (عليه السلام): (بالعفاف تزكو الأعمال)([8]).

وورد في الحياء قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (الحياء سبب  إلى كل جميل)([9]) وقوله (عليه السلام): (الحياء مفتاح كلّ الخير)([10]) وتلاحظ أنّ العفّة والحياء يشتركان في صفة كونهما أصل وسبب ومنشأ كلّ خير وجميل.

وقد عُرِّفَ الحياء بأنّه ((انقباض النفس عن القبائح وتركها، وفي الحديث الشريف (إنّ الله حيِيّ) أي تارك للقبائح فاعل للمحاسن)).([11])

وفُسّرت العفّة بأنها ((حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة))([12]).

فهما إذن ملكتان نفسيّتان وخصلتان كريمتان بهما جمال المرأة وكمالها، أمّا ارتداء الحجاب الخارجي مهما كان متكاملاً فهو جزء منهما ومظهر لهما لكنّه لا يكفي وحده للتعبير عنهما ما لم ينعكس أثرهما على السلوك الخارجي والتعامل مع الآخرين، فلا فضول في الكلام ولا ملاطفة ولا انبساط في الحديث ولا خضوع بالقول ونحو ذلك، أما ما نسمع عنه اليوم من جلسات مختلطة غير محتشمة أو صداقات أو حوارات بين المؤمنين والمؤمنات على مواقع التواصل الاجتماعي أو بأي وسيلة أخرى مباشرة أو غير مباشرة تحت عنوان الحوار المفيد أو الهادف أو أي شكل آخر هو خداع منافي للحياء والعفّة ولا مبرّر له لإمكان التواصل مع أبناء نفس الجنس، وتوجد شواهد كثيرة على انتهاء هذه العلاقات إلى نتائج مؤلمة.

إنّنا نفخر بأن جامعة الزهراء الدينية لكل فروعها أصبحت رمزاً للحياء والعفّة ويشيد بها حتى من لا يوافقنا في بعض التوجّهات.

3-   والخطوة العملية الأخرى المطلوبة هي حثّ النساء على الترفّع عن المباهاة والتفاخر والتزيّن بأمور الدنيا والتنافس مع النساء الأخريات والتفوّق عليهنّ، فهذه أمور تافهة لا قيمة لها وإن التنافس الحقيقي بالعمل الصالح وبالخصال الكريمة التي أشرنا إليها، أمّا هذه المنافسات الدنيوية فهي من خدع الشيطان.

4-    السعي الدؤوب لحماية المجتمع من المشاكل العائلية والخلافات على أمور لا تستحق الالتفات إليها تُسبّب الكراهية والبغضاء بين الأخ وأخته والأمّ وولدها والزوج وزوجته والأب وأبنه وبين الجيران والأرحام ونحو ذلك وتتضاعف وتتضخّم وتؤدي إلى تفكّك الأسر وتخريب المجتمع وهو ما يبغضه الله ورسوله (صلى الله عليه واله) ويؤدي إلى تشوش الفكر وانشغال القلب وزيادة الهم، وعلى العكس فإنّ المرأة تستطيع أن تصبح بعواطفها الجيّاشة ورحمتها الواسعة وقلبها الكبير أن تصبح جسراً للمودّة والمحبّة والتواصل بإذن الله تعالى.

هذه بعض الخطوات العملية التي فيها تلبية لاستنصار الإمام المهدي (عليه السلام) في خطبة الإعلان عن حركته (إلا إنّا نستنصر الله اليوم وكل مسلم) فكونوا من أنصار الله تعالى وأنصار الإمام (عليه السلام) بتوفيق الله ولطفه.

 



([1]) حديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع الملتقى السنوي الثالث لإدارات ومدرّسات فروع جامعة الزهراء (ع) النسوية في المحاففظات وقد عُقد في النجف الأشرف يوم الخميس 26/ذ.ق/1434 المصادف 3/10/2013.

([2]) الأربعون حديثاً: 34.

([3]) راجع مصادر الرواية في (المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي (A): 352).

([4]) مستدرك الوسائل: 14/238 ح16602.

([5]) شرح أصول الكافي، ج6، ص137.

([6]) غرر الحكم : رقم 1168.

([7]) نهج البلاغة، الحكمة: 474.

([8])  غرر الحكم: رقم 4238.

([9])  بحار الانوار ج٧٧ ص٢١١.

([10])  غرر الحكم / ح 340.

([11])  المفردات للراغب، مادة (حييّ).

([12])  المصدر، مادة (عف).