التجديد في الخطاب الديني

| |عدد القراءات : 2203
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

التجديد في الخطاب الديني([1])

أجرت قناة العراقية الفضائية حواراً مع سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله)  كان محوره (التجديد في الخطاب الديني) وعُرض في برنامج (دولة الإنسان)، ونقرر هنا جوانب من هذا اللقاء.

س1: هل التجديد في الخطاب الديني ضرورة؟

ج: نعم التجديد ضرورة لأنه من سنن الحياة فلابد أن تجري، ومن لا يتجدد تخلفه الحياة ويصبح ميتاً أو جزءاً من الماضي، كالماء الراكد فإنّه يفسد ولكنه يحيى ويتجدد بالجريان.

وقد أخذ الشارع المقدس هذه الضرورة بنظر الاعتبار، ومن الشواهد على ذلك بعث مئة وأربعة وعشرين ألف نبي على مدى التاريخ من لدن أول البشر لإبلاغ رسالة التوحيد وكان يكفيه إرسال واحد يبلّغ عن الله تعالى، وما ذلك إلاّ لمراعاة التغيرات التي تطرأ على أذهان البشر والنمو الحاصل في المجتمع البشري في تفاصيل الشرائع الإلهية حتى ختمت بشريعة الإسلام التي صمّمت شكل يتيح لها أن تكون الرسالة المستوعبة.

س2: من أين تتأتى هذه الضرورة؟

ج: من كون الإنسان ابن واقعه بزمانه ومكانه وظروفه، ويوجد هنا حديث مناسب عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال فيه (العالم ((العارف)) بزمانه لا تهجم عليه اللوابس)([2] )فالإنسان يجب أن يكون متجدداً مع ما يقتضيه الزمان فطناً لتقلبات الاحداث ومستجداتها ليأمن من الشبهات والفتن واختلاط الأمور وحينئذٍ تكون عنده الرؤية واضحة وتتوفر القدرة على اتخاذ السلوك الموقف الصحيح، خصوصاً العلماء الذين يحملون رسالة الهداية والصلاح إلى الناس جميعا بكل تنوّعاتهم، فهم أحوج من غيرهم إلى هذا التجدّد.

 

 

س3: هل الحديث ينظر إلى المعرفة الدينية خاصة وما يرتبط بها؟

ج: نص الحديث عام يشمل كل علم ومعرفة فتقييد المعرفة بالدينية لا وجه له وفيه تقدير مضاف محذوف والأصل عدم التقدير، فالحاجة إلى المعرفة ومواكبة الزمان مطلقة.

ولو تنزلنا وقيّدنا المعرفة بالدينية فلا ضير ولا نخرج عن النتيجة أعلاه لأن الدين يهتم بكل شؤون الحياة وله كلمة وموقف في كل الأمور وهذا يتطلب معرفة بكل شؤون الحياة.

س4: الملاحظ وجود عملقة وغزارة في الإنتاج النظري والمكتبات مليئة بعلوم جمّة، لكننا على صعيد الساحة العملية لا نجد ذلك، بل نرى الإنتاج مختصاً بالمعرفة الدينية.

ج: هذه المفارقة طبيعية في كل المجالات ولا تختص بالمؤسسة الدينية فطلاب الطب والهندسة وغيرها يحصلون على كمية وافرة من العلوم لكنهم على الصعيد العملي لا يستعملون إلا القليل منها، والسر في ذلك أنك على صعيد الإنتاج النظري تستطيع أن تفكر بما تشاء وتستنتج ما تشاء ولا أحد يستطيع أن يمنعك من ذلك، لكن على صعيد العمل توجد معوّقات تمنع وشروط يجب توفّرها وتحتاج وجود شركاء يتفهمون الأهداف وهكذا وهذه لا يتيسر إلا بشكل محدود.

فهذا النقص على صعيد الساحة العملية قد يكون قصوراً بسبب العوامل أعلاه وقد يكون تقصيراً ناشئاً من العجز عن استثمار الأدوات المتوفرة وكلاهما موجود، والمهم أن الدين نفسه ليس مسؤولاً عن هذا النقص لامتلاكه مخزوناً غير محدود ولقدرته على المواكبة والحركة والملائمة لكنه ليس مسؤولاً عن عدم تحويل هذا المخزون إلى برامج عمل ومؤسسات لأن التطبيق من مسؤولية القائمين عليه أعني ما يسمى بالمؤسسة الدينية.

س5: من المعلوم أن المؤسسة الدينية تدعو الناس إلى أتباعها والتمسك بها وعدم مخالفتها وهذا يتطلب تحقيق عناصر جذب من أجل تسويق الخطاب الديني بشكل صحيح حتى لا يجد المؤمن العادي ضالّته في جانب آخر ربما يكون بعيداً عن الدين والمؤسسة الدينية، فهل عملت ذلك على أرض الواقع أم أنها ما زالت تجتر أساليب واستراتيجيات قديمة أصبح الكثير لا يستسيغها؟

ج: بصورة عامة أقول أن مذهب الشيعة الجعفرية له القدرة على التجديد وتحديث الأفكار والآليات لانفتاح باب الاجتهاد عندهم ومن العناصر المهمة في عملية الاجتهاد لتحصيل الحكم الشرعي هو ملاحظة الزمان والمكان وما يعرف بالعناوين الثانوية ومناسبات الحكم والموضوع .

لكن تقييم تجارب المؤسسة الدينية في مراحلها المتعددة يختلف باختلاف أنماط المرجعية التي تقف على رأس المؤسسة الدينية فيوجد فقهاء مثقفون متحركون متجددون مواكبون للحياة لذلك استطاعوا إقناع النخب العلمية والمثقفة والتفوا حولها إلى حد الفناء في أفكارها كالسيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره)، وتوجد مرجعيات منكمشة منكفئة على ذاتها وتقتصر على أقل ما يكفي لبقاء الحياة.

ولدينا تجارب رائدة في الإبداع والتفاعل مع ما هو جديد سواء على مستوى التقنين الفقهي لمستجدات الحياة، أو تطوير عمل المؤسسة الدينية ومناهجها وطرق تفكيرها وأدوات خطابها بما يناسب الزمان، أذكر مثلاً محاولة المرحوم الشيخ حسين الحلي – أستاذ المراجع الكبار المعاصرين- عندما بحث المسائل الاقتصادية التي كانت جديدة يومئذ كالبنوك والعملات والتأمين على الحياة ونحو ذلك، وهذا البحث يتطلب أولاً سعة اطلاع على حيثيات الموضوع من الناحية المهنية والفنية قبل أن يتعرض لبحث أحكامه الفقهية، وقد قرّر الأبحاث أحد تلامذته وهو المرحوم الشهيد السيد عز الدين آل بحر العلوم وطبعها في كتاب عنوانه (بحوث فقهية) عام 1963 ومنه تعرف ريادة هذه البحوث وهذه المحاولات لإعطاء الرؤية الإسلامية في مختلف القضايا المستحدثة.

وهكذا بحث السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في فقه الفضاء الذي يستعرض مسائل افتراضية لرواد أو سكان الفضاء ويعالج ما يمكن أن يتعرضوا له من مسائل فقهية، وبحوثه الأخرى في كتاب (ما وراء الفقه).

وأما على صعيد المناهج والمـؤسسات وتحديث الآليات فعندنا تجارب الشيخ محمد رضا المظفر والسيد محسن الأمين العاملين والسيد موسى الصدر وغيرهم (رحمهم الله جميعاً).

س6: هل استطاعت المؤسسة الدينية من خلال خطابها أن تمسك بعضادة التطور وتنظر إليه نظرة حادة قائمة على أساس ميلاد ما يلائم من تغييرات ليكون المنتج الفكري قادراً على جذب المريدين؟

ج: اعترفت قبل قليل بوجود التقصير في المؤسسة الدينية بدرجات متفاوتة بين المرجعية العاملة والمرجعية الساكنة، ومن تقصيرها أنها لا تستعد لمواجهة هذه التغيرات رغم علمها بحصولها ولو حدساً بلحاظ الأحداث الجارية، والتفاعل مع التغيرات لم يكن بمستوى حجمها وتسارعها.

ولابد أن أشير هنا إلى الجانب القصوري لأن الحوزة العلمية في النجف بدأت تنهض من جديد بعد سقوط صدام عام 2003 بعد ركود دام أكثر من عقدين، وهذا التخلف الطويل عن قضايا العالم وتحدياته يحتاج إلى مدة لكي تكون المؤسسة الدينية بمستواه، كسيارة واقفة أريد لها أن تلحق بسيارة تسير بسرعة مئة كيلومتر بالساعة فإنها تحتاج إلى سرعة أكبر لتلتحق بها هذا هو حال الحوزة العلمية حينما صدمتها التغييرات السياسية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والديموغرافية.

وأذكر هنا مثالاً من التاريخ حينما حصلت الفتنة الطائفية في بغداد عام 448 وهوجم بيت المرجع يومئذ الشيخ الطوسي وأحرقت مكتبته فهاجر إلى النجف، وكانت بغداد تقف على قمة عصر ذهبي امتد قرنين من الزمان تقريباً فقبل الطوسي كان السيد المرتضى وقبله الشيخ المفيد ثم صاحب كامل الزيارات ثم الكليني وقبله السفراء الأربعة فلما انتقل إلى النجف التي لم تكن حاضرة علمية بدأ بالتأسيس من جديد ولم يكن كافياً وجوده بنفسه ومعه بعض تلامذته لأن المسؤولية تحتاج إلى مؤسسة متكاملة بجميع عناصرها، وقد احتاجت المؤسسة إلى حوالي 130 عاماً لتصبح بمستوى ما كانت عليه، وهذا ما يفسّر تأخر حركة الاجتهاد بعد الشيخ الطوسي طيلة هذه المدة حتى ظهر العلامة ابن إدريس الحلي (المتوفى سنة 598هـ)، وهذا السبب يضاف الى ما قيل من أن هيبة الشيخ الطوسي وهيمنة أفكاره جعلت من الصعب اختراقها ومناقشتها فتجمد الاجتهاد حتى ظهور ابن إدريس.

س7: اتفقنا على أن شريعة الإسلام لديها القدرة على التجدد في ذاتها، فهل انعكس هذا على الواقع والمحيط؟ أي هل استثمرت المؤسسة الدينية هذه المزيّة في الشريعة بشكل صحيح في تجديد الخطاب؟

ج: قلنا في بعض الأجوبة السابقة أن التقييم متفاوت بلحاظ المرجعيات المختلفة الماضية والحاضرة، لأن استثمار هذه المزية في الشريعة بيد القائمين عليها، وقد اعترفت قبل قليل بالقصور والتقصير، وأضيف هنا تأثير الظروف في إبراز منتج الحوزة العلمية، فقد يوجد إنتاج يمتاز بالإبداع والحداثة لكنه يبقى مجهولاً ويموت بموت صاحبه، وقد تتاح ظروف لانتشاره والتعريف به.

خذ مثلاً كتابَي (اقتصادنا) و(فلسفتنا) فإنهما مع ما فيهما من رصانة وتألق علمي إلاّ أنهما لم ينالا الشهرة العالمية إلا بمساعدة الظروف حيث كان الصراع المعسكرين الشرقي و الغربي والايديولوجيات المختلفة وكانت كل جهة تتبنى اي شيء ينفعها في تلك المواجهة، لذا لا نستغرب من مساهمة حكومات كانت لديها مشاكل مع الاتحاد السوفيتي والماركسية والشيوعية بترويج الكتابين ونشرهما كجزء من مواجهة المعسكر الشرقي، وإلا بم تفسر قيام الرئيس جمال عبد الناصر بنشرهما أو قيام حكومة البعث في العراق بذلك في سبعينيات القرن الماضي بحسب ما ورد في المذكرات عن السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره)، ولم تنتشر بنفس الدرجة كتبه الاخرى كـ ( البنك اللاربوي) و (الأسس المنطقية للاستقراء) التي لا تقل اهمية عن الاوليّن وكان الاخير احبًّ كتبه اليه (قدس سره).

علماً أن السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وصف كتابه (اليوم الموعود) بأنه خطوة متقدمة على كتاب الشهيد الصدر الأول (قدس سره) لأنه عرض آراء استاذه الصدر الأول ومناقشات الماركسيين له من مصادرهم ثم الرد على تلك المناقشات، ومع ذلك لم يحظ اليوم الموعود بما حضي به سلفه.

س8: الشيخ اليعقوبي متابع جيد جيداً للواقع بدليل ما نجده ونلحظه من نتاج قريب من الميدان ومن المجتمع فما رأيه الخاص حيال التجديد في الخطاب الديني الذي يتخوّف من دخوله البعض؟

ج: لقد أخذت هذا التجديد بنظر الاعتبار منذ أول تحملي للمسؤولية بعد استشهاد السيد الصدر الثاني (قدس سره) عام 1999 ولذا أسميت سلسلة خطاباتي وبياناتي وتوجهاتي ومواقفي وتعليقاتي على الأحداث بعنوان (خطاب المرحلة) وقد شرحت في مقدمة الكتاب –الذي بلغ إلى الآن ثمان مجلدات- أن المرحلية لا تعني اقتصار فائدته على زمان صدوره فقط، بل تعني ملاحظة المرحلية في شكله ومضمونه مع احتفاظه بموقعه من السلسلة الموصلة إلى الهدف الاستراتيجي، أي وضفت فيه المرحلية لتحقيق الهدف الاستراتيجي بالنسبة لنا كمؤسسة دينية، وهي تجربة استفدتها من القرآن الكريم الذي كان نزوله تدريجياً، ومن يقلّب صفحات الكتاب يعيش مع أحداث العراق ومشاكله وهموم شعبه وآلامهم وتطلعاتهم ويجد فيه الدين متلائماً مع الاقتصاد والسياسة والأخلاق والاجتماع والتنمية والعلوم الحديثة وغيرها.

س9: صدر لكم شكوى للقرآن وللمسجد وللإمام لماذا لم تصدر شكوى للخطاب الديني إذا كان بحاجة إلى التجديد فهو أيضاً يشكو؟

ج: كانت هذه الشكوى من أوائل ما أصدرت من كتب حيث نشرت أوائل عام 2000 كراساً بعنوان (وصايا ونصائح إلى الخطباء والحوزة العلمية) أشرت فيه إلى مسؤولياتهم العديدة وما يجب أن يتوافروا عليه من مؤهلات وأدوات معرفية تتجاوز العلوم الدينية التي يتلقونها في الحوزة الشريفة.

س10: هل شخّصت مواضع للخلل في الخطاب الديني في الواقع المعاشي؟

ج: نعم توجد فيه علل كثيرة (منها) عدم كفاءة كثير من المتصدين وجهلهم بمسؤوليتهم وعدم الفطنة إلى حقيقة ما يجري وما يتلقونه وما يلوكونه بألسنتهم (ومنها) الانفعال والعاطفية (ومنها) التخندقات والفئوية (ومنها) الأدلجة وعدم الحيادية والموضوعية (ومنها) تجهيل الناس واعتماد الخرافات واضغاث  الأحلام وحكايات العجائز (مضافاً) إلى ابتلاء البعض بالعقد والأمراض النفسية تجاه أشخاص أو جهات فيتخذ من الخطاب وسيلة لإظهارها.

س11: لابد لمن يدخل ميدان التجديد الديني من توافر مجموعة من الضوابط وإلا فقد يقع في الفخ كما حصل لكثيرين، فهل عملتم على رصد هذه الحالة من خلال اطلاعكم على المنتجات الفكرية التي دعت إلى تجديد الخطاب الديني؟

ج: لقد بالغ البعض في ادعاء التجديد واعتناق الحداثة حتى شكّك في الثوابت والمقدسات وخرج من الدين وفي هذه خسارة عظيمة لأنفسهم وللمجتمع، وحصل بعض هذا كردة فعل على قساوة التعامل أحياناً عند بعض دهاقنة المؤسسة الدينية، أو بسبب سذاجتهم وغفلتهم عما يراد في الحقيقة من دعاوى الحداثة والتجديد وبعض الشعارات المحببة الأخرى، وتصبح المشكلة أخطر حينما يصاب بهذا الاختلال رجال من الحوزة العلمية .

لذا أوصيت في بعض خطاباتي إلى ضرورة أن يكون للمؤسسة الدينية هيئة خاصة تنطق باسمها تخولها المرجعية لقطع الطريق أمام غير المؤهلين ولا يُترك الباب مفتوحاً لكل من هب ودبّ ليظهر أمام الفضائيات ويتحدث بما يشاء وينسب كلامه إلى المذهب والمرجعية، فليست المؤسسة الدينية أقل أهمية من الأحزاب والحكومات والمؤسسات الأخرى التي لها ناطق رسمي مخول بينما تعمّ الفوضى المؤسسة الدينية.

وعلى أي حال فلابد للمعالج البصير من التصرف بحكمة وتأمل ليعالج الموضع المريض فقط وليس كل شيء يمتد في جذور الزمان بعنوان الحداثة والتجديد، فهذا هدم وتدمير، وأذكر أنني عرضت([3]) بعض الأفكار التجديدية في مناهج الحوزة العلمية وإدارتها على السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) قبل ثلاثين عاماً فأوصاني بالحذر والتروّي وقال لئلا نكون كالغراب الذي حاول ن يقلّد الطاووس في مشيته فلم يفلح فأراد أن يعود إلى مشيته فلم يستطع فضيًّع (المشيتين) وهو المثل المعروف.

ونسجّل هنا ملاحظة على الإعلاميين وأصحاب وسائل الإعلام كالفضائيات وغيرها فإنهم يركّزون على الخطاب التحريضي الطائفي التأجيجي الشاذ فيظهر وكأنه المعبِّر عن توجهات هذه الطائفة وهذه الجهة أو تلك، ويتغافلون عن الخطاب المعتدل البنّاء الحضاري وكأن هذا لا يهمّهم بشيء، لأن مصالحهم تقتضي الفتنة والتفرقة والطائفية والصراع والخلاف، أو لأن الأول مثير وجاذب دون الثاني، فيبدو المشهد الثقافي وكأنه من الاول خلافاً للواقع لكن الاعلام هو الذي ابرز الاول وغيًّب الثاني.

وهذا يعني أن بعض الإعلاميين مؤدلجون ويعملون بلا مهنية وموضوعية وإنما هم مجنّدون للجهات التي تدفع لهم، وهو أحد أسباب استهدافهم وقتلهم حتى عادت الساحة العراقية أخطر الساحات في العالم للإعلاميين، أقول هذا مع إدانتي لما يتعرضون له من ضغوط ومضايقات ومن إرهاب، لأن عمل الإعلامي محترم ولا يحق لأحد أن يمسّه بسوء، وكانوا ينقلون الوقائع والأحداث حتى الحروب ولا يجعلهم أحدٌ جزءاً من القتال.

س12: أشكركم على هذه الملاحظة، ولا نريد أن نركز في حديثنا على الخطباء خاصة بل على نسق كامل من واجهات المؤسسة الدينية كالمرجع والوكيل وإمام المسجد وقارئ القرآن، فكيف نشدّ المريدين والمحبين إلينا شداً جاذباً بلطف ونحبب إليهم ما لدينا من خطاب والتجديد في الخطاب؟

ج: من أدوات ذلك الكاريزما الشخصية للقيادة الدينية بحيث يستطيع شدّ القاعدة إليه، أذكر أن السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) قال مرة أن المثل يقول أن الناس يميلون مع كل ريح، وتساءل لماذا لا تكون الحوزة الدينية هي صاحبة الريح الأقوى التي تستطيع إمالة الناس إليها، والريح مصطلح قرآني كما هو معلوم، وهذا طبعاً يحتاج إلى عمل وإلى مواصفات في القيادة الدينية، وقد توفرت في السيد الشهيد الصدر (قدس سره) واستطاع تحريك الشارع من خلال صلاة الجمعة والاستفتاءات وجذب أعداداً كبيرة ذابوا فيه .

س13: هكذا كان السيد الصدر في تلك المرحلة، أليس علينا أن نبتكر أساليب جديدة في تحريك الجمع كما حرّكها السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وأن تكون لدينا كاريزما شخصية تتلاءم مع راهن الوضع.

ج: نعم الظروف التي عاشها السيد الشهيد الصدر (قدس سره) تختلف عن التي نعيشها الان، والتحديات غير التحديات فلا بد ان نسير وفق الآليات المناسبة لطبيعة الظروف الحالية، وقد شبهت الحالة بالاختلاف في طبيعة معركة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) وأمير المؤمنين (عليه السلام) فالأولى كانت معركة تنزيل بين الإيمان و الكفر اي على أصل الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه واله، اما الثانية فكانت معركة على التاويل داخل المجتمع المسلم وبين رموزه لتمييز الحق وأهله وفضح النفاق والخداع وأصحاب الفتن والشبهات، وهي لا شك أصعب واعقد ويصعب إيجاد القناعات بها وهذا ما لاقاه أمير المؤمنين (عليه السلام) عكس الأولى التي تتميز بالوضوح والتمايز.

وهكذا كانت معركة السيد الصدر واضحة في مواجهة نظام صدام وتلقى حركته استجابة واسعة لسعة القاعدة الرافضة للنظام .

س14: قصدي ان صاحب الكاريزما يعيش الحدث ويستنبط  كما استخدم النبي (صلى الله عليه واله) ضرب الهوية الوثنية حيث كان الوضع يحتاج الى ذلك وهكذا استنبط الإمام علي(عليه السلام) عملية تحريك تتلاءم مع الحدث، والحسن والحسين (عليهما السلام) هكذا والعلماء الذين ساروا على نهجهم، واليوم ونحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين فان الوضع مكشوف أمام رجالات المؤسسات الدينية والعالم مفتوح والفكر مفتوح، فاذا عملية استنباط آليات جديدة تشدّ الشاب الفيسبوكي ممكنة ومتيسرة.

ج: صحيح أن وظيفة القائد الكاريزما إيجاد الآليات المناسبة لتحريك الأمة، وهذا يمثل فعلاً هاجساً مهماً في تفكيري، إلا ان الأمور ليست كلها بيده فهذا الانفتاح نفسه بلا ضوابط حتى عاد اقرب للفوضى هو مشكلة بحد ذاته لأنه أضاع البصيرة والقدرة على تلمّس الطريق الصحيح لتنوّع الخيارات وكثرتها وتشابكها فعقد طريق الوصول للقناعة الصحيحة كمن خرج من قعر الظلمات إلى الشمس والضوء فإنّه لا يهتدي إلى الطريق و يتخبّط في مشيته ويعشو بصره، وهكذا مجتمعنا العراقي بعد خروجه من ظلمات الحكم الصدامي المجرم، ولولا وجود الدين وبعض الأخلاق العامّة لكانت الحالة أسوأ بكثير ممّا نحنُ فيه، ومحل الشاهد أنّه في ظل الاهتمامات والطموحات الجديدة يكون الالتفات إلى الثقافة والفكر والوعي ضعيفاً جداً ويعتبرونه من الترف الزائد .

ومن المعّوقات كون الآليات التي تتناسب مع ذوق الأمة وتوجهاتها مخالفة للشريعة فيأبى المتورع سلوكها كالفضائح ونشر الغسيل كما يعبّرون أو الخداع وقلب الحقائق أو شراء الضمائر ونحوها، وهذا ما ابتلي به أمير المؤمنين (عليه السلام) وعبّر عنه بقوله: (قد يرى الحُـوّل القُـلّب – وهو البصير بتحولات الأمور وتقلبهاوجه الحيلة ودونها مانع من أمر الله ونهيه فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين)[4].

ولما قيل بان معاوية أدهى منه بأمور السياسة والحكم، قال (عليه السلام): (والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس)[5]  وهكذا انتهى الأمر بانفضاض الكثيرين عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وحصول الانشقاقات والتمرد المسلح عليه.

وقد يكون المانع مراعاة المصالح العليا للدين والأمة والبلد التي هي أهم من بعض النتائج المرجوّة  وهذا ما عبر عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: (لقد علمتم أني أحق بها من غيري ، ووالله لأسلّمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصّة)([6]) .

ونحن اليوم نعيش مثل تلك المحنة حيث سوق الخداع والرياء والنفاق والكذب والتسقيط والافتراء والتجهيل رائجة، وحمّى التنافس على الدنيا والصراع على المغانم في أشدها، ولا احد يهتم بالوعي والثقافة والإصلاح والقضايا المعاصرة وحركة التجديد والنهضة، وتخلى عن هذه المفاهيم حتى أهلها الذين طالما تحدثوا بها.

لكن الوضع ليس يائسا بل الأمل موجود وتوجد جذوة من فكر وهي آخذة بالنمو والازدهار كما أن لطف الله تعالى بعباده متواصل فجعل معالم تعيد للأمة إيمانها وكرامتها وثقتها بنفسها وعلى رأسها الشعائر الحسينية المباركة.

وعدا هذه العقيدة المشتركة فان من الصعب إقناع المجتمع بقضية توحّده وتحشّده وتعبًّئ طاقاته للانطلاق به نحو الأفضل في أجواء التعقيد الذي ذكرناه، وهذه مشكلة معقدة يجب على صناع الرأي العام جميعا – وليس فقط المؤسسة الدينية – أن يبذلوا وسعهم لاكتشاف حلها بإذن الله تعالى.

س15: ألا يستدعي هذا من المؤسسة الدينية أن تجتهد اجتهادا مضاعفا جدا، وتعمل على إعادة النظر من جديد بقراءة النصوص لتتلاءم مع النظريات العلمية  الحديثة، فإنّه من المخجل أن يأتي مفكر ويأخذ نصاً لعلي (عليه السلام) ليستخرج منه نظرية ديموغرافية عندما يقول (قلة العيال أحد اليسارين) ونحن نسرح في جنائن نهج البلاغة دون أن نصل إليها، فعلينا ان نراجع أنفسنا ونجدّ ونجتهد حتى نعطي الزبدة للإنسان البسيط معرفيا ويأخذ من المرجع الديني ما صعب عليه؟

ج:  خجلك هذا يجب ان يشعر به بعض الواجهات المرجعية التي يتم التركيز عليها وإبرازها رغم انها تعيش في عالم غير الذي نحن فيه ولا يعبأوا بنتاج معرفي يواكب أحدث الإبداعات العلمية.

واذكر مثالاً على ذلك محاضرة ألقيتها بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الايدز (1-12) حلّلت فيها انثروبولوجياً الحديث النبوي الشريف (يا علي في الزنا ست خصال: ثلاث منها في الدنيا، وثلاث في الآخرة فأما التي في الدنيا فيذهب بالبهاء، ويعجل الفناء، ويقطع الرزق، وأما التي في الآخرة فسوء الحساب، وسخط الرحمن، والخلود في النار)([7])

وهكذا النتاجات الاخرى في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والقانون واللغة والفكر وغيرها فراجع كتاب (خطاب المرحلة )ولكن كم الذين اطلعوا عليها واستفادوا منها؟

س16: بعض من يتحدث عن تجديد الخطاب الديني يتهم المجدّدين بأنهم وقعوا في فخ المزج بين المنهج الإنساني والمنهج الرباني فهل وقع هذا فعلا ؟ على سبيل المثال نجد في كتابات نصر حامد أبو زيد أو حسن حنفي طروحات فيها من الجرأة وقد تكون غريبة نوعا ما عن المنتج الكلاسيكي للمؤسسة الدينية سواء في النجف الاشرف أو في المغرب او في الأزهر ؟

ج: توجد عدة احتمالات للمراد من المنهج الإنساني، ولعل مرادك المنهج الذي يضعه الإنسان من نتاج عقله من دون الرجوع الى النص الديني المستند الى الغيب.

ونقول أولا: ان للعقل قيمة كبرى في النصوص الدينية ومن يراجعها يجد انه الأصل وهو المخاطب من قبل الله تعالى وان وجوده وحكمه هو المائز بين الثواب و العقاب( بك أثيب وبك أعاقب )، وأول كتاب في الكافي الذي هو أول المصادر الأساسية للحديث عند الشيعة هو كتاب العقل قبل كتاب التوحيد و النبوة و الإمامة و الصلاة والصوم وغيرها .

ولو كان العقل حرا في تفكيره غير مكبل بالأغلال الفكرية و الاجتماعية والنفسية فان أحكامه ستتطابق مع أحكام الشريعة، لذلك عندنا قاعدة في علم الأصول مفادها ( كل ما حكم به العقل حكم به الشرع) .

لكن عندما يقع التفكير الإنساني تحت ضغط التعصب وقدسية الموروثات والانبهار بالمستورد، و الحسد و الغرور و التمرد ونحو ذلك فانه سيختل، وما دامت المدخلات و الآليات غير صحيحة فالمخرجات تكون كذلك فيحصل التصادم مع النص الديني و الخروج عليه، فالتهمة التي وردت في السؤال موجودة فعلا وقد تطرف بعض مدعي الحداثة كثيراً وغالوا في التمرد على الدين مما اوجب نفورا من هذه المصطلحات عند بعض المتدينين ، وصار ينظر الى الحداثويين بعين الريبة.

س17: يقول البعض إن الخطاب الديني جعل من العقل تابعاً الى النص فابتعد عن الواقع الميداني الذي لا يمكن ان يهيمن عليه النص، بل العقل هو الذي يحرك النص .

ج:اتهام النص الديني بالابتعاد عن الواقع ليس صحيحاً لانه إنما ورد ليعالج الواقع ويرتقي به وليس يتناول أمورا خيالية، وان كثيرا من الآيات القرآنية نزلت في حوادث معينة شرحها المؤلفون في علم (أسباب النزول ) وكذلك الأحاديث الشريفة جاءت جوابا عن تساؤلات ومشاكل، مضافا الى ان الشريعة تضمنت قواعد عامة تغطي الاحتياجات المستجدة للإنسان الى يوم القيامة، ولم يقف الشيعة حيارى إزاء اي قصية مستحدثة، وتوجد كلمة مشهورة  ( ما من واقعة الا ولله فيها حكم)، فاتهام من يتمسك بالشريعة بالابتعاد عن الواقع غير صحيح.

اما دور العقل فيتلخص في قراءة و فهم النص واستنباط الموقف منه اولا وفي الحكم ببعض القضايا التي تقع في دائرة عمله ثانيا لذا كان العقل احد مصادر التشريع عند الشيعة الأمامية لكن يجب ان نعترف ان المنتوج البشري يبقى مليئا بالثغرات و النقائص إذا لم يستلهم من النص الشرعي ولذا تجد القوانين الوضعية عرضه للنقض و التغيير و الحذف باستمرار وهذا دليل قصورهم.

مضافا الى ان العقل محدود ولا يستطيع تفّهم كل شيء ويعجز عن إقناع نفسه قبل ان يقنع الآخرين اي لا يستطيع تحريك وجدانه وقلبه للإيمان بالقضية التي أذعن بها، وهذه الحقيقة نقلها القران الكريم عن النبي إبراهيم (عليه السلام): (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) البقرة – 260 فالعقل مؤمن بالقضية لكن قلبه لم يذعن مثله .

واذكر لك مثالا أخر لو أخذت ورقة عادية فقطعتها نصفين ووضعتهما على بعض ثم قطعت المجموع الى نصفين ووضعتهما كذلك وهكذا خمسين مرة فكم سيكون سمك المجموع؟ يعجز العقل عن تصّور ان مقداره سيصبح اكبر من مسافة بين الأرض و القمر، واذا أراد ان يتأكد فليحسبها رياضياً، واذا اذعن العقل بالنتيجة فان قلبه ونفسه لا تطمئن.

 أمام هذا العجز للعقل في أزيد من مساحة عمله كيف نعطيه قيمة أكثر من النص الديني؟ .

س18: ماهي طبيعة الخطاب الديني الموجه للمثقفين هل هو خطاب خوف وحذر او هو خطاب جذب ؟

ج: أُجيب بلحاظ النص الديني وليس بلحاظ  ما يتداوله الخطباء لان هؤلاء يمثلون مستوياتهم النفسية و الفكرية و الاجتماعية و الدينية، اما نفس النص الديني ففيه خطاب التخويف و التحذير وفيه خطاب التحبيب و الجذب و التودد، لان كلا السياستين ضروريتان لتحريك الإنسان وهما متوازنتان في الشريعة، وان كان الشارع المقدس يريد من الناس ان يتحركوا بخطاب الحب ولا يلجئونه الى خطاب التخويف، لكن فئة من الناس لا ينفع معها الا خطاب التخويف، و الأنظمة و الوضعية تعتمد نفس الأسلوبين فهناك قانون للمكافئات وقانون للعقوبات.

 انظر كيف يقسم أمير المؤمنين (عليه السلام)عبادة الناس الى ثلاث اقسام : خوفاً من النار وسماها عبادة العبيد، وعبادة طمعاً في نعيم الجنة وسماها عبادة التجار، وحبا لله تعالى لانهم وجدوه أهلا للعبادة وسماها عبادة الأحرار وهي الأفضل طبعاً.

س19: سمعنا منكم ان الأسباب الرئيسية لمشاكلنا هي أزمة الثقافة وعدم وضوح معاني المفردات وان الحل يكمن في تصحيح هذه المعاني كمفردة الجهاد الذي يتذرع به الإرهابيون ونحو ذلك؟ فاذا كانت الثقافة متأزمة أين يكمن الخلل؟ هل في ذات المثقف ان في الظروف  المحيطة ام في السلطة ام في المؤسسة الدينية التي تغرد خارج سرب المثقفين .

ج: كل هولاء مسئولون عن الخلل لكن السبب الرئيسي هو عدم أهلية القيادتين الدينية و السياسية وعدم اهتمامهم بالثقافة و الفكر، وهذا هو أصل كل الأزمات كما في الحديث الشريف (صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل يا رسول الله ومن هما؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): الفقهاء والأمراء)([8])

و المثقف مسئوول ايضا حينما ذوّب نفسه في ما لا يؤمن به من الكيانات و الجهات طمعاً في منصب او امتياز ففقد شرف مهنته، او انه انزوى وترك المسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقه وبقي في الظّل حتى مضى بعضهم الى لقاء ربهم من دون ان يعبأ بهم احد، وقد يكون معذورا لكي يحافظ على مبدأيته الا انه على اي حال يوجب خسارة عظيمة للامة .

س20: الا ترى سماحة الشيخ ان المؤسسة الدينية بحاجة الى ان تقوم بحزمة من الإجراءات كالدعوة الى تجديد المناهج الإسلامية بحيث انها تغادر لغة الخطاب قبل أربعين سنة؟

ج: هذا الوجوب شخّصه جملة من العلماء ونفذّوه كالشيخ محمد رضا المظفر و السيد الشهيد الصدر الاول و السيد محسن الاميني العاملي(رحمهم الله جميعا) وآثارهم في ذلك مطبوعة وقد أخذت موقعها المؤثر في مناهج الحوزة العلمية، إلا أن العائق الرئيسي كان دائماً وجود المتحجرين ذوي النزعة الاستصحابية كما عبّر الصدر الأول الذين يريدون إبقاء ما كان على ما كان ويتخوفون من التطوير والتحديث.

وقد أسس الشهيد الصدر الثاني (جامعة الصدر الدينية) لأحداث التجديد في المناهج والنظام الدراسي ونوعية الطلبة المقبولين وبرامج العمل وكلفني بإدارتها في السنة الأخيرة من حياته (قده) ويمكن مراجعة كتابي (المعالم المستقبلية للحوزة العلمية) للتعرف على معالم التجديد المنجزة والتي نطمح إلى إيجادها بتوفيق الله تعالى.

س21: لدى المؤسسة الدينية اليوم قدرة مفتوحة على صعيد الوسائل الإعلامية (فضائيات، صحف، كتب) بإمكانها أن تمرر من خلالها الخطاب الديني الذي تريد ولكن وقعها في الميدان ربما لا يتلاءم مع هذا الحجم فما هو السبب؟

ج: تضمنت الأجوبة السابقة جملة من هذه الأسباب وعلى رأسها عدم أهليّة القيادة الدينية التي تقف على قمة الهرم بحسب ما هو معروض في وسائل الإعلام، فكيف نتوقع منها ممارسة هذا الدور حتى إنني طلبت الاستفادة وأخذ الدرس من الموقف النبيل لبابا الفاتيكان السابق عندما وجد نفسه غير قادر على مسايرة التحديات واستيعاب تساؤلات الشباب فإنه نازل طوعاً عام 2013 ودعا الكنيسة إلى اختيار بديل أنشط منه وهذا ما حصل فعلاً، فلو حملت القيادة الدينية مثل هذا الشعور لتوفرت بيئة للنهوض والتقدم بإذن الله تعالى.

مضافاً إلى العوامل الأخرى كالهوس والتخبط الذي أصاب الناس بعد عام 2003 وغيرها مما ذكرنا، وقد شخّصت في كتابي (خطاب المرحلة) الكثير منها.

 

 


[1]) أجري اللقاء مساء 4/12/2013 وعُرض يوم 17/12/2013 وكان المحاور مدير معهد التدريب الإعلامي ومقدم برنامج (دولة الإنسان) في قناة العراقية السيد ناجي الفتلاوي.

([2] الكافي: 1/27.

([3] راجع كتاب (الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) كما أعرفه).

[4] نهج البلاغة: 115 الخطبة 41.

[5] نهج البلاغة: 432 الخطبة 198.

[6] نهج البلاغة صبحي الصالح : 102 .

[7] )بحار الأنوار: 79/22 ح15.

[8]) الخصال للشيخ الصدوق (قدس سره)، باب الاثنين، حديث 12.