مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) لا تتناهى كأعدائه

| |عدد القراءات : 4770
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) لا تتناهى كأعدائه

مما جاء في القصيدة الأزرية[1] المشهورة:-

يا ابن عم النبي أنت يد الله               التي عمَّ كل شـــــيء نداها

خصّك الله في مآثر شــتى                هي مثل الأعداء لا تتــناهى

حقاً أن فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) ومناقبه فاقت الحصر هذا مع جهلنا وقصورنا، وبمقدار ما وصل إلينا، قال بعضهم ((إن أولياء علي (عليه السلام) أخفوا مناقبه خوفاً وأخفاها أعداؤه حسداً وظهر بين هذا وذاك ما ملأ الخافقين))، يكفي أن نلتفت إلى واحدة من مناقبه (عليه السلام) وهو قول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الخندق (ضربة علي لعمرو يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين الجن والإنس) وهي مطلقة لكل الجن والإنس إلى يوم القيامة، فهذا الحديث وحده يجعل ميزان أمير المؤمنين (عليه السلام) مفتوحاً للمزيد من الشرف والرفعة إلى يوم القيامة.

والمفروض أن إنساناً كاملاً له كل هذه الفضائل والخصال الكريمة أن يعشقه الناس ويذوبوا في حبّه، وقد عشق علياً فعلاً كثيرون ممن عرفوا شيئاً من فضله وسمّو ذاته واخلاقه، وذابوا في حبِّه حتى من غير المسلمين كما هو معروف، لكن الغريب أن يكثر أعداء علي (عليه السلام) بشكل عجيب حيث أبدع الأزري في تسجيل هذه المفارقة من خلال التشبيه بين فضائل علي (عليه السلام) وأعدائه في الكثرة، بحيث ورد في بعض كلماته (عليه السلام) قوله (فنظرتُ فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضَنِنتُ بهم عن الموت، وأغضيتُ على القذى وشربت على الشجن وصبرتُ على أخذ الكظم وعلى أمرَّ من طعم العلقم)[2]، حتى سُبَّ على المنابر سبعين عاماً، وتتبّعوا أولاده وشيعته قتلاً وتعذيباً وتشريداً، ولم تسلم من حقدهم حتى مراقدهم الشريفة، يقول الشاعر في هدم المتوكل العباسي لقبر الحسين (عليه السلام) ومحو آثاره:

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا              في قتله فتــــتبّعوه رمــيماً

وجرائمهم المعاصرة في تفجير الروضة العسكرية المطهّرة ونبش قبر الصحابي الشهيد حجر بن عدي، ويتباهون بتلك الجرائم حيث يظهر أحدهم في الصور وهو يلوك قلب[3] أحد الجنود ليؤكّد انتماءه إلى تلك الفئة الباغية الضالة.

هذه الظاهرة الغريبة الموغلة في الانحطاط البعيدة عن منطق العقل والحكمة تستحق الدراسة لمعرفة الأسباب.

ويمكن أن نسجّل هنا عدة أسباب أدّت إلى كثرة أعداء أمير المؤمنين(عليه السلام):

1-      ان علياً (عليه السلام) يمثل الحق، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (علي مع الحق والحق مع علي)[4] والناس تكره الحق قال تعالى (بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) (المؤمنون/70) (الزخرف/78)، وتروى عنه كلمته (عليه السلام) (ما أبقى لي الحق من صديق).

روى في كنز العمال أن عمراً سأل من تستخلفون بعدي فذكروا رجالاً منهم علي بن أبي طالب فقال ((إنكم لعمري لا تستخلفونه، والذي نفسي بيده لو استخلفتموه لأقامكم على الحق وإن كرهتم))[5]

كان لا يجامل ولا يداهن في الحق، فيعمل به وان عاداه الناس او تسَّبب في تفرق اصحابه، ومن كلماته (عليه السلام) (لا تزيدني كثرة الناس حولي عزّة ولا تفرّقهم عنّي وحشة) روى الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (بعث علي بن ابي طالب (عليه السلام) إلى بشير بن عطارد التميمي في كلام بلغه عنه، فمرّ به رسول علي (عليه السلام) إلى بني أسد، فقام إليه نعيم بن دجاجة –وقيل خارجة- الأسدي- وروي أنّه كان من شرطة الخميس - فأفلته، فبعث إليه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فآتوه به، فأمر به أن يضرب، فقال له نعيم: أما والله إنّ المقام معك لذلّ وان فراقك لكفر، قال: فلما سمع ذلك علي (عليه السلام) قال له: قد عفوت عنك، إن الله تعالى يقول: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) (المؤمنون/96) أما قولك إن المقام معك لذل فسيئة اكتسبتها، وأما قولك إن فراقك لكفر حسنة اكتسبتها فهذه بهذه).[6]

2-      عدله (عليه السلام) مما سبّب حنق أصحاب الامتيازات والنفوذ والاستئثار والطبقيّة، وألبوا الناس عليه (عليه السلام)، وحينما جلس الستة أهل الشورى للتداول في أمر الخلافة بعد مقتل عمر ووافقوا أن يبايعوا علياً بشرط أن يعمل بسيرة الشيخين التي أوجبت التمايز والطبقية وهو ما رفضه أمير المؤمنين (عليه السلام) وأصرّ على أن يعمل بكتاب الله تعالى وسيرة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتركوه وبايعوا عثمان.

 وبعد وصوله (عليه السلام) للخلافة عبّأوا الجيوش لقتاله بتلك الأموال التي جنوها من السياسة غير العادلة، ولم يستمع (عليه السلام) إلى من أشار عليه بإبقاء معاوية في الشام وإعطاء طلحة طلحة والزبير العراق لدفع فتنتهم ولما عوتب (عليه السلام) على التسوية في العطاء قال (عليه السلام): (أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليتُ عليه، لو كان المال لي لسوّيت بينهم فكيف وإنما المال مال الله).[7]

ومن كلام له (عليه السلام) بعد أن ردَّ على المسلمين ما منحه عثمان من أراضٍ عامة (والله لو وجدتُه قد تُزُوِّجَ به النساء ومُلِكَ به الإماء لرددته فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق).[8]

3-      الحسد، لسمو منزلة علي حتى كان نفس رسول الله (صلى الله عليه واله)بنص الاية الشريفة  آخاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأشركه في أمره وجعله إماماً وهادياً من بعده وألزم الأمة بولايته وهذه المناقب التي لا تحصى والدرجات الرفيعة أوجبت كثرة الحسّاد والمبغضين، قال تعالى (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) (النساء/54) وقد فسّرتها الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) في الكافي (نحن الناس المحسودون على ما أتانا الله من الإمامة دون خلق الله أجمعين)[9] واعترف غاصبوه حقّه في الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن قريش كرهت أن تجتمع النبوة والخلافة في بني هاشم فتذهب بالفخر كله.

وفي ذلك قال الشاعر مخاطباً أمير المؤمنين (عليه السلام):

إن يحسدوك على علاك فإنّما                    متسافل الدرجات يحسدُ من علا

4-      انه (عليه السلام) كان ناصحاً للأمة يبيّن لها طريق الرشاد ويصحّح أخطاءها ولا يجامل ولا يداهن، والناس لا يحبون من ينصحهم ويهدي إليهم عيوبهم قال تعالى (وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) (الأعراف/79) وكان (عليه السلام) يوصي ببذل النصيحة مطلقاً، قال (عليه السلام) (أمحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة)[10] ويدعو إلى تقبّل النصيحة ولو كانت مرّة لقوله (عليه السلام) (مرارة النصح أنفع من حلاوة الغش)[11] ويقول الإمام الباقر (عليه السلام) (اتبّع من يبكيك وهو لك ناصح، ولا تتّبع من يضحكك وهو لك غاشّ).[12]

5-      خبث المعدن والأصل وسوء السريرة فيتحول إلى باطن خبيث يكره خصال الخير والنبل والكمال، لذا كان حب علي (عليه السلام) ميزاناً يميِّيز بين من أصله طيّب أو خبيث، فقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن علي (عليه السلام) (والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبي الأمي إليّ أن لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق)، وروى الترمذي في صحيحه بسنده عن أم سلمة قالت (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا يحبّ علياً منافق ولا يبغضه مؤمن).[13]

6-      المصالح الدنيوية والامتيازات والانسياق وراء الشهوات، فيرى اللاهثون وراء هذه الدنيا الزائلة أنّ علياً (عليه السلام) حجر عثرة في طريقهم وقد عبّر (عليه السلام) عن هذه المخاوف المتبادلة بقوله (عليه السلام) حينما ودّع صاحبه البار أبا ذر الغفاري (لقد خفتهم على دينك وخافوك على دنياهم)، إنّ كثيراً ممن حاربوا علياً وأعلنوا عداوته يعترفون في السر بعلّو منزلته وقد سجل التاريخ الكثير من هذه الاعترافات لمعاوية وعمرو بن العاص وغيرهما، سُئل مروان بن الحكم عن قتالهم لعلي (عليه السلام) وسبّه على المنابر وهل أنّه كان فعلاً شريكاً في قتل عثمان، قال مروان ((والله إنّ علياً أبرأ الناس من دم عثمان ولكن لا يستقيم لنا الأمر إلاّ بسبّ علي)).[14]

هذا ما سجلناه من دواعٍ وأسباب، ولعله توجد غيرها يكتشفها المتتبع، ولكن ماذا كانت النتيجة، قال تعالى : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال/309) فكانوا كلما أوغلوا في معاداة علي (عليه السلام) وسبّه على المنابر والافتراء عليه والانتقاص منه كان علي (عليه السلام) يرتفع ويزداد تألّقاً حتّى اعترفوا بذلك فقال قائلهم ((لقد سببنا علياً سبعين سنة على المنابر فكأننا كنّا نأخذ بضبيعه ونرفعه إلى السماء)).[15]

هذه الظاهرة المؤلمة في حياة البشر تتكرر أيضاً بدرجات متفاوتة طبعاً مع كل الأنبياء والرسل والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) ومع العلماء الربانيين العاملين المخلصين ولنفس الأسباب المتقدّمة، ممّا يوجب الحسرة الألم والاستنكار والاستغراب قال تعالى (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) (يس/30).

لذا على العاملين الرساليين أن لا يستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه وأن لا يشعرهم كثرة أعدائهم بالإحباط واليأس فهذا دليل نجاحهم وتأثيرهم في الناس، ولو كانوا فاشلين ولا يمتلكون القدرة على الإصلاح والتغيير لما عاداهم أحد ولا حسدهم أحد.

 


[1] القصيدة الأزرية تناهز الألف بيتاً من الشعر ضاع منها حوالي نصفها، وهي ملحمة رائعة يندر وجود مثلها سُميت بقرآن الشعر أودع ناظمها المرحوم الشيخ كاظم الأزري فيها سيرة أهل البيت (صلوات الله عليهم) ومناقبهم وفضائلهم وفيها تاريخ حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) ومناقبه وفضائله بالتفصيل، ويحكى عن صاحب الجواهر (قده) انه كان يتمنى لو وضعت القصيدة الأزرية في ميزان أعماله ليلقى الله تعالى بها، ويضع كتابه الموسوعي العظيم (جواهر الكلام) في ميزان الأزري الذي توفي عام 1211 هجرية وقيل 1201.

وقد خمّسها الشيخ جابر الكاظمي المتوفى سنة 1313هـ نذكر بعضا منها لينتشي متذوقو الأدب:

إن ربــــــــاً أولاه أعـــظـــم مَنٍّ              وحباه بكل حســنى وحُســــــنٍ

هو مذ شاء خلق إنـــس وجنٍّ              قلبَ الخــافــقـــين ظـــهراً لبطنٍ

فرأى ذات أحمد فاجتبــاها

ضمنت منه طيبة خير رمسٍ             مستجاراً أمسى إلى كل نفسٍ

إن يبدَّد به سما كل شمسٍ               لســــتُ أنســــى له منازل قدسٍ

قد بناها التقى فأعـلى بناها

بهم المعـجزات زادت بروزاً               بعدما كان كنزها مكـــنوزا

فئة للغيــــوب حلّت رمــــوزاً                لم يكونوا للعرش إلاّ كنوزا

خـافيات ســبحان من أبداها

[2] نهج البلاغة، خطبة 26.

[3] صُدم العالم بظهور صور فيديوية لأحد قادة المعارضة البارزين في سوريا وهو قائد كتيبة عمر الفاروق المستقلة في مدينة حمص غرب سوريا المدعو أبو صقار وهي من أبرز فصائل الجيش الحر وهو يقطع قلب وكبد أحد قتلى القوات النظامية السورية ويأكلهما وظهر وهو يقول (سنأكل قلوبكم وأكبادكم يا جنود بشار الكلاب) وقد أحرج الفلم الإئتلاف السوري المعارض ودول الغرب التي تدعمه خصوصاً أمريكا التي تتحدث هذه الأيام عن احتمالات تسليح المعارضة كما ظهر في صور أخرى وهو يطلق صواريخ على مناطق شيعية في لبنان محاذية للحدود.

[4] راجع مصادره من كتب العامة في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستّة: 2/135-139.

[5] كنز العمال: 6/ 157، ح 33016.

[6] رجال الكشي: 60.

[7] نهج البلاغة/ الخطبة 123.

[8] نهج البلاغة/ الخطبة 15.

[9] الكافي: 1/159 ح1.

[10] نهج البلاغة، الكتاب/31.

[11] غرر الحكم/ 9799.

[12] المحاسن: 2/440 ح2526.

[13] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، صحيح الترمذي: 2/299 وراجع مصادره لدى العامة في فضائل الخمسة من الصحاح الستة: 2/253.

[14] من مصادره لدى العامة:

[15] الضبع وسط العضد من اليد.