الشيخ يعقوب بن الحاج جعفر بن الشيخ حسين بن الحاج ابراهيم النجفي
الشيخ يعقوب بن الحاج جعفر بن الشيخ حسين بن الحاج ابراهيم النجفي
مولده ونشأته، أساتذته ومشايخه في الرواية، أسلوبه الخطابي، أسباب نزوحه عن النجف، هجرته إلى السماوة والحلة، النزاع بين والده وبين الملا يوسف الكليدار، أقوال المترجمين فيه، أقوال الأدباء فيه، وفاته، روضاته الحسينية، أدبه وديوان شعره.
هو الشيخ يعقوب بن الحاج جعفر[1] بن الشيخ حسين بن الحاج ابراهيم النجفي الأصل والمولد والنشأة، ولد في النجف الأشرف سنة 1270 هـ وقد ورد في التعليقات على ديوان المرحوم الشيخ محسن الخضري النجفي أن المترجم ولد سنة 1267 وذلك سهو مطبعي راجع ص27 من ديوانه .
أساتذته ومشايخه في الرواية
كان رحمه الله سادس اخوته وأصغرهم سناً وأقربهم إلى أبيه مكانة ولما ترعرع ودرج وتعلم القراءة والكتابة عند أحد الكتابين توسّم أبوه فيه الذكاء وحب الفضيلة والرغبة الشديدة لتحصيل العلم والأدب فوكّله إلى بعض المدرسين ليتعلم اللغة والعلوم اللسانية بالطرق القديمة المألوفة في النجف، حتى إذا بلغ من العمر تسعة عشر عاماً توفى والده 1289هـ ، فتولى شؤون تربيته وتثقيفه (وصي أبيه) الإمام الحجة السيد مهدي القزويني، وحيث كان السيد يومئذ يقضي أكثر أوقاته في الحلة ألزمه بملازمة العالم الورع التقي الحاج ملا علي الخليلي[2] الذي هو –أحد مشايخ أنجال السيد- وبعد وفاة الشيخ المذكور 1297 انتقل المترجم للحضور عند جماعة من العلماء منهم الورع الفقيه الشيخ حسين نجف[3] ومنهم العلامة المرحوم السيد مهدي الطباطبائي الحكيم[4] وكان يشاركه في الحضور في حوزة العالم الرباني الأخلاقي الشهير الحاج ملا حسين قلي الهمداني، كل ذلك والمترجم لا يبارح طوال هذه المدة الاستفادة من منبر العلامة الجليل والواعظ الشهير الشيخ جعفر الشوشتري[5] بل كان من النفر الذين دونوا الكثير من املاءات هذا الشيخ وفوائده التي كان يجلو فيها حقائق الدين، وهو الذي شجّعه على تعاطي الخطابة وممارسة الوعظ لما رأى من تضلعه في علمي الحديث والفقه واخبار أهل البيت، وقد اطلعنا على بعض الكتب والوثائق التي تعرب عن ثقة كبار المجتهدين في المترجم وهو ابن خمس وعشرين سنة، ووقفنا على اجازتين له في الرواية، الأولى من العلامة السيد مهدي القزويني[6] حررها له سنة 1298 والثانية من العلام الكبير الشيخ محمد حسين الكاظمي[7] صاحب (الهداية) كتبها له سنة 1294 يقول في آخرها ما نصه: -انه محل اعتمادنا والآخذ عنه كالآخذ عنا بالمشافهة ولا ينبغي التوقف في شيء مما ذكرناه.
أسلوبه الخطابي
أما اسلوب المترجم في خطاباته ومواعظه فإن له القدرة النادرة على تصوير المعاني التي حاول إيصالها إلى أذهان السامعين ومهارة فذة في استمالة القلوب واسترعاء الاسماع يستعين على ذلك بما أوتي من إحاطة بفروع الموضوع الذي يتطرقه والمام بأطرافه ويستمد بيانه مما وعى من النصوص والتفاسير والسير وما رواه من الأخبار والآثار وما حفظه من الأشعار ومن مميزات خطابته انه لا يشذ عن الموضوع الذي نوى ان يبنى عليه خطابته انه لا يشذ عن الموضوع الذي نوى أن يبنى عليه خطبته إلا بمقدار ما يأنى بالأدلة ثم لا يلبث أن يعود إلى ما كان فيه.
وهذا الأسلوب هو الذي يجمع بين رغبة الخاصة ورغبة العامة فهو يعجب الخاصة بما فيه من وحدة الموضوع واستهداف الغاية، ويعجب الامة بما فيه من توافر الأخبار وتنوع الآثار واستطراد النوادر فهو جدير بما وصفه به الشيخ محمد السماوي[8] في ضمن رسالة بعث بها إليه.
إذا ارتقى المنبر الأعلى شهدن له ألفاظه الغر أو أقواله الحكم
ترى الأنام سكوناً عند منطقه كأنه مضرحي والورى رخم[9]
أسباب نزوحه عن النجف
ومن أهم الأسباب التي أهابت بالمترجم إلى مغادرة النجف هو أن الملا يوسف بن الملا سلمان –سادن الروضة الحيدرية- يومئذ وحاكم النجف المطلق من قبل ولاية بغداد وهو كما عرف عنه مستبد بآرائه قاس بأحكامه[10] اتفق مع الحكومة على نفي جماعة من النجفيين إلى السماوة منهم ناصر بن الحسين –عم المترجم- وأخوه الحاج سلمان بتهمة اشتراكهما في حوادث (الزكرت والشمرت) ووضع يده على ما يملكه والد المترجم من حوانيت يتجاوز عددها العشرة –كان قد ابتاعها من المرحوم السيد باقر القزويني المتوفى سنة 1247-عم السيد مهدي- فاغتصبها وسجلها باسمه ولم يدع منها سوى أربعة وهي الواقعة في السوق الذي يتفرع من السوق الكبير قرب باب الصحن ويعرف بسوق (الريحة) ثم اغتصب منه الخان الملاصق لسور النجف القديم المقابل لدار مالكه الحاج جعفر ليجعله مركزاً حكومياً تزلفاً منه وتقرباً لحكومة بغداد فإضافته الحكومة إلى ثكنتها العسكرية الأولى الكبيرة فكان الخان المذكور يعرف بعد ذلك بـ (القشلة الصغيرة) فأقام والد المترجم الدعوى في بغداد على استرجاعه أو التعويض عنه بمساعدة المرحوم الحاج محمد صالح كبة واستمرت الدعوى سنين عديدة بين أخذ ورد إلى أيام تقي الدين باشا والي بغداد سنة 1285 وأخيراً أغلقت الدعوى وعوضته الحكومة بمبلغ (1000) بيشاك وبعد جلاء الاتراك عن العراق وتشكيل الحكومة الوطنية تأسست على انقاض ذلك الخان (مدرسة الغري الأهلية الحالية).
النزاع بين والده وبين الملا يوسف الكليدار
ولما خشي والد المترجم من تجاوز الملا يوسف الكليدار في ذلك العهد على البقية مما في يديه من عقار وحوانيت جعلها وقفاً ذرياً، فوقع تخاصم ونزاع بين المترجم واخوته الخمسة وادعى قسم منهم بالوقفية وآخرون بالملكية ونفي الوقف وذلك على أثر وفاة (الوصي) اليد مهدي القزويني سنة 1300 هج حتى أدى النزاع إلى السعاية والوشاية بالمترجم في دائرة التجنيد العثمانية الأمر الذي ألجأه إلى مغادرة النجف فخرج منها مولياً وجهه شطر الحلة، ومكث فيها وفي ضواحيها يضع سنين
هجرته إلى السماوة والحلة
ثم غادرها وذهب إلى السماوة لحاقاً بأخيه الأكبر الحاج سلمان وأقام فيها أيضاً زهاء بضع سنين ولم يعد إلى النجف إلا عام (1313) فاستدعي فيها إلى دائرة التجنيد بعد ان سيق إلى الخدمة شقيقة الأكبر الحاج يوسف فلم يجد يداً من النزوح ثانياً إلى الحلة في السنة نفسها وهي السنة التي قدم فيها العلامة السيد محمد القزويني إلى الفيحاء بطلب من أهلها فلم يزل المترجم مقيما فيها مؤثراً عالم العزلة والانزواء على عالم الشهرة والظهور تخلصاً مما كان يخشاه من دوائر التجنيد.
أقوال المترجمين فيه
وإلى هذا معاصره المرحوم الشيخ محمد السماوي في نقده لفهرست أعيان الشيعة وهو المجلد الأول لموسوعة العلامة الكبير السيد محسن الأمين وقد نشره السيد في (ج2 ص515) من الأعيان، وإليك نص ما قاله السماوي (رأيت المجلد الأول من كتابكم فسررت به كثيراً ودعوت لكم شاكراً ولكن نظرته نظرة اجمالية فرأيت فيه ذكر (يعقوب) مرتين بعنوان: التبريزي ومرة بعنوان: النجفي الحلي وان الأول توفى سنة 1320 والثاني 1329 وهما واحد وذلك أبو الشيخ محمد علي الموجود الآن في النجف حسن الشعر وكان أبوه انتسب إلى تبريز من جهة العسكرية أيام العثمانيين وتوفى سنة 1329 فالترجمة الأولى غير صحيحة). انتهى ما في الأعيان نقلاً عن السماوي.
وقد سبق لشيخنا الأجل الشيخ علي آل كاشف الغطاء ان أشار إلى هذه النسبة فيما كتبه عن المترجم أثناء وروده الحلة في العهد العثماني سنة 1331 ثم صحح ذلك بعد أن تبين له أن المترجم اتخذها ذريعة للتخلص من التجنيد العثماني في أحد أجزاء (الحصون). وإليك خلاصة ما قاله في ترجمته (هو الشيخ يعقوب بن الحاج جعفر بن الحسين من خيار الوعاظ في العراق ومن شيوخ قرائها وأدبائها نجفي المولد والنشأة والمدفن. كان شاعراً بليغاً وأدبياً لبيباً، تخرج في الوعظ على يد العلامة الشهير الشيخ جعفر الشوشتري وفي الأخلاق على الملا حسين قلي[11] الهمداني وكان من الملازمين له وأخذ المبادئ الآداب عن السيد الشريف السيد ابراهيم بحر العلوم الطباطبائي ثم غادر النجف وهو ابن الثلاثين سنة فتوطن السماوة وبقي فيها ثمان سنين تقريباً وانتقل منها إلى الحلة وأقام فيها كذلك وقد تخرج على يده في هذه المدة جملة من القراء المشاهير وأخذوا عنه[12] وله بعض الكتابات في أحوال أهل البيت وأخبارهم وآثارهم توجد عند أولاده، وله ديوان شعر يحتوي على شعرة آلاف بيت، وقد خلف من الولد أربعة محمد الحسين والمهدي والحسن والشيخ محمد علي ثم ذكر بعد ذلك وفاته وشواهد من شعره.
وإليك ملخص ما قاله في العلامة السماوي في (طليعته): يعقوب بن الحاج جعفر النجفي الحلي كان أديباً حافظاً ذاكراً واعظاً خرج من النجف فسكن الحلة ثم السماوة ثم عاد إلى الحلة وكان ضعيف الصوت والجسم مفوهاً في منبر الخطابة مكثراً من الشعر وشعره في الطبقة الوسطى رأيته واجتمعت به وطارحته، وكان لا ينظم إلا في أهل البيت ثم نظم في غيرهم مدحاً وثراء وعمل في الحسين (روضة) مرتبة على الحروف تناهز كل قصيدة منها مائتي بيت ونيف، فلمته على ذلك واشرت عليه بانتخاب القوافي فقال: أنا أنظم حتى لا أدع قافية لغيري: -وقال بعد ذكر وفاته وشواهد من شعره ان له بالحلة ذرية ثم انتقلوا إلى النجف ومنهم الخطيب الشاعر المفوه الشيخ محمد علي ترجم في حرف الميم من كتاب ديوان الشيخ يعقوب الحاج جعفر ا هـ).
وذكره شيخنا الحجة الطهراني في كتابه (نقباء البشر في القرن الرابع عشر) –المخطوط- -ما نصه- الشيخ الفاضل الأديب الماهر الشيخ يعقوب بن الحاج جعفر النجفي الحلي الخطيب في الحلة المولود سنة 1270 هـ والمتوفى سنة 1329 هج، وتتلمذ عند الحاج الشيخ جعفر التوستري والمولى حسين قلي الهمداني، له كتاب (مناهل الوراد) أخلاقي تاريخي[13] وطبع له (الروضة الزاهرة في مرائي العترة الطاهرة) سنة 1343 بالنجف وهي بلسان الحسكة، وكانت وفاته رحمه الله على أثر مرض ألزمه الفراش بضعة أشهر فجاء إلى النجف للمعالجة والاستشفاء فتوفاه الله فيها عشية الأربعاء ليلة الخميس رابع عشر ربيع الثاني من 1349 هـ ومن غرائب الصدف ان العلامة السيد محمد القزويني[14] كان قد زار النجف فلي ذلك الاسبوع فحضر جثمانه وتولى الصلاة عليه ودفن في وادي السلام.
وقد ترجم له العلامة الحجة السيد محسن الأمين في (الـ ج52) من الأعيان وهو خاتمة أجزاء الكتاب المذكور فقال عنه الشيخ يعقوب بن جعفر الحلي المعروف بالتبريزي وليس بتبريزي فهو انتسب إلى تبريز من جهة العسكرية أيام العثمانيين كان فاضلاً أديباً شاعراً، تخرج من الأدبيات على السيد ابراهيم الطباطبائي الشاعر المشهور وهو والد الشيخ محمد علي اليعقوبي الموجود الآن في النجف ونقل ما كتبه عنه صاحب الحصون والطليعة وأورد نماذج من شعره في ديوان الشيخ يعقوب ص (61 إلى 67).
أقوال الأدباء فيه
طارح المترجم جماعة من أدباء النجف والحلة وتبودلت فيما بينه وبينهم رسائل شتى في المنظوم والمنثور وقد عاثت بأكثرها يد التلف والضياع. ومن ذلك ما قاله العلامة الأديب الشيخ محمد السماوي وقد صدر بها كتاباً بعث به إلى صاحب الديوان من السماوة إلى الحلة سنة 1319 هـ
لعمر ابي يعقوب يوم نفحته بذكرى فاثني في مديح وتشبيب
لقد كان كالورد الذي اعترض الصبا فحملها من نشره نفحة الطيب
واني إذا أهدى إليه مدائحي كمهد إلى الشامات فضل الجلابيب
كساني ولم استكسه برد مدحة تحلى بتهذيب وتجلى بتذهيب
وشعر كنوز الأرض قد جاده الحيا بدت حاجة لي منه في نفي يعقوب
وفي بدهر أن تصفحت أهله ضربت بهم في الغدر أمثلة الذيب
ومنه قول الأديب الكبير الشيخ علي عوض الحلي المتوفى سنة 1325 هجـ من قصيدة قرض بها إحدى قصائد صاحب الديوان وستأتي الإشارة إليها في حرف الدال من كتاب ديوان الشيخ يعقوب أولها:
توهم هزل الحب خال كجده ولم يدر متن السيف ليس كحده
على أن آيات الغرام شواهد بأن الهوى في القرب مرد كبعده
فيا ربما قد مر لي بطويلع زمان به غيي طريق لرشده
وجدت به هتك الوقار تجملاً إذا جمل الإنسان موشي برده
بلى وكما (يعقوب) جمل نظمه بمدح (حبيب) وهو طالع سعده
فتى جعفر كم قد أفاد لآلئاً يفصلها نظم القصيدة بقصده
كثير بها أضحى قليلاً و (طرفة) لعمرك فيها عبده وابن عبده
وما (لجميل) عند سلك نظامه جمال ولو يسعى بغاية جهده
فهذا له من محكم الشعر معجز ومنطيقها ذو الفصل يعيا برده
معان كضوء الشمس اشراق حسنها فلم تنحصر حسناً وعداً كعده
ومنهم العلامة السيد محسن القزويني حين قدم الحلة سنة 1328 وكان صاحب الديوان قد سافر إلى السماوة في المحرم فكتب إليه السيد صدر رسالة.
أأبا (علي) بعد بعدك بابل أعواد منبرها بغير خطيب
وعلى نواك بنو الكمال حنينها كحنين شيقة لوصل حبيب
وقال أيضاً في وصف أشعاره وبنات أفكاره في الرسالة نفسها:
فرائد يصبو كل سمع لذكرها ويزداد بشراً أو تلاها معيدها
ولو شام أرباب الفصاحة سردها لخرت لباريها وطال سجودها
ومنهم الأديب الشهير والمؤرخ الكبير الحاج عبد المجيد الحلي
يا خير موص بتقوى ذي الجلال كما أوصى بنيه بتقوى الله يعقوب
يفديك من يتسمى مؤمناً وله أفعال ذيب وأقوال أكاذيبُ
روضاته الحسينية
وللمترجم ثلاث روضات في أهل البيت (عليهم السلام) أطلق على كل واحدة منها اسم (الروضة الزاهرة في مراثي العترة الطاهرة) الأولى في اللغة الفصحى وهي التي أشار إليها السماوي فيما تقدم، وقد تلفت في حوادث الحلة كما سيأتي ذكر ذلك ولم يبق منها إلا الـنزر القليل وهو ما أثبتناه في الديوان.
والثانية في النعيم باللغة العراقية الدارجة مرتبة على الحروف طبعت في النجف، والثالثة في النوحيات وهي التي ذكرها شيخنا الحجة الطهراني في الذريعة (ط) وقد جارى فيها الملحمة النصارية المشهورة في اللغة العراقية أيضاً. وقد ألمع المترجم إلى الأولى بقوله من أبيات:
إني تنبأت بشعري فما من شاعر لم يك من أمتي
فليغرفوا من أبحري كلهم وليقطفوا الأزهار من (روضتي)
ومن ثم تعرض لذكره الاستاذ أنيس الخوري المقدسي في عداد من نظم في الشعر العامي واللغة الدارجة في العراق حيث قال –ومن المعروفين في العراق الشيخ (السيد) باقر الهندي والشيخ كاظم سبتي والسيد مرزه الحلي والشيخ يعقوب النجفي وسواهم[15] مارس الأدب على يد الشاعر الشهير السيد ابراهيم الطباطبائي[16] آل بحر العلوم المتوفي سنة 1319 هجـ وأخذ منه بقسط وافر، وقرض الشعر وهو في العقد الثاني من عمره وأكثر من نظمه مقتصراً في أنواعه على ما اقتصر عليه أستاذه من الغزل والنسيب ومديح أهل البيت ورثائهم وما عدا ذلك ففي بعض الأسر الشريفة التي تمت بكبار رجالها بصلة الولاء والوداد، وطارح جماعة من أدباء عصره فقد قدر له أن يتصل برهط من أعلام الأدب في الربع الأخير من القرن الثالث عشر في النجف كالشيخ محسن الخضري والسيد محمد سعيد الحبوبي والسيد موسى الطالقاني والشيخ محمد نصار والشيخ محمد الجزائري والشيخ عباس الأعسم والشيخ جعفر الشرقي وغيرهم من أعلام الأدب يوم ذاك كما اتصل بعد هجرته إلى الحلة برهط كبير من بقية أدبائها في القرن الماضي وأوائل القرن الحاضر كالشيخ حمادي نوح والشيخ علي عوض والسيد عبد المطلب الحلي والحاج حسن القيم والشيخ حسن مصبح والشيخ محمد الملا والحاج مهدي الفلوجي والحاج عبد المجيد العطار والشيخ علي بن قاسم، الذين كان يجمعهم نادي العلامة السيد محمد القزويني، وقد ترجمنا لهم في الجزئين الأخيرين من كتاب البابليات.
وفاته
وكان يود أن تسمح له الأيام بفرصة يتفرغ فيها لجمع ديوان شعره الذي يناهز (15) ألف بيت فلم تسمح له حتى فاجأه الأجل فتصديت لجمعه بعد وفاته على كثرة الاشغال والاضطراب الاحوال من جراء نشوب الحرب العالمية الأولى، ورتبته على الحروف حتى أنهينا حرف الدال منه فحدثت واقعة (عاكف) المشومة أوائل شهر المحرم سنة 1335 فتلف ما ألف وما يؤلف من ذلك الديوان من جملة من نفائس الكتب المخطوطة والمطبوعة وذهبت بذهابها ثروة أدبية تاريخية، وذلك لأن دارنا كانت في محلة (جبران) إحدى المحلات الثلاث التي عاثت بها الجنود التركية نهباً وحريقاً وتخريباً، وكنت يومئذ في جبهة السماوة لتحريض قبائل الرميثة على الدفاع والالتحاق بالحامية التركية التي كانت مرابطة هناك بقيادة (أحمد بيك أوراق) عملاً بالأحكام والفتاوى التي زودني بها العلماء الأعلام وخاصة العلامة المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي طاب ثراه قبيل وفاته. بيد أني بعد عودتي إلى النجف على أثر انتهاء ثورة (1920) عثرت على جملة من القصائد والمقاطيع من نظمه كان قد أدخل مسوداتها قبل انتقاله إلى الحلة في (قمطر) بضم طائفة من الكتب الفقهية والأخلاقية وأودعه عند أحد أصهاره من السادة الغريفيين آل البحراني فأضفتها إلى ما وجدته من شعره في مجاميع عديدة مثل مجموعة المرحوم الشيخ علي الحمامي الخطيب المشهور بمصره في النجف وهي مخطوطة سنة 1306 وفيها الكثير من مراثيه الحسينية بقلم ناظمها المترجم وأخرى بقلم والده المرحوم الشيخ مهدي وهي مما أدخره من أنفس الزاد ليوم المعاد، وكانت من أكبر البواعث التي حفزتنا إلى نشر الديوان خدمة لأهل البيت (عليهم السلام) –مع كثرة العوائق- وسنشير إلى تلك المصادر في محلها وأضفت إلى المراثي ما وجدته في مصادر أخرى مما قاله في غير أهل البيت منها مجموعة آل القزويني، ومجموعة حبيب بك آل عبد الجليل ومجموعة الشيخ محمد شهيب، والحصون المنيعة لشيخنا العلامة الشيخ علي آل كاشف الغطاء، والطليعة للسماوي وغير ذلك وقد رتبته على حروف المعجم وصدرت كل حرف بما قاله فيه من مدح أهل البيت ورثائهم مع بعض التعليقات والشروح والتراجم لأكثر من ذر في أصل الديوان تعميماً للفائدة، وليكون كتاب تاريخ كما هو كتاب أدب، ولسلاسة شعره وانسجامه يجده القارئ خالياً من غريب الألفاظ إلا نادراً قد أشرنا إليه. راجين أن يكون عملنا خالصاً لوجهه الكريم وهو ولي التوفيق.
النجف الأشرف
محمد علي اليعقوبي
[1] ) الحاج جعفر المولود في النجف (1200- 1289/ 1785- 1872) والد الشيخ يعقوب كان معتمد المجتهد العلامة الشيخ موسى بن الشيخ الأكبر كاشف الغطاء المتوفي سنة 1243هـ الملقب بالمصلح بين الدولتين (العثمانية والصفوية) في صرف النفقات التي يرسلها الصدر الأعظم لبناء سور النجف.
[2]) ترجم له الأستاذ الأديب الشيخ محمد الخليلي في ضمن ترجمة والده الطبيب الشهير الحاج ميرزا خليل الرازي في ((الـ ج1 ص147) من كتاب معجم أدباء الأطباء.
[3]) ابن الشيخ يعقوب بن الشيخ جواد ابن الشيخ حسين الكبير المعاصر لبحر العلوم، بن الحاج نجف ذكره شيخنا الشيخ آغا بزرك الطهراني في (ج1 ق2) من الطبقات وقال عنه انه من تلاميذ جده الجواد والشيخ محمد حسين الكاظمي وغيرهما وتقي والده الشيخ يعقوب على عهد والده الجواد في حدود سنة 1285 وخلف ولده هذا، فكان سلوة الجد عني به فغذاه العلم والفضل والتقى وتوفي الشيخ في حدود سنة 1294 فقام حفيده مقامه في إمامة الجماعة في الصحن الحيدري، إلى أن توفي سنة 1315 وقيل 1318 وقد ترجم له سيدنا العلامة السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة (ج27 ص366).
[4] ) ابن السيد صالح بن احمد بن محمود بن إبراهيم –الجد الأعلى لجميع أفراد الأسرة المعروفة بآل الحكيم سدنة الروضة الحيدرية- ابن السيد علي أول من هاجر من أصفهان إلى العراق من أبناء السيد مراد، فاستوطن النجف واتصل بسدانة الحرم العلوي وكان حكيماً له اليد الطولى في الطب وتعليقا على كتاب (قانونجة) من مخطوطات مكتبة آية الله الحكيم العامة في النجف، وفيه يلتقي نسب أسرته مع أنساب أسرة الحجة السيد مهدي بحر العلوم وأسرة السيد علي صاحب الرياض وأسرة المرحوم آية الله السيد آغا حسين البروجردي ويرتفع النسب إلى السيد إبراهيم الملقب (طباطبا) حفيد الإمام الحسن السبط ابن الإمام علي (عليه السلام).
وأما والدة السيد فهي كريمة العلامة الشيخ عبد الحسين الأعسم شارح منظومة والده الفقهية (ط) وصاحب الروضة المشهورة في رثاء أهل البيت (عليهم السلام) وقد أنجب ثلاثة أبناء من أهل العلم أولهم المرحوم العلامة السيد محمود وثانيهم سماحة الإمام السيد محسن المرجع العام للإمامية أدام الله ظله. وكلاهما من كريمة الشيخ جعفر ابن الشيخ عبد النبي الكاظمي صاحب تكملة الرجال للتفريشي ومختصر الإقبال لابن طاووس وغيره، والثالث العلامة المرحوم السيد هاشم وهو من زوجته الأخرى شقيقة العلامة المرحوم الشيخ موسى شرارة.
وقد تتلمذ المترجم على جماعة من مشاهير علماء عصره كالسيد علي بحر العلوم صاحب البرهان والشيخ محمد طه نجف وعلى الأخلاقي الشهير الحاج ملا حسين قلي الهمداني وغيرهم، كما تلمذ عليه جماعة من العلماء الأفاضل كالسيد محمد سعيد الحبوبي والشيخ محمد حسن كبة والشيخ باقر القاموسي والشيخ جواد الشبيبي والشيخ جواد الجواهري وصاحب الديوان، وترك المترجم آثاراً في الفقه والأصول منها معارف الأحكام في شرح شرايع الإسلام وشرح منظومة الشيخ موسى شراره في أصول الفقه و (تحفة العابدين) في الأخلاق (ط) في صيدا سنة 1307، وهاجر من النجف إلى بنت جبيل من جبل عامل غير أنه قصد البيت الحرام لأداء فريضة الحج فاجتمع بجماعة من حجاج الجبل هناك فاضطروه إلى الرجوع معهم إلى بنت جبيل فمكث فيها مرجعاً دينياً إلى أن توفاه الأجل سنة 1312هج وفيها دفن إلى جنب الجامع وقبره مشيد يزار هناك رحمة الله عليه، وقد ترجم له خير الدين الزركلي في الاعلام نقلاً عن الذريعة.
[5] )تأتي ترجمته في حرف الراء من ديوان الشيخ يعقوب.
[6]) تأتي ترجمته في حرف الراء من ديوان الشيخ يعقوب.
[7]) تأتي ترجمته في حرف النون من ديوان الشيخ يعقوب.
[8]) توفى رحمه الله يوم السبت أول المحرم سنة 1370 هج وهو ابن ثمان وسبعين سنة قضاها بخدمة العلم والأدب والتاريخ و(القضاء الشرعي) وأحسن أثر تركه بعده (مكتبته القيمة) التي كانت تحوي نفائس المخطوطات والمطبوعات ولكنها بيعت بعد وفاته ومزقت كل ممزق، وله ترجمة مفصّلة في مقدمة كتابه المطبوع (الكواكب السماوية) وبينه وبين صاحب الديوان مودة ومطارحات أشار إليها في طليعته.
[9] )المضرحي: الصقر الطويل الجناح.
[10]) تجد بعض سيرته في ماضي النجف وحاضرها للمرحوم الشيخ جعفر محبوبة
[11] ) من أعاظم الفقهاء، وهو آخر عالم اشتهر بتدريس العلوم الأخلاقية، وله الإلمام التام بالعلوم الرياضية والإلهية والبحث عن صفات الخالق والقوى النفسية وما إلى ذلك، وهو من ذراري الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري كما حققه شيخنا الطهراني في (الـ ج1 ق2) من الطبقات. ولد في همدان سنة 1239 ودرس المبادئ في طهران وسبزوار، وهاجر بعد ذلك إلى النجف حوالي سنة 1265 ورئاسة التدريس فيها يوم ذاك المرحوم الشيخ المرتضى الأنصاري فلازم درسه سنين طوال وكتب من تقريراته في الفقه والأصول، وتتلمذ في الأخلاق السيد علي التستري ففاق فيه أعلام الفن، ولما توفي أستاذه الأنصاري سنة 1281 لم يتتلمذ على غيره ولم يخرج من العراق فكانت مدرسته داره وللطلاب تهافت وزحام عليه فكان يدرس في الفقه والأصول كتبه التي ألفها من تقريرات شيخنا الأنصار، وكان له درس في الأخلاق كل يوم بداره وقد ختم به هذا الفن، ولم ينبغ بعده من يعد نظيراً له فيه على أن هذب زمرة من تلاميذه كانوا بعده نجوماً في سماء العلم والفضيلة، ذكر سيدنا الأمين جماعة منهم في (الأعيان). وقد أدركنا عصر جماعة منهم كالسيد محمود سعيد الحبوبي والشيخ باقر القاموسي والسيد حسن الصدر والسيد محمد تقي الشاه عبد العظيمي والشيخ علي والشيخ باقر القميان وصاحب الديوان، وقد كتب جمع من تلامذته تقريراته في الفقه والأصول، وذكر أسماء جملة منها شيخنا الجليل الطهراني في الذريعة بعنوان (تقريرات) كما عني بعض تلامذته بجمع تقريراته في الأخلاق وشذرات املائه المشتملة على آداب السلوك، ولما زار كربلاء في النصف من شعبان سنة 1311 هج توفاه الله فيها آخر الشهر المذكور ودفن في الحجرة الرابعة الواقعة على يسار الداخل إلى الصحن الحسيني من الباب الزينبي وسيأتي تأريخ وفاته في حرف النون من ديوان الحاج يعقوب.
[12]) وممن أخذ عنه في السماوة الشيخ طاهر بن مسلم والشيخ علي الدفاعي والشيخ خلف الشيباني الحلي والملا جاسم الصفار والسيد أحمد الخوئي، وفي الحلة أخذ عنه جماعة أشهرهم الخطيب الأديب الشيخ قاسم الملا وولداه الشيخ مهدي وجامع هذا الديوان وغيرهم.
[13]) الصواب ان اسم الكتاب (مناهل الواردين ومنهاج الواعظين) ولا يزل مخطوطاً في ثلاثة أجزاء نسأله تعالى أن يوفقنا لنشره.
[14])سيدنا واستاذنا أبو المعز العلامة أوجد السيد محمد ثالث أنجال الإمام السيد مهدي ولد بالحلة سنة 1262 ولما بلغ أشده هاجر إلى النجف مع اخوته الاعلام فدرس على جماعة من علماء ذلك العصر حتى أجيز بالاجتهاد من والده وغيره كالملا محمد الايرواني المتوفى سنة 1306 هـ والميرزا لطف الله المازندراني المتوفى سنة 1311 هج، وكان بعكس أبيه قليل التأليف ولم يترك من الآثار سوى منظومته في المواريث ورسالة في المناسك وأخرى في التجويد والقراءات وديوان شعره وآثاره الإصلاحية شاهدة له بمساعيه الحميدة كتشييد مراقد علماء الحلة الأقدمين ومشاهد أهل البيت فيها وقد ذكرنا ذلك في ترجمته في القسم الثاني من (الـ ج3) من كتاب البابليات وكانت هجرته الأخيرة إلى الحلة سنة 1313 هجـ فأقام فيها مرجعاً دينياً نافذ الأحكام مطاعاً لدى الخاص والعام إلى أن فاجأته المنية أوائل المحرم سنة 1335 هجـ ودفن في مقبرتهم المعروفة في النجف وسيأتي ذكره وذكر جملة من أعلام هذه الاسرة في أكثر حروف الديوان.
[15]) الاتجاهات الأديبة في العالم العربي الحديث (ط) بيروت ص (412).
[16]) ابن المرحوم السيد حسين بن السيد رضا ابن الحجة المهدي بحر العلوم. من كبار شعراء عصره وشعره رصين التركيب قوى الأسلوب. ولد في النجف سنة 1248 وتوفي في شهر المحرم سنة 1319 هجـ. وله ترجمة في مقدمة ديوانه المطبوع في صيدا بقلم الاستاذ الجليل الشيخ علي الشرقي سنة 1332هجـ. وفي ديوان السيد جعفر الحلي وطبقات الاعلام والعراقيات وأعيان الشيعة وتخرج عليه جماعة من الأدباء أشهرهم الشيخ عبد المحسن الكاظمي والسماوي والشيخ عبد الحسين الويزي صاحب الديوان.