الفقه والمجتمع لماذا يمتنع الناس عن دفع الحقوق الشرعية

| |عدد القراءات : 2649
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الفقه والمجتمع

لماذا يمتنع الناس عن دفع الحقوق الشرعية

س1: ما هو الدليل على وجوب الخمس؟

الجواب: بسمه تعالى: إن مصادر التشريع تنحصر بالكتاب والسنة الشريفة التي تشرح آيات القرآن وتُبيـّن المراد منها وتفاصيل الأحكام كما هو الجاري في الخطابات الحكومية فإن السلطة العليا تصدر قراراً بسطرين ثم تشرحه الوزارات بحسب علاقتها مع الموضوع وتبيـّن تفاصيل تنفيذه.

 

وقد أوجب الله تعالى في كتابه العزيز دفع الخمس بشكلين من الخطاب

الأول: خطاب عام يشمل كل الحقوق المالية بغضِّ النظر عن أسمائها كالخمس أو الزكاة أو الكـفّـارة او الفدية ونحوها كقوله تعالى (خُـذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إن صلاتك سكنٌ لهم) وقد ورد في الخمس أن دفعه يطـهّـر المال ويزكّي النفس فعن الامام الصادق (ع) انه قال (إني لآخذ من أحدكم الدرهم وإني لمن أكثر أهل المدينة مالاً ما أريد بذلك إلا أن يـطّـهّروا).

 

الثاني: خطاب خاص بوجوب دفع الخمس وهو قوله تعالى (واعلموا أنَّما غنمتم من شيءٍ فإنَّ لله خُمُسَهُ وللرسول ولذي القربى واليتامى وابن السبيلِ إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفُرقان يومَ التقى الجمعان واللهُ على كلِّ شيءٍ قدير) وقد يظنُّ البعض أنها خاصة بغنائم الحرب لكن الإمام الرضا (ع) يشرح ذلك لأحد أصحابه الذي "قال: سألتُ أبا الحسن (ع) عن الخمس فقال: في كل ما أفاد الناسُ من قليلٍ أو كثير"

 

س2: ما حكم الصلاة وسائر العبادات التي يؤديها غير الملتزم بدفع الخمس.

 

الجواب: بسمه تعالى إن الجواب يكون على مستويين

 

الأول: القبول أي قبول هذه العبادات من مؤديها واعطاءه الأجر والثواب عليها وهذا القبول مشروط بالتقوى، قال تعالى (إنما يتقبّلُ اللهُ من المُـتّقين) وليس من المتقين الممتنع عن أداء فريضة إلهية مهمة مثل الخمس وبذلك فهو لم يحقّـق شرط القبول.

 

الثاني: صحة العمل أي براءة الذمة بأدائه وتخلصه من العذاب المعــدّ لتارك العمل، والممتنع عن دفع الحقوق الشرعية لا ينجو من الإشكال في صحة العمل لأن شروط صحة الصلاة مثلاً إباحة ملابس المصلي وعدم غصبيتها فإذا كانت متعلقة للحقوق الشرعية ولم يحصل على براءة الذمة من أصحابها فإنه سيقع في إشكال نتيجته عدم صحة الصلاة، أرأيت الى أي حدّ يمكن أن يصل اليه مانع الحق الشرعي لذا تجد هذه المخاوف عند أصحاب الأئمة فيقول أحدهم "كتبتُ: جعلتُ فداك تعلّمني ما الفائدة وما حـدُّها؟ رأيك أبقاك الله أن تمنّ عليَّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم، فكتب: الفائدة مما يفيد اليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام (أي حاصلات زراعية بعد اسقاط الغرامات والتكاليف) أو جائزة"

 

س3: ما هي العقوبة الدنيوية والأخروية المترتبة على عدم دفع الحقوق الشرعية.

 

الجواب: بسمه تعالى: جاء في الرسالة التي وجهها الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الى الشيخ المفيد (قدس سره) (ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين أيدك الله بنصره الذي أيد به السلف من أوليائك الصالحين أنه من اتقى ربه من إخوانك في الدين وأخرج مما عليه الى مستحقيه كان آمناً من الفتنة المبطلة ومحنها المظلمة المضلّة ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من أمره بصلته فأنه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته، ولو ان أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحمينا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل). (الاحتجاج 2/325)، فالإمام يبين في هذا المقطع من الرسالة أسباب حرمان البشرية وخصوصاً شيعته من طلعته الشريفة وبركاته العميمة وجعل من أهم تلك الأسباب امتناعهم عن أداء الحقوق الشرعية وإيصالها الى مستحقيها وهو يشير ضمناً الى ان كل ما بأيديهم من أموال هو شيء رزقهم لقضاء حوائج المحتاجين الذين ابتلاهم الله بالمنع والفقر كما ابتلى هؤلاء بالعطاء والغنى (ليبلوَكم أيكم أحسنُ عملاً).

 

وفريضة الخمس واجبة في الموارد التي ذكرها الفقهاء (قدس) استناداً الى تعاليم رسول الله (ص) واهل بيته الطاهرين كوجوب الصلاة وصوم رمضان والحج عند توفر الاستطاعة، فمن أخلّ بشيء منها فقد ارتكب كبيرة يستحق عليها ناراً وقودها الناس والحجارة يوم تذهل كل مرضعة عـمّـا أرضعت وتضع كل ذات حملٍ حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.

 

وقد عَدّت الأحاديث الشريفة حبس الحقوق الشرعية من الكبائر السبع التي وعد الله تعالى فاعليها النار وقد جعلت هذا المعنى عنواناً لكتاب (حبس الحقوق الشرعية من الكبائر) الذي طبع ضمن سلسلة نحو مجتمع نظيف.

 

          وأنت لو اطلعت على أحاديث أهل البيت في أهمية هذه الفريضة وما توعده الله من عظيم العقوبة على المقصر في أدائها لوقف شعر راسك-كما يقولون- (راجع الجزء السادس من كتاب وسائل الشيعة)، وتكون المشكلة أعظم عندما نعلم ان لعدم دفع الخمس آثاراً وضعيةً فإن اللقمة غير المخمسة تكون حراماً فتترك نتائج سيئة في الذرية التي تتكون منها والملبس غير المخمس لا يكون مباحاً فلا تصح الصلاة فيه والماء إذا لم يكن مباحاً فالضوء به باطل وبذلك تتراكم هذه الذنوب والمشاكل على مانع الحقوق الشرعية لذا عـدّ الفقهاء من الذنوب الكبائر حبس الحقوق وعدم ايصالها الى مستحقيها.

 

س4: ما هي اسباب امتناع أغلب الناس عن دفع الحقوق الشرعية وهل لهم مبررات مقنعة؟

 

الجواب: بسمه تعالى: لما كان العلم بالشيء والاقتناع به هو الركيزة الأساسية للاندفاع نحو العمل والتطبيق وطالما قلنا ان علاج أي مشكلة يجب أن يتوجه أصلاً الى علل المشكلة وأسبابها ومناشئها لا معلولاتها وآثارها ونتائجها فإنه عمل غير حكيم، لذا لا بد من عرض بعض الأسباب التي تؤدي الى امتناع الناس عن دفع الخمس وسنشير إليها باختصار ونترك التفصيل الى مناسبة اخرى:

 

1- الجهل بوجوب الخمس: فبعضهم لا يعلم بوجوبه أصلاً، وبعضهم يظن وجوبه على خصوص الميسورين، وقد رسّـخت هذا الجهل الأجيال المتعاقبة من المسلمين بإعراضهم عن امتثال هذه الوظيفة.

 

2- حملات التشكيك التي يمارسها أعداء الدين والمذهب من أنه لا دليل عليه وهم بذلك يريدون تقويض احدى الركائز المهمة للدين والمذهب وأعني به الاستقلال المالي والاكتفاء الذاتي للمرجعية الشريفة والحوزة العلمية والاستغناء عن السلطات الحاكمة والتحرر من التبعية لها والذي له أكبر الأثر في المحافظة على استقلالها وهويتها.

 

3- سوء تصرف بعض الوسطاء والوكلاء في نقل الحقوق الشرعية مما يقلل من الثقة بالدفع اليهم.

 

4- النفس الأمارة بالسوء التي تشحّ بإنفاق المال ومطلق عمل الخير، فالكثير من الناس يؤدي الفرائض التي لا تكلفه مالاً أما التي تحتاج الى بذل المال فيتردد فيها قال تعالى في وصف هذه الحالة (وتُحبّــون المالَ حبّــاً جمّــاً) وقال تعالى (وأحضرت الأنفسُ الشُحّ وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) (ومن يُوقَ شحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون).

 

5- الغفلة عن موارد صرف هذا الحق الشرعي ولو علم انها تصرف في قضاء حوائج المؤمنين وتزويج شبابهم ومعالجة مرضاهم وشؤون الحوزة العلمية الشريفة ومدارسها الدينية التي حفظت لنا الاسلام ألفاً وأربعمائة عام ونشر الوعي الديني في المجتمع وتأسيس المشاريع التي تحفظ للاسلام والمسلمين هويتهم وتقف في مواجهة الصراع الحضاري الذي أعلنه الغرب على الاسلام ومنها تأسيس القنوات الفضائية والاذاعية ونشر الكتب وإقامة المؤتمرات والندوات. فلو علم ذلك لأدّى هذه الفريضة بكل سرور ان كان غيوراً على دينه ومجتمعه ومخلصاً في التزامه.

 

6- قلة الثقة بما عند الله مما يجعله متمسكاً بما عنده من متاع زائل.

 

س5: كيف يمكن انقاذ الناس من الوقوع في هذه الكبيرة أعني حبس الحقوق الشرعية وكيف يمكن خلق الحوافز في نفس المسلم وقلبه وعقله للاندفاع نحو تطبيق هذه الفريضة الإلهية.

 

الجواب: بسمه تعالى: هناك نوعان من الحوافز والدواعي

 

الأول: ما يحرّكه الى الالتزام بفريضة الخمس خاصة وهي نتيجة استقراء الاسباب المتقدمة للامتناع ومنها

 

1- قيام الحوزة الشريفة ببيان الأدلة الكافية على وجوب هذه الفريضة العظيمة وشمولها لكل من يملك شيئاً في هذه الدنيا فيجعل له يوماً في السنة يحاسب نفسه فإن وجد عنده شيئاً يتعلق به الخمس دفعه وإلا فلا.

 

2- الرد على الشبهات والشكوك التي يلقيها المضلّون في أذهان البسطاء والسذج.

 

3- ان يتحلى الوكلاء والوسطاء من حوزويين وغيرهم بالورع والتقوى ومواساة المجتمع في ملبسه ومأكله وأثاثه.

 

4- أن ينتصر المسلم على نفسه، فإن اتباع الهوى من المرديات وقد سمّى رسول الله (ص) جهاد النفس بالجهاد الأكبر، وان أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك لأنها ميالة لاتباع الشهوات وتتمرد على الطاعة فالمؤمن الشجاع من ملك زمام نفسه ليقودها الى ما فيه النجاة.

 

5- الالتفات الى موارد صرف الخمس وتسليمها الىالثقاة الذين يضعونها في مواضعها الصحيحة واطلاع المكلف بنفسه على ذلك وسيرى نفسه مسروراً بمساهمته في هذه المصارف الجليلة التي وعد الله تعالى من ينفق ماله فيها الأجر الجزيل والله يضاعف لمن يشاء.

 

6- أن يعلم المكلف أن كل ما عنده هو مما رزقه الله تبارك وتعالى والله غني عن العالمين وانما يريد بفرض هذه الواجبات المالية ليحصل التكافل بين البشر ولكي لا يضيع الفقير وليبلي المؤمنين منه بلاءاً حسناً.

 

وقد جرب الكثير من المؤمنين انه بمجرد شروعهم في الخمس بارك الله في أموالهم (وما عند الله خيرٌ وأبقى) والله تعالى يختار ما هو الخير لعباده (وربك يخلقُ ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة من أمرهم) (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ ويسلموا تسليماً)، هكذا هم المؤمنون حقاً لا يناقشون في حكم شرعي ثابت، وانما يذعنون له ويسلمون به ويطبقونه بطواعية وسرور.

 

الثاني: ما يحركه نحو عموم طاعة الله تعالى ومنها دفع الحقوق الشرعية وقد ذكرنا بعضها في بيان (فلنرجع الى الله) وكتاب (حبس الحقوق الشرعية من الكبائر)

 

جعلنا الله وإياكم من المخلصين لطاعته السابقين الى الخيرات بلطفه ورحمته إنه ولي النعم.

 

محمد اليعقوبي

 

3 ج2 1426