خطاب المرحلة (497) حيَّ على خير العمل والدعوة الى ولاية أهل البيت ع

| |عدد القراءات : 1541
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
 


حيَّ على خير العمل  والدعوة الى ولاية أهل البيت  ^([1])

(أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (البينة: 7)

(حيَّ على خير العمل) من فقرات الاذان والإقامة المستحبين الاكيدين قبل الصلاة وقال البعض بالوجوب، وفي هذه الفقرة حث ودعوة مع طلب المبادرة الى خير العمل، ويمكن أن يكون المراد من (خير العمل) كل عمل خير من باب إضافة الصفة الى موصوفها وبهذا المعنى تكون الدعوة شاملة لكل أفعال الخير المرضية عند الله تعالى فتتطابق مع الآية الكريمة (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ) (المائدة: 48).

وقد يراد بـ(خير العمل) عمل مخصوص هو خير الاعمال وأفضلها والدعوة تؤكد المبادرة اليه، والمستفاد من الروايات أن المقصود بهذا العمل أمران ظاهري عام وآخر خاص.  

(أما) (المعنى الظاهري) فهو الصلاة نفسها التي هي عمود الدين إن قُبلت قبل ما سواها وإن رُدَّت رُدَّ ما سواها، روي عن الامام الرضا (×) عن علة الأمر بالآذان، الى أن قال (×) (ثم دعا الى خير العمــل مرغبــاً فيـه – أي

 

الصلاة – وفي عملها وفي أدائها)([2]).

وفي رواية محمد بن الحنفية عن معراج النبي (’) وإمامته للصلاة في السماء السادسة والنداء الأول بالآذان يومئذٍ من قبل مَلَك خاص الى أن قال (حي على الصلاة، قال الله جل جلاله: فرضتها على عبادي وجعلتها لي ديناً، ثم قال: حيَّ على الفلاح، قال الله عز وجل: أفلح من مشى اليها وواظب عليها ابتغاء وجهي، ثم قال حيَّ على خير العمل، قال الله جل جلاله: هي أفضل الاعمال وأزكاها عندي)([3]).

وفي رواية عن أمير المؤمنين (×) في تفسير الاذان قال: (وإذا قال حي على خير العمل فأنه يقول ترحموا على أنفسكم فأنه لا أعلم لكم عملاً أفضل من هذه فتفرغوا لصلاتكم قبل الندامة)([4]).

(واما المعنى الخاص وهو الاكمل) فيراد بخير العمل ولاية علي بن ابي طالب (×) وأهل بيت النبي (’) المعصومين، ففي معاني الاخبار وعلل الشرائع للشيخ الصدوق بسنده عن أبي جعفر الباقر (×) قال (أتدري ما تفسير حيَّ على خير العمل، قال: قلت لا، قال: دعاك الى البر، أتدري برّ من؟ قلت: لا، قال: دعــاك الــى بــر فاطمــة وولدهــا (^)([5])، وروايات أخـرى ستأتــي إن

شاء الله تعالى.

وليس في هذا المعنى أي غرابة فان ولاية أمير المؤمنين (×) كمال دين التوحيد وتمام نعمة الإسلام وقد أعلم الله تعالى نبيه (’) بأنه إن لم يبلغ الولاية فكأنه لم يبلّغ رسالة الإسلام أصلاً بنص الآية الشريفة (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) (المائدة:67) وقوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة:3) فهذا وجه لكون (خير العمل) ولاية أمير المؤمنين والأئمة من بنيه (^)، باعتبارها ذروة الإسلام وخلاصة التوحيد والايمان بالله تعالى.

والوجه الآخر، أن بها تقبل الاعمال وتزكى الأفعال، وفي كتاب العلل (وقوله حيَّ على خير العمل أي حث على الولاية وعلة أنها خير العمل أن الاعمال كلها بها تقبل)([6]).

وسنشير الى وجهين آخرين إن شاء الله تعالى.

وقد صرحت الروايات بأن هذه الفقرة كانت موجودة في الاذان على عهد رسول الله (’) لكن الثاني هو من أسقطها روى صاحب كتاب (دعائم الإسلام) عن ابي جعفر (×) قال: (كان الاذان بحيَّ على خير العمل على عهد رسول الله (’) وبه امروا أيام ابي بكر وصدراً من أيام عمر، ثم امر عمر بقطعه وحذفه من الاذان والإقامة، فقيل له في ذلك، فقال: إذا سمع الناس أن الصلاة خير العمل تهاونوا بالجهاد وتخلّفوا عنه)([7]).

وهذا فعل منكر لعدم جواز الاجتهاد مقابل النص، مضافاً الى أن في هذا توهيناً لمقام النبي (’) إذ كيف خفي عليه هذا التأثير السلبي للنداء ولماذا لم يحذفه حتى تفتقت عنه ذهنية الثاني، وهل ثبّط هذا النداء عزائم المسلمين في الجهاد أيام النبي (’) وما بعده من حروب الردة والفتوحات الإسلامية، حتى يدعّي مثل هذا السبب.

فالظاهر أن هذا السبب المعلن ليس هو الحقيقي، وإنما السبب الحقيقي هو طمس المعنى الثاني ومحاولة إطفاء نور الله تعالى المتمثل بأهل البيت (^) لان تكرار هذا النداء في الصلاة سيدفع الناس الى السؤال عن خير العمل حتى يبادروا اليه ويلتزموا به فأراد غلق باب السؤال لدى الناس عن خير العمل فألغى الفقرة من أصلها.

فقد روى الشيخ الصدوق بسنده عن محمد بن ابي عمير أنه (سأل أبا الحسن (×) – موسى بن جعفر (عليهما السلام) – عن حي على خير العمل لم تركت من الاذان؟ فقال: تريد العلة الظاهرة أو الباطنة، قلت أريدهما جميعاً، فقال: أما العلة الظاهرة فلئلا يدع الناس الجهاد إتكالاً على الصلاة، وأما الباطنة فأن خير العمل الولاية، فأراد من أمر بترك حي على خير العمل من الاذان أن لا يقع حث عليها ودعاء اليها)([8]).

وهذه واحدة من محاولاتهم المحمومة لاستئصال أهل بيت النبي (’) واقصائهم عن قيادة الأمة بل عن مسرح الحياة لولا لطف الله تعالى وحفظه، روى الكشي في رجاله عن الامام الرضا (×) قال: (لما قُبِض رسول الله (’) جهد الناس في إطفاء نور الله فأبى الله إلا ان يتم نوره بأمير المؤمنين (×)([9]).

وأمتدت محاولاتهم لتصل الى إزالة ذكر النبي (’) من أصله وكل ما يمتّ اليه بصلة من معالم الدين وشعائره وإعادة الناس الى جاهليتهم الأولى لولا خشيتهم من انقلاب الرأي العام عليهم وإبقاءاً لشعرة معاوية مع الدين الذي به تسلّطوا على الأمة، ولنستمع الى هذا النص الذي اثبته ابن ابي الحديد المعتزلي وهو من علماء العامة، روي أن المطرّف بن المغيرة بن شعبة([10]) قال: دخلت مع أبي على معاوية ـ و كان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف إلي، فيذكر معاوية و عقله، و يُعجب بما يرى منه ـ إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، و رأيته مغتماً فانتظرته ساعة، و ظننت أنه لأمر حدث فينا، فقلت: ما لي أراك مغتماً منذ الليلة؟ فقال: يا بني جئتُ من عند أكفر الناس و أخبثهم! قلت: و ما ذاك؟ قال: قلت له و قد خلوت به: إنك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا و بسطت خيراً، فإنك قد كبرت، و لو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، و إن ذلك مما يبقى لك ذكره و ثوابه .

فقال: هيهات هيهات، أي ذكر أرجو بقاءه مَلكَ أخو تيم –أي أبو بكر- فعدل، و فعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عدي –أي عمر- فاجتهد و شمّر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: عمر، و إن ابن أبي كبشة - أي النبي محمد (’) فهو يستكبر عن الاعتراف بنبوته -  ليُصاح به كل يوم خمس مرات " أشهد أن محمداً رسول الله، فأيُّ عمل يبقى و أيُّ ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك، لا والله إلاّ دفناً دفناً !! ([11]).

ومن هذا تبرز أهمية الحث على خير العمل بمعنى الدعاء الى ولاية أهل البيت (^) وبيان فضائلهم ومحاسن كلامهم وسيرتهم المباركة (فأن الناس لو سمعوا محاسن كلامنا لأتبعونا)([12]) فبهم قوام الدين وديمومته وحفظه من التحريف والشبهات والتزييف والكذب والافتراء وإفشال هذه المحاولات الشيطانية الهدّامة ولولا وجود الأئمة المعصومين (^) وقيامهم بأمر الدين لنُقِض بناؤه حجراً حجر من أول يوم كما دلَّت عليه الروايات المتقدمة وقد تواصوا بهذه الجريمة جيلاً بعد جيل وكان الأئمة (^) لهم بالمرصاد (كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ) (المائدة:64) فوصف ولاية أهل البيت والدعوة اليها والتمسك بها بخير العمل في محله لان بها يُحفظ الدين وكل الطاعات والاعمال الصالحة، وهذا وجه ثالث.

والوجه الرابع: ما ورد في تفسير قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (البينة: 7) من كتب الفريقين أنها نزلت في علي (×) وشيعته، كالذي رواه الحسكاني في شواهد التنزيل وموفق بن أحمد في كتاب المناقب بالإسناد عن علي أمير المؤمنين (×) قال: (حدثني رسول الله (’) وأنا مسنده الى صدري، فقال: أي علي، ألم تسمع قول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جثت الأمم للحساب تدعون غرّا محجلين) وهي مما احتج بها أمير المؤمنين على أهل الشورى حينما عدَّد مناقبه وان النبي (’) قال للمسلمين (إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة، فنزلت الآية (فكبرَّ رسول الله (’) وكبرّتم وهنأتموني بأجمعكم فهل تعلمون أن ذلك كذلك؟ قالوا: اللهم نعم) ([13]).

ولكي يتم الاستدلال بالآية على ما نريد نضمّ اليها قوله تعالى (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الملك:2) وقوله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات:13) ونحوهما الدالة على ان معيار التفاضل وتفاوت المنزلة عند الله تعالى هو خير العمل وأحسنه فتتحقق النتيجة وهي أن أكرم الناس وخير البرية هم أهل خير العمل وأفضله وأحسنه وقد أفادت آية البينة أن خير البرية هم علي ومن تمسك بولايته وسار على منهجه، فالنتيجة أن أهل خير العمل هم علي وشيعته المتمسكون بولايته ولازمه ان خير العمل هو هذا.

اذن علينا أيها الاحبة أن نلبي – كل من موقعه: علماء وخطباء ومثقفين وكتّاب وشعراء وناشطين على مواقع التواصل وغير ذلك - هذا النداء (حيَّ على خير العمل) بعد أن نفهم معناه ونواظّب عليه ونبذل وسعنا في دعوة الناس كافة الى الاستجابة لهذا النداء لنكون من خير البرية الذين وصفتهم الآية الكريمة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (البينة: 7)، وقد أتانا الله تعالى من آليات العمل ووسائل التواصل ما يغبطنا عليه سائر الأجيال لسعة الفرصة وقوة التأثير وحسن الاستجابة بتوفيق الله تعالى تمهيداً وتعجيلاً للظهور الميمون المبارك وإقامة دولة العدل الالهية .



([1]) كلمة متلفزة وجهّها سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) الى مؤتمر المبلّغين الذي عقده مكتب المرجع في قم المقدسة يوم الخميس 20/ ذي الحجة/ 1437 الموافق 22/9/2016 بمناسبة عيد الغدير الآغر وقرب حلول موسم التبليغ في شهري محرم وصفر.

([2]) بحار الانوار: 84/144 عن علل الشرائع: 1/258 الباب 182 ح9، عيون أخبار الرضا: 2/105 الباب 34 ح1.

([3]) بحار الانوار: 84/141 عن معاني الاخبار: 42 ح4.

([4]) بحار الانوار: 84/154 عن جامع الأخبار: 171 الحديث 405.

([5]) بحار الأنوار:81: 141 عن معاني الأخبار: 42، وعلل الشرائع: 368 الباب 89.

([6]) بحار الانوار: 84/170.

([7]) بحار الانوار: 84/156 عن دعائم الإسلام: 1/142.

([8]) بحار الانوار: 84/140 عن علل الشرائع: 2/368 الباب 89 ح4.

([9]) معجم رجال الحديث:12/239 في ترجمة علي بن ابي حمزة البطائني عن رجال الكشي رقم 310.

([10]) المغيرة بن شعبة من دهاة العرب وكان له دور خفي في الاحداث منذ عهد رسول الله (’) وما بعده، وغلامه أبو لؤلؤة الفارسي هو من قتل عمر وقد ساعد معاوية في تشييد ملكه فكافئه بولاية الكوفة وتزلّف اليه بأن القى اليه بدعة استخلاف ولده يزيد .

([11]) شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ج5 ص129.

([12]) بحار الأنوار: ج ٢ ص ٣٠.

([13]) راجع مصادر الروايات في تفسير البرهان: 10/206.