(النور 80)

| |عدد القراءات : 1846
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

الزهراء (عليها السلام): الأسوة الحسنة([1])

س1: ما  الذي يضيفه وجود الزهراء (عليها السلام) على الرسالة الإسلامية في مجتمع يرى الرجل مقدّماً على المرأة في أغلب الأمور؟

سماحة الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سادة الخلق أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين.

          بُعث النبي الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم) في مجتمع جاهلي مليء بالفواحش والمنكرات وقد أعطينا صورة عن حاله في كتاب (الأسوة الحسنة)، ومن تلك المنكرات: احتقار المرأة وامتهانها ووصل بهم الأمر إلى قتلها ودفنها وهي حيّة للتخلص منها، وقد وصف الله تبارك وتعالى مشاعرهم عندما تولد لهم بنت بقوله: [وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ] (النحل:59) .

          وقد عالج الشرع المقدس هذا الظلم بعدة أشكال منها:-

1-                التأكيد في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة على حقيقة المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، والثواب والعقاب، ومنها قوله تعالى: [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى] (آل عمران:195) .

2-                ضرب الأمثلة من نساء فضليات لكي يتأسى بها الرجال والنساء وليعلم الرجال قبل النساء أن المرأة يمكن أن تبلغ مراتب سامية يغبطها عليها الرجال كمريم ابنة عمران وامرأة فرعون، قال تعالى: [)وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ] (التحريم:11-12) والآية تصرّح أنهما ضُربتا مثلاً لكل الذين آمنوا سواء كانوا من الرجال أو النساء.

3-                 التهديد والوعيد لمن يقتل المرأة مادياً بوأدها أو معنوياً بإهانتها وظلمها وسحق شخصيتها قال تعالى: [وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ] (التكوير:8-9) وفي الحديث الشريف عن النساء: (ما أكرمهنّ إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم)([2]).

4-                منح الدرجات الرفيعة لمن فرح بكون المولودة بنتاً وأكرم المرأة وأحسن رعايتها، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) بسند عالي الصحة قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة، فقيل: يا رسول الله واثنتين؟ فقال: واثنتين، فقيل: يا رسول الله وواحدة؟ فقال: وواحدة)([3]) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً: (البنات حسنات، والبنون نعمة، والحسنات يثاب عليها، والنعمة يسأل عنها([4])) وعن الإمام الرضا (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن الله تبارك وتعالى على الإناث أرق منه على الذكور، وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرّحه الله تعالى)([5]).

5-                جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو أكرم الخلق وسيدهم أبا بنات، ففي رواية صحيحة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بنات)([6]) بل جعل ذريته من بنته الزهراء (عليها السلام) وسماها بالكوثر التي تعني الخير الكثير، قال تعالى: [إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ] (الكوثر:1).

          وأهم تلك المعالجات ما منَ الله تبارك وتعالى على المسلمين بل جميع الناس بسيدة كريمة هي أكمل الخلق أجمعين بعد أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وزوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فهي سيدة العالمين من الرجال والنساء، ولا يتوهم أحد أنها سيدة نساء العالمين، وإنما هي سيدة العالمين جميعاً من الرجال والنساء لكنها من النساء، وأذكر دليلاً واحداً على ذلك، فقد ذكرت الآيتان في الفقرة (2) أعلاه أن الله تبارك وتعالى جعل مريم ابنة عمران وامرأة فرعون مثلاً وأسوة لجميع الذين آمنوا، ولا شك أن الزهراء (عليها السلام) هي أفضل منهما وأحرى بالتأسي بها.

س2: يتردد على ألسنة الخطباء وفي بعض الكتب أن الزهراء سميت فاطمة لأنها فُطمت هي ومحبوها من النار، فهل هذا معنى يمكن قبوله وأن مجرد حب فاطمة (عليها السلام) ينجي الشخص من دون عمل؟

سماحة الشيخ: يمكن الجواب على عدة مستويات:-

1-                إن هذا المعنى قد ورد في روايات معتبرة وإذا كان الأمر كذلك فعلينا التسليم والقبول لما يصدر عن النبي (صلى الله عليه وآله) وآله المعصومين (عليهم السلام) ولو كان سند الحديث غير معتبر لشككنا في صدوره، ومن الطرق المعتبرة ما رواه محمد بن مسلم قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لفاطمة (عليها السلام) وقفة على باب جهنم، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل: مؤمن أو كافر فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ فاطمة بين عينيه محباً فتقول: إلهي وسيدي سمّيتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وذريتي من النار ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول الله عز وجل: صدقتِ يا فاطمة إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد، وإنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفّعك وليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني ومكانتك عندي فمن قرأتِ بين عينيه مؤمناً فخذي بيده وأدخليه الجنة)([7]).

2-                إن نقل هذا الحديث لم يقتصر على علماء الشيعة بل نقله علماء السنة أيضاً بطرق متعددة، وقد ذكر منها صاحب كتاب (فضائل الخمسة من الصحاح الستة: 3/151) عدة مصادر كتاريخ بغداد للخطيب البغدادي في ترجمة غانم بن حميد الشعيري: 6772 بسنده عن ابن عباس وفي ذخائر العقبى وكنز العمال.

3-                لماذا نستكثر على الله تبارك وتعالى، أن يعطي من غير استحقاق إكراماً لأكمل عباده ولتعريف الخلائق بقرب منزلة الزهراء (عليها السلام) منه تبارك وتعالى، والله تعالى متفضّل منّان يبتدئ بالنعم من غير استحقاق، نَعم المنافي لعدله أن يعاقب من غير ذنب، أما التفضّل بالعطاء من غير استحقاق فهذا مناسب لكرمه.

    وأضرب لك مثلاً من عملكم في الفضائيات، فإن لبعضها برامج مسابقات وإعطاء الجوائز للفائزين، وأحياناً تريد إدارة القناة إعطاء الجوائز بأي شكل لغرضٍ ما كالترويج لها أو لمساعدة الناس، فتسأل الشخص سؤالاً ما فلا يجيب فتبسّط له السؤال فلا يجيب، إلى أن تسأله: ما اسمك؟ وهو يعرفه قطعاً فإذا أجاب هللوا له فرحاً واعتبروه فائزاً وأعطوه الجائزة.

4-                إن الحب الوارد في الرواية لا يراد به الميل العاطفي الذي ربما ينشأ من تعصّب لموروث اجتماعي أو تقليد الآباء والأجداد وهذه مناشئ لا قيمة لها، وإنما يراد به الحب المبني على المعرفة والذي تقترن به ملازماته من اتباع سيرة المحبوب وإدخال الرضا عليه، كما قال الشاعر:

تعصي الإله وأنت تزعم حبه     هذا لعمرك في الفعال بديعُ

لو كان حبّك صادقاً لأطعته        إن المحبَّ لمن أحبَّ مطيعُ

س3: هل تعد الامتيازات التي حظيت بها الزهراء (عليها السلام) حكراً عليها باعتبارها ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أم أن من الممكن أن توجد هذه الصفات (الامتيازات) في امرأة أخرى؟

سماحة الشيخ: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يحابي أحداً أو يجامله على حساب الحق، لأنه كما وصفه ربه: [وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى] (النجم:3-4) وقال تعالى: [وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ،لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ] (الحاقة:44-46).

          وإن موازين التكريم والتفضيل محددة في كتاب الله تعالى [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] (الحجرات:13) أما النسب فلا اثر له بذاته