خطاب المرحلة (73)...حضور الملايين وطلبة الجامعات في زيارة الأربعين أفضل رد على عرقلة العملية السياسية

| |عدد القراءات : 2284
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

حضور الملايين وطلبة الجامعات 

في زيارة الأربعين أفضل رد

على عرقلة العملية السياسية

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة بولاية النبي وآله الأطهار صلى الله عليهم أجمعين.

مرَّ الشعب العراقي بتجربتين لتشكيل الحكومة خلال أقل من عام:

الأولى: في حزيران عام 2004 وترأسها الدكتور أياد علاوي وهي التي تعرف بالحكومة المؤقتة.

الثانية: أفرزتها نتائج الانتخابات العامة التي جرت في الثلاثين من كانون الثاني عام 2005 وهي التي تعرف بالحكومة الانتقالية.

وبالرغم من أن الأولى لم تكن شرعية وفرضتها قوات الاحتلال تحت غطاء مجلس الحكم المعيَّن، إلا أنها مرّت بكل انسيابية ومن دون أي مشكلة وبأسرع وقت.

أما التجربة الثانية، فقد كانت شرعية –في النظام الديمقراطي- لأنها استندت إلى اختيار الشعب الذي هبَّ بشكل منقطع النظير وتحدى الإرهاب الذي أعلن الحرب العامة ضد من يشارك فيها، وانتزعها بجهاده ودمه من المتسلطين الذين لهم مشروعهم المعد سلفاً، وبالرغم من هذه الشرعية إلا أن شهرين مرا ولم تحقق هذه الخطوة الأولى اعني اختيار رئيس للجمعية الوطنية المنتخبة !!

ألا يوحي ذلك إلى أن مؤامرة كبيرة تحاك ضد هذا الشعب، وأن صراعاً بين قوى دولية وإقليمية تتخذ من هذه الأرض المباركة مسرحاً لها من أجل تحقيق مصالحها ومآربها على يد أتباعهم ودماهم المتحركة الذين يستجدون أرزاقهم منهم، وعليهم أن ينفذوا بدقة ما يأمرهم به أسيادهم، أما الشعب المضطهد المحروم الذي يريد أن ينهض من جديد فلا أحد يفكر به ويعمل من اجله إلا أن يلتفت هو إلى عناصر قوته فيستثيرها ويستجمعها ويوظفها لقول كلمته الفاصلة ووقفته الشجاعة.

إنهم حينما أطالوا أمد المفاوضات والمشاركات لتشكيل الحكومة  إنما أرادوا أن يهزموا هذه الأمة ويسلبوا منها انتصارها ويلووا ذراعها حتى تشعر باليأس والإحباط والاستسلام، فحذارِ أن تحقق الأمة لهم أهدافهم وقد نبههم الله تعالى إلى قوتهم وسمو مبدأهم فقال عز من قائل [وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ] (آل عمران: 139) وإنما تكونون اعلون:

أولاً: بإخلاصكم لله تعالى وتطبيقكم الكامل للشريعة قال تعالى [وَلَوْ أَنَّ أهل الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ] (الأعراف:96).

وثانياً: بوحدتكم وتآلفكم وتعاونكم قال تعالى [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا] (آل عمران: 103).

وثالثاً: بتنظيمكم لأموركم وحشد طاقاتكم قال تعالى [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ] (الأنفال: 60) وقال تعالى [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ] (آل عمران: 104)، والأمة هي الجماعة المنظمة التي تتوحد على هدفٍ معين ومصلحة مشتركة وقال أمير المؤمنين (أوصيكم عباد الله بتقوى الله ونظم أموركم).

ورابعاً: بالتفافكم حول قيادتكم الرشيدة وطاعتكم لها قال تعالى [إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا] (المائدة: 55) والعلماء الفقهاء العدول هم ورثة المعصومين (عليهم السلام).

وخامساً: بوعيكم وبصيرتكم وحكمتكم قال تعالى [وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ](الحاقة: 12).

وسادساً: بحضوركم الفاعل والمستمر في الساحة بلا كلل أو ملل قال تعالى [يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ] (الانشقاق:6)  وقال الإمام (عليه السلام) (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا).

إنها مواجهة ذات محاور عديدة وخنادق متعددة، والعملية السياسية واحدة من تلك المواجهات التي تحتاج إلى وعي عميق وحكمة دقيقة وحضور فاعل ومستمر في الساحة، إنهم يشعرون بالخيبة والخسران حين عجزوا عن اختراق الأمة وتغيير معالم شخصيتها، ويحاولون بشتى الطرق أن يعيقوا انبعاثها وانطلاقها نحو الحرية والكمال.

ومن هنا كانت الحشود المليونية التي زحفت سيراً على الأقدام إلى كربلاء المقدسة وقطع بعضهم مئات الكيلومترات لم يصحب أحدهم طعاماً ولا فراشاً ومع ذلك فلم يحتج إلى شيء؛ لأن الشعب بكل فئاته هبَّ لإنجاح هذه الفعالية المباركة، وحتى أن بعض الإخوة المسيحيين شاركوا في تلك المسيرات لأنهم يعلمون أن الإمام الحسين (عليه السلام) ليس رمزاً وأسوة للمسلمين فقط وإنما للإنسانية جمعاء، وسيظل الإمام الحسين مدرسة للأجيال ما دام هناك ظلم قائم وفئة مستأثرة وحق مهتضم وتسلط بغير حق وإقصاء لأولياء أمر الأمة الحقيقيين.

إن هذه المشاركة أفضل ردٍ توجهه الأمة لهؤلاء الذين يريدون سرقة انتصارها في يوم الانتخابات وليكسروا إرادتها حتى تستسلم لما يريدون، ولكنها أثبتت أن إرادتها لا تلين وأنها مستعدة لكل التحديات، كما واجهت من قبل بطش صدام الذي لم يشهد مثله شعب عبر التأريخ والجغرافيا وأنها تبقى تطالب بحقوقها بلا كلل أو ملل.

وكان من أروع ما تضمنته هذه المناسبة الموكب الحاشد المهيب لطلبة الجامعات والمعاهد العراقية الذي قدرت اللجنة المكلفة من رئاسة جامعة بابل بتنظيم المناسبة عددهم بخمسة وثلاثين ألفاً، تجمعوا في مدينة الحلة قبل أن يسيروا مشياً على الأقدام إلى كربلاء([1]) ليواسوا أهلها، وكل الشعب العراقي المفجوع بالأبرياء الذين سقطوا شهداء وجرحى نتيجة جرائم الطائفية الحاقدة والتكفير الأعمى وطمع عباد الهوى والشيطان، وليوجهوا رسالة إلى الأشقاء من دول الجوار الذين يغذون الإرهاب ويوجهونه ويمدونه، وليثبتوا انتماءهم إلى الإسلام والى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بعد أن حاول الأعداء النفخ في حادثة السفرة الطلابية لكلية الهندسة في جامعة البصرة([2]) والتي استدرج فيها الطرفان لتصرفات سيئة كان الهدف منها تسقيط سمعة الإسلام والتنفير من نظامه السامي والإيحاء بأنه غير حضاري ويستخدم العنف لتطبيق برامجه.

فجاءت هذه الجموع الهائلة من كل جامعات العراق لتبرز هويتها الإسلامية الأصيلة، ولتثبت أن الشعائر الحسينية ليست انفعالات وردود فعل عاطفية هوجاء لا معنى لها، وإنما هي مدرسة يستلهم منها العلماء والمفكرون وطالبوا الفضيلة كل معاني السمو والكمال، وبهذا وغيره من عناصر القوة اكتسب موكب طلبة الجامعات أهميته لأنه منظم أولاً وذو أهداف محددة وواضحة ثانياً ولأنه يمثل شريحة علمية ثقافية مهمة في المجتمع ثالثاً، وهذه الأمور حينما تصدر من مجموعة ولو قليلة فإنها أكثر تأثيراً في قلوب الأعداء من عملية غير منظمة مهما كثر عدد أفرادها.

فحق لنا أن نفتخر بكل الذين احيوا زيارة الأربعين وساهموا في إظهارها بهذه العظمة والعزة التي تليق بريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسبطه وسيد شباب أهل الجنة وموقفه الإنساني النبيل.

 

محمد اليعقوبي

النجف الأشرف / 20 صفر 1426



([1]) المسافة بين الحلة وكربلاء هي (42) كيلو متراً قطعها الطلبة يوم التاسع عشر من صفر ابتداءً من بعد صلاة الفجر.

([2]) في يوم الثلاثاء 4 صفر 1426 المصادف 15/3/2005 خرج مئات من طلبة وطالبات كلية الهندسة في جامعة البصرة في سفرة طلابية إلى حدائق الأندلس في المدينة وقام عشرات منهم بالغناء والمرح مما استفز مشاعر الناس لمنافاتها للدين والأخلاق وللحزن الذي يسود المجتمع في شهري محرم وصفر، لكن إحدى الجهات المنتسبة للدين هاجمتهم بقسوة بـ(العصي والكيبلات) والإطلاقات النارية فأصابت عدداً منهم وتلاقفت وسائل الإعلام الحادثة بسرعة وكأن الأمر قد خُطط له.