خطاب المرحلة (225)... النية تزكي العمل وتنمّيه

| |عدد القراءات : 1884
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

 بسم الله الرحمن الرحيم

النية تزكي العمل وتنمّيه ([1])

 يستطيع الإنسان تنمية عمله وتزكيته وتكثيره بالنية، وهذا أحد معاني الحديث الشريف (نية المؤمن خير من عمله) لأن العمل واحد ولكن النية تكثره وتنوّعه وتضاعفه، فتكون النية حينئذٍ خيراً من العمل نفسه.

خذ لذلك مثلاً حينما يريد الشاب أن يتزوج، فإنه عمل مبارك يقيم به سنة الله تبارك وتعالى وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (النكاح سنتي) فيؤجر على ذلك، ولكن أجره يمكن أن يزداد بإضافة نية أخرى وهي أنه بزواجه وإنجابه سيزيد من عدد النسمات الصالحة في البشرية وعدد الموحدين الذين يثقلون الأرض بكلمة (لا إله إلا الله) ويكون مشمولاً بشكل من الأشكال بحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (يا علي لئن يهدي الله بك رجلاً خير مما طلعت عليه الشمس وما غربت) لأن إنجاب ولد صالح إسهامة في زيادة عدد الصالحين كما لو أصلح رجلاً فاسداً ومنحرفاً.

ويمكن أن يزيد أجره بإضافة نية أخرى وهي إدخال السرور على قلب المؤمنة التي يتزوجها حيث أنها بالزواج تجد نفسها وتعزّز مكانتها وتزيد من قيمتها، والزوج يوفر لها هذه الفرصة ويحقق أمنيتها ويدخل السرور عليها، فيحصل على ما وعد به المعصومون (سلام الله عليهم) من الثواب العظيم على هذا العمل بحيث ورد في بعض الأحاديث ما مضمونه (من سرَّ مؤمناً فقد والله أدخل السرور أولاً على الله تبارك وتعالى وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ).

ويمكن أن يضيف نية أخرى بأنه من خلال التزويج يساهم في إصلاح المجتمع وعلاج مفاسده الأخلاقية لما في الزواج من إحصان واطمئنان واستقرار ففي الحديث (إلا تفعلوه –أي التزويج - تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

وهكذا نلاحظ أن عملاً واحداً ـ وهو الزواج في المثال ـ كيف ضاعفت النية الصالحة ثوابه وعظمت شأنه فإذا استطعنا أن نلتفت إلى هذا اللطف الإلهي في كل أعمالنا فإنه سيكون سبباً لنيل مزيد من الثواب ورضا الله تبارك وتعالى ونعوّض بذلك قصر أعمارنا في هذه الدنيا وعدم استيعابها لكثير من فعل الخيرات، وهذه كلها من ثمرات ذكر الله تبارك وتعالى في أغلب الأحوال والحياة في حضرته المقدّسة، فإن المؤمن لا يستطيع أن يستحضر كل هذه النيات إذا لم يكن ذاكراً لله تبارك وتعالى وحاضراً عنده تبارك وتعالى.

وهذه الالتفاتة من أسباب زيادة الهمّة في العمل الصالح والمسارعة إليه وعدم الاكتراث بصعوباته ومعوقاته، تذكّروا –أيها الأحبة- وأنتم تتوجهون إلى كربلاء المقدّسة مشياً على الأقدام من مدن بعيدة تصل إلى مئات الكيلومترات للتشرف بزيارة الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في ليلة النصف من شعبان وإحياء ذكرى ميلاد المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه)، تذكّروا ما أعدّ الله تعالى من الكرامة لمن زار الحسين (عليه السلام) معتقداً بولايته عارفاً بحقه ناصراً له ولقضيته التي خرج من أجلها وهو الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتشملكم بذلك دعوات الإمام الصادق (عليه السلام) لزائري قبر جدّه.

فإذا كانت هذه الزيارة هي زيارة النصف من شعبان التي ورد فيها أن (من أراد أن يصافحه مئة وأربعة وعشرون ألف نبي فليزر الحسين (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان فكم سيتضاعف الأجر؟

وإذا كان الزائر يسير على قدميه ولو لمسافة قصيرة فإن الحديث الشريف يعده بكتابة حسنة كلما رفع قدماً ومحو سيئة كلما وضعها وغيرها من الأجر.

وإذا أضاف لذلك نية تعظيم الشعائر وإظهار عزة أهل البيت (عليهم السلام) وعلو مكانتهم وإظهار حقهم ومظلوميتهم والفرح بميلاد منقذ البشرية من الضلالة ومقيم دولة الحق والعدل فإن قيمة عمله ستزداد بلطف الله تبارك وتعالى.

وله أن يزيد قيمة العمل أكثر بإهدائه إلى المعصومين الأربعة عشر (سلام الله عليهم) فإنهم بكرمهم سيتقبّلون الهدية ويباركونها ويردُّون الفعل الجميل بأجمل وأحسن منه.كما ورد في الدعاء (مني ما يليق بلؤمي ومنك ما يليق بكرمك) وكما قال إخوة يوسف لأخيهم لما وردوا مصراً [وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ] لكنه (عليه السلام) أكرمهم ورفع من شأنهم بما يليق بكرمه وليس بما يليق بفعلهم.

وهذه الالتفاتة  تنفعكم –أيها الأحبة- على صعيد الأحكام الشرعية من خلال تداخل الأعمال والنيات، كمن  أجنب يوم الجمعة فإنه ينوي بغسله الجنابة والجمعة فيؤجر لهما وقد ينوي أيضاً غسل التوبة أو غسل يوم المبعث النبوي أو الغدير إذا صادفا ذلك وهكذا.

أو على صعيد الصلاة فلو فرضنا أن همّته قصرت عن صلاة أربع ركعات نافلة المغرب وركعتي صلاة الغفيلة بين المغرب والعشاء فيجوز له أن ينوي بصلاة الغفيلة أنها ركعتان من نافلة المغرب، وهذا طبعاً في الموارد القابلة للتداخل.

وهذا الباب الواسع من الألطاف الإلهية يحتاج إلى التفات وحضور وقبل كل شيء يحتاج إلى معرفة لذا ورد في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) (أول الدين معرفته) وبدون معرفة  كيف سيلتفت الإنسان إلى مثل هذه الأمور.

وزيادة على ما مضى فإن مجرد النية الصالحة لأعمال الخير توجب الثواب للإنسان وإن لم يعمل، كما لو نوى أن لا يظلم أحداً وأضمر في نفسه الخير والرحمة لكل الناس لذا ورد عن المعصومين (عليهم السلام) أن من أهم الأعمال أن يصبح الإنسان ويمسي وهو لا يهمّ بظلم أحد.

وهكذا ينوي أن يبرَّ والديه وأن يحسن إلى جيرانه وأن يقضي حوائج الناس وغيرها من الأعمال الصالحة فيؤجره الله تبارك وتعالى حتى لو لم تتيسّر له الأسباب لإنجازها ما دام صادقاً في عزمه مخلصاً في نيته.

وقد ورد أن أحد أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) قال بعد نصر الله الحق في معركة الجمل: وددت أن أخي فلاناً كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعدائك.

فقال (عليه السلام): أهوى أخيكَ معنا؟

قال: نعم يا أمير المؤمنين.

قال (عليه السلام): فقد شهدنا، ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء سيرعف بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان.



([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع حشد من المواكب المتوجهة إلى كربلاء المقدسة من عدة مدن في الجنوب لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) مشياً على الأقدام يوم الاثنين 11 شعبان 1430 المصادف 6/8/2009.