أسعد الناس في حياته

| |عدد القراءات : 2229
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

أسعد الناس في حياته ([1])

روى علي بن شعيب قال (دخلت على أبي الحسن الرضا (×) فقال لي: يا علي من أحسن الناس معاشاً؟ فقلت: أنت يا سيدي أعلم به مني، فقال (×) : يا علي من حُسن معاش غيره في معاشه، يا علي من أسوأ الناس معاشاً؟ قلت أنت أعلم، فقال (×) : من لم يعيِّش غيره في معاشه) ([2]) .

حينما يريد الائمة (^) إيصال معنى مهم إلى الأمة فأنهم لا ينتظرون من يسألهم عنه وإنما يبتدئون الناس بالمسألة كما في هذه الرواية حيث يعرض الامام الرضا (×) أمراً مهماً يبحث عنه كل الناس وهو كيف يكون الإنسان سعيداً بل يكون أسعد الناس وأحسنهم حياة مليئة بالاطمئنان والراحة.

فيجيب الامام (×) انه من كانت حياته سبباً لإسعاد الآخرين وان الناس يكونون في حالة حسنة بوجوده واضرب أمثلة لتوضيح الفكرة، ولنبدأ من داخل الأسرة فعندما يكون الأب رحيماً شفيقاً شفافاً متواضعاً حريصاً على توفير ما يحتاجه أفراد الأسرة ويعتني بتربيتهم وتثقيفهم ويعينهم على النجاح والتفوق في حياتهم ويجعل لهم شأناً كبيراً في المجتمع فأنه يكون من أحسن الناس معاشاً، واذا كان فظاً غليظاً قاسياً مستكبراً بخيلاً متأمراً على أفراد اسرته ويهينهم ولا يحترمهم أمام الآخرين ويجعلهم أدوات لنزعاته واهوائه المريضة بحيث تكون حياتهم نكدة في وجوده فأنه يكون من أسوأ الناس معاشاً.

والمثال الثاني المعلّم الذي يتفانى في تدريس طلابه وتفهيمهم ويتفقدهم ويسأل عن أحوالهم ويساعدهم على تحقيق آمالهم وطموحاتهم ويحرص على تهذيب أخلاقهم وتربيتهم الصالحة ويكون كالأب الرحيم الشفيق فأنه يكون سعيداً في حياته، ويكون عكس ذلك لو قصّر في أداء واجبه التعليمي والأخلاقي وأهمل الطلبة وادّى بهم إلى الفشل.

والمثال الآخر رجال الاعمال فان منهم من يجعل همه توفير فرص العمل للناس ليعيشوا بكرامة ويغدق على العاملين ويفرحهم ويحسن اليهم ويتغافل عن اخطائهم ويقدر جهودهم ويؤهلهم ليكونوا هم رجال أعمال مستقلين ولا يخشى من منافستهم، واذا عرض عليه مشروعان أحدهما فيه ربح أقل الا أنه يشغّل عمالاً أكثر والآخر بالعكس اختار الأول لأنه يفكر بالناس أكثر من تفكيره بنفسه، فهذا يكون من أحسن الناس معاشاً. وآخر يقتصر في تفكيره على زيادة ثروته فيقتّر على العاملين ولا يعطيهم الأجور التي يستحقونها ولا يكافئهم على جهودهم ويسرِّح العاملين دون التفكير في مصيره وعائلته.

وهكذا ننتقل بالأمثلة إلى ان نصل إلى الزعماء السياسيين فمنهم من يكون غاية همه إسعاد الناس وتحقيق العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان وتحسين أحوال العباد والبلاد لتكون مزدهرة ومتحضّرة فيتنعم الناس بوجوده ويدعون له فيكون من أحسن الناس معاشاً، بينما يتخذ بعض آخر موقعه في السلطة غنيمة لجني المكاسب الشخصية ويستبّد بالأمور ولا يفكّر بأحوال الناس ولا يهتم بمعاناتهم وضياع حقوقهم وحرمانهم من أبسط الحقوق المعاشية فأن هذا من أسوأ الناس معاشاً.

ثم نصل بالأمثلة إلى علماء الدين فإن منهم من يكرّس نفسه لهداية الناس وإصلاحهم وإرشادهم وتوجيههم وتعليمهم احكام الدين وقضاء حوائجهم ويدافع عن حقوقهم في نيل حياة حرة كريمة حتى انه يضحّي بنفسه على هذا الطريق ذي الشوكة فهذا من أحسن الناس معاشاً، وآخر يهتم بمصالح نفسه وتعظيم خزائنه وبسط نفوذه وهيمنته بلباس الدين الذي ارتداه ليضفي على نفسه القداسة ولا يرى الناس الا جسراً لتحقيق مآربه فيقدمهم قرابين لأنانيته وليس لهم عنده الا التقديس والخضوع والمسارعة إلى تنفيذ ما يريد فهذا من أسوأ الناس معاشاً.

وقد تقول إننا نرى هذه الأمثلة معكوسة على أرض الواقع فكم من مخادع ماكر أناني فاسد متنصل عن مسؤوليته يعيش في رغد وترف، وجوابه ان هذه على مستوى المظاهر فقط اما في حقيقته فهو لا يخرج عمّا ذكرناه لذا تجد أكثر نسب الانتحار والأمراض النفسية لدى شعوب الدول المترفة، وان كان في غفلة عن هذا فسوف تنكشف له الحقائق في الآخرة ويرى الحال السيئ الذي هو فيه.

والخلاصة ان علينا ان نكون سبباً لخير الناس وسعادتهم وتحسين معاشهم بأوسع صورة ممكنة والله هو المتفضل المنّان.



([1]) تقرير لحديث سماحة المرجع الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من الشباب والزوار يوم الثلاثاء 16 / ذ ح / 1439 الموافق 28 / 8 / 2018

([2]) تحف العقول: 329 ، بحار الأنوار: 78/341