في ذكرى استشهاد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) مسؤولية المرجعية عن بيان خصائص أتباعها

| |عدد القراءات : 6564
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

في ذكرى استشهاد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)

مسؤولية المرجعية عن بيان خصائص أتباعها

تسمى الشيعة الأمامية الاثنا عشرية بـ(الجعفرية) نسبة إلى الإمام الصادق جعفر بن محمد (صلوات الله عليهما وعلى آبائهما) وهو شرف عظيم في الدنيا والآخرة [يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً، وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً] (الإسراء: 71-72).

فيُدعى الشيعة بأئمتهم من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ويدعى الآخرون بأئمتهم الذين أطاعوهم واتبعوهم من شياطين الإنس والجن ونعم الحكم الله تبارك وتعالى.

والسؤال هو أنه لماذا اختص الإمام الصادق (عليه السلام) بالانتساب إليه والشيعة أتباع جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وبقية الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم.

وقد أجيب هذا السؤال بأن فقه الأمامية وأحكامهم وتفاصيل عقائدهم أخذت بشكل رئيسي من الإمام الصادق (عليه السلام) فيُعدّ هو مشيد أركان هذه الطائفة المباركة.

وهو جواب يشهد له الواقع فإن أكثر الأحكام الفقهية المروية عنه سلام الله عليه، باعتبار الفسحة الواسعة التي سنحت له أبان الدولة الأموية وانهيارها وبداية تأسيس الدولة العباسية وازدهار الحياة العلمية في تلك الفترة.

وذكر سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في إحدى خطبه وجهاً آخر وهو أن تشكل المذاهب الإسلامية والطوائف بدأ في زمان الإمام الصادق وما بعده ومن الطبيعي أن تنسب كل طائفة إلى زعيمها المعاصر فنسبت الشيعة إلى الإمام الصادق (عليه السلام).

وهو وجه مقبول أيضا وبدأت هذه النسبة بالانتشار في نفس زمان الإمام (عليه السلام) بحيث يقال هذا جعفري وقد نشأت من هذه الحالة مسؤولية على الإمام (عليه السلام) أن يبين معالم مدرسته وخصوصياتها وصفات من ينتسب إليها؛ لأن أي حسنة تصدر من أصحابه تحسب له وأي سيئة -والعياذ بالله- تحسب عليه بشكل من الأشكال ويتحمل مسؤوليتها من وجهة نظر البعض، لذا ورد في تفسير قوله تعالى مخاطباً نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)[لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ] (الفتح:2)، عدة وجوه احدها أن الله تعالى يزيل عنه أثار التبعات التي تحسب عليه بسبب تصرفات أتباعه وهو برئ عنها ورافض لها.

وقد سبقه جدّه إبراهيم خليل الرحمن (صلوات الله عليه) بقوله: [رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ] (إبراهيم:36).

وفي هذا الصدد وردت روايات عديدة عن الإمام الصادق (عليه السلام(

منها: عن زيد الشحام قال: قال لي أبو عبد الله(عليه السلام) (اقرأ على من ترى أنه يطيعني منهم ويأخذوا بقولي السلام، وأوصيكم بتقوى الله عز وجل، والورع في دينكم والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها براً أو فاجراً، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صلوا عشائركم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس، قيل هذا جعفري، فيسرّني ذلك ويدخل عليّ منه السرور، وقيل هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل علي بلاؤه وعاره، وقيل هذا أدب جعفر)( )  الحديث.

وقال (عليه السلام): (إنما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده وعمل لخالقه ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر.

ومن خلال هذا الحديث بيّن الأئمة سلام الله عليهم ما يجب أن تتوفر في المسلم من صفات ليكون شيعياً وألّف الشيح الصدوق (رضوان الله عليه) كتاباً في ذلك سماه (صفات الشيعة) وليقيموا الحجّة على المدّعين لهذا الشرف العظيم.

وكانت الحالة تقتضي أحياناً أن يصدر الإمام (عليه السلام) براءة ولعناً صريحين في بعض الأشخاص لعزلهم عن الأمة كالمغيرة بن سعيد الذي قال فيه الإمام الصادق (عليه السلام) (لعن الله المغيرة بن سعيد انه كان يكذب على أبي فأذاقه الله حر الحديد).

وفي الحقيقة فإن الإمام (عليه السلام) حينما يبين صفات شيعته بهذا الوضوح إنما يوجه رسائل لعدة فئات:-

1- شيعته ليبيّن لهم واجباتهم.

2- الذين يدّعون الانتساب إليه نفاقا لتحقيق مآربهم وخداع الأمة لفضحهم وكشف زيفهم حينما يقارن الناس بين أفعالهم وبين ما يريده الإمام (عليه السلام) منهم.

3- الفئات الأخرى من غير أتباعه ليدعوهم إلى هذا الحق الصريح ويقيم الحجة عليهم وليقول لهم أن منهجاً بهذه التفاصيل أحق أن يتّبع.

4- أعدائه الذين يسعون إلى قتله معنويا ومحاربته وتصفيته جسدياً بأن من كان على هذا الهدى هل يستحق منكم ما تفعلون به؟

وهذه مسؤولية لا تختص بالإمام الصادق لان هذه النسبة يمكن أن تحصل باستمرار لكثير من القادة والمرجعيات، فعلى المراجع الذين يُنظر إليهم كامتداد للائمة المعصومين (سلام الله عليهم) أن يعوا هذه المسؤولية ويتحمّلوها أمام الأمة فيوضحوا لهم ما يجب أن يتصفوا به ويتبرأوا ممن لا يلتزم بتلك الأوصاف، وإلا فإن الأخطاء والمظالم والذنوب ستحسب عليهم، كما ترون اليوم أن الذين تلفّعوا بعباءة المرجعية وتصدّوا للحكم فإن الناس لا تقتصر باللوم عليهم لسوء تصرفاتهم وإنما تنتقد المرجعية التي دعت الناس لانتخابهم ثم تخلت عن مسؤولياتها في تقويم المسيرة وردع المسيء وإنصاف المظلوم.

إن الذين يدّعون الانتساب إلى فئة شريفة ولا يلتزمون بتعاليمها هم اشد خطراً عليها من أعدائها الخارجيين لأنهم ينخرون بناءها من داخلها فلابد من فضحهم والبراءة منهم لدفع خطرهم.