حوارات سياسية شيعة العراق وبناء الدولة والأمة

| |عدد القراءات : 4160
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

حوارات سياسية

شيعة العراق وبناء الدولة والأمة

إني طالب دكتوراه في اختصاص علم الاجتماع في جامعة بغداد، وعنوان أطروحتي (شيعة العراق وبناء الدولة والأمة، تجربة بناء الدولة والأمة في العراق بعد عام 2003)، وأتوجه اليكم بمجموعة من الاسئلة لإغناء أطروحتي بفكركم القيادي النيِّر.

س1/ ما هو افضل نظام للحكم في العراق الراهن ينبغي تبنيه يضمن احترام الدين والحريات معاً؟

بسمه تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    قبل الاجابة لابد من الاشارة الى انه لا غنى عن المجلدات الثمانية لكتاب (خطابات المرحلة) الذي واكب الاحداث والمواقف والقضايا خلال السنين الماضية لان فيها تفاصيل دقيقة .

اما هنا فأجيب باختصار بعون الله تعالى بحسب ترتيب الاسئلة:

1-      نظام الحكم المناسب في العراق هو النظام البرلماني المعمول به حاليا وقد ثقّفنا عليه قبل كتابة الدستور، ثم افرزت الحاجة لأجراء عدة تعديلات ذكرناها في عدة خطابات بمناسبات عديدة، (منها) رعاية حقوق كل مكونات الشعب بغض النظر عن الاستحقاق الانتخابي، و(منها) تعديل قانون الانتخابات ليمنع من استئثار الكتل الكبيرة المهيمنة على السلطة و(منها) زيادة صلاحيات المحافظات وتطوير قدراتها في الادارة اللامركزية و(منها) ان يكون اختيار المحافظين بالاقتراع  المباشر من قبل ناخبي المحافظة و(منها) تقوية المؤسسات الرقابية وذات الطبيعة المستقلة كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية وديوان المفتشين العموميين وابعادها عن المحاصصة الحزبية ويحسُنُ ترشيح رؤسائها من احزاب المعارضة لتقوية عمل  المعارضة وتقليل الصراع على مغانم الحكومة، ونحو ذلك من المقترحات التي لا تتحمس لها الكتل المتنفذة الا اذا تعرضت لضغوط مرجعية او شعبية او دولية او احرجت اعلامياً او اقتنعت بمصلحةٍ ما لها، لذلك فقد أقرّت بعض هذه القوانين، ولم يُقر البعض الآخر.

وقد تقول انه اذا كان النظام المعمول به مناسبا للوضع في العراق فلماذا هذا التردي في اوضاعه، واقول في الجواب ان  المظالم والمفاسد التي حدثت في العملية السياسية ودفع ثمنها الشعب إنما هي بسبب سوء تصرف الاحزاب الحاكمة واستئثارها واستبدادها مع سوء اختيار غالبية الشعب لقياداتها واولياء امورها وتدخل الدول الخارجية ونحو ذلك من الاسباب التي فصّلتها في كتاب (خطاب المرحلة).

س2/ ما رأي سماحتكم إذا ما أختار الشعب رئيس الحكومة – رئيس الوزراء – من غير الشيعة (سني، علماني، غير مسلم) لحكم العراق؟

الجواب: مادام الشعب قد وافق على الدستور فيجب عليه العمل به والدستور لا يشترط كون رئيس الحكومة شيعياً لكن الشيعة هم الاغلبية ومن مبادئ الديمقراطية التي يكفلها الدستور حفظ حق الاغلبية في تشكيل الحكومة، فكون رئيس الحكومة شيعيا هو افراز طبيعي للنظام الديموقراطي.

س3/ ما هي المشتركات التي على أساسها يريد شيعة العراق بناء الدولة مع الآخرين مثل (السنة، الاكراد، العلمانيون، والأقليات)؟

الجواب: نحن ندعو الى قيام الدولة على اساس المواطنة وان العراقيين جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات وهذا الاساس هو الذي يوحّد العراقيين ويذّوب التعصبات القومية والطائفية، والشعب العراقي بطبيعته يحب هويته الوطنية وركزنّا على هذا المعنى في خطاباتنا وذكرتُ اننا صرنا ننتظر فوز المنتخب العراقي ببطولة ما ليتوحد العراقيون بفرحة وطنية بعد ان فشل السياسيون بشكل مأساوي في حفظ وحدة العراقيين.

س4/ لماذا يريد الشيعة أن يكون الاخر المذهبي والقومي جزءاً من بناء الدولة في العراق؟

الجواب: لانهم شركاؤهم في التاريخ والجغرافية والهموم والمشاعر، ولا استقرار ولا امن ولا ازدهار للعراق من دون الحالة التكاملية لمكوناته وان يحصل الجميع على استحقاقاتهم ويشعرون بكرامتهم ومواطنتهم ويجب حفظ حقوق الجميع في المشاركة في ادارة البلاد، والاستئثار والتفرد هو سبب الصراعات، ولي خطاب شرحت فيه كلمة امير المؤمنين (عليه السلام) في تحليله لسبب الثورة على الخليفة عثمان بقوله(عليه السلام) (استأثر فأساء الاثرة).

س5/ لماذا لا يطالب الشيعة بتأسيس - حكم شيعي – كما يطالب الاكراد بتأسيس دولة كردية؟

الجواب: اذا كان المقصود بالحكم الشيعي  حكماً ينفرد الشيعة بإدارته ويكون مفروضاً على الاخرين فقد رفضناه في الاجوبة السابقة، واذا كان المقصود حكما شيعيا على اساس الفصل بين المكونات وتقسيم العراق وفرز مساحة يحكمها الشيعة وأخرى للسنة ونحو ذلك، فهذا مرفوض لأمور:

أ- الشيعة بطبعهم يحبون التعايش بسلام مع الاخرين مهما كانت بينهم اختلافات دينية او مذهبية او قومية والشواهد التاريخية والحاضرة اكثر من ان تحصى، لاحظ مثلا عندما حصل التهجير القسري من محافظات شمال العراق بعد سقوط الموصل فتحت النجف وكربلاء ابوابها للنازحين من دون تمييز بين المسلم والمسيحي والآيزيدي، وهذه من الادبيات التي تعلموها من ائمتهم (عليهم السلام).

ب- ان التعايش والتنوع مصدر غنى وسعادة للجميع أما التكتلات والتخندقات والتعصبات والتقسيمات فتذكي الكراهية والصدام والتقاطع مما يسبب هدر الطاقات والموارد والاوقات الثمينة، فتقسيم العراق لا يحل المشكلة وانما يكون سببا لصراعات من نوع اخر قد تستعصي على الحل، باعتبار ان المختلفين حينما يكونون في بلد واحد وبرلمان واحد وحكومة واحدة فانه يساعد على الحوار والوصول الى الحل.

ج – ان الشعب العراقي بسنته وشيعته ومسيحييه متداخل ومتشابك العلاقات وليس منعزلا في كانتونات حتى يمكن تصور امارات قومية او طائفية.

س6/ ما الذي يحتاجه العراقيون لمزيد من الاندماج والتقارب بين جماعاتهم المختلفة دينياً ومذهبياً وقومياً؟ ما الذي لم يتم حتى الان (عملياً) بهذا الخصوص؟

الجواب: لم يحصل انجاز في هذا الاتجاه بل على العكس فقد حصل تراجع وتفكك في الصلات الوثيقة التي كانت بين المكونات، والسبب  في ذلك ليس عقائديا لان التنوع في العقيدة كان موجوداً ولم يؤدّي الى هذا الانفصال وانما بالصراعات السياسية وسوء تصرف السياسيين الذين وجدوا ان الشحن الطائفي والتخندقات القومية والمذهبية  تخدم مصالحهم وتطيل بقائهم في السلطة فأثاروا الخلافات واجّجوها ولازالوا يعتاشون عليها ومن ورائهم مصالح الدول الاقليمية والخارجية التي يدورون في فلكها وينفذون اجنداتها، وهكذا ذابت قيم التوحد والتعايش ونشأت على انقاضها قيم الكراهية والعنصرية والتمزق وذهب ضحيتها الشعب المسكين الذي لم يحصد منها الا الموت والخراب.

ولا ينصلح الحال الا بوجود قوة مصلُّحة ومخلصة وشجاعة قادرة على الزام السياسيين بمسؤولياتهم وطرد الفاسد منهم ولا يقدر على اداء هذا الدور غير المرجعية الدينية التي تملك زمام الامور، اما ما نحتاجه فهو وجود ارادة مخلصة جديّة لدى السياسيين للإصلاح والتغيير نحو الافضل، وحوار شفاف منفتح، وتغليب للمصالح العليا، والاستعانة بالخبرات والكفاءات في جميع المجالات لوضع خطط مدروسة وناجحة، ونهضة فكرية يشارك فيها العلماء والمثقفون والإعلاميون والكتّاب لتأسيس ثقافة صالحة لحياة سعيدة وازالة العقد الفكرية  والاجتماعية التي ساعدت على تأزيم المواقف، وامور اخرى.

س7/ هل الاسلاميون الشيعة في المجال السياسي، يمارسون فعلاً الاسلام السياسي؟ ما هي معالم هذا الاسلام السياسي؟

الجواب: لا ارى الاحزاب الاسلامية السياسية (السنّية والشيعية في العراق وغيره كمصر وتونس وليبيا) قد نجحت في عرض المشروع الاسلامي بل على العكس فانها اساءت اليه وشوّهته وخلقت حالة النفور منه بسبب سوء ادارتها وفشلها في كل الملفات وانغماسها في فساد هائل فاق حد التصور، وبرغم الخسائر التي تكبّدناها من جراء حكمهم الفاشل الا ان الخسارة الاكبر هي هذه اي الشعور بالإحباط لدى ابناء الاسلام بإقامة حكم الاسلام النقي الناصع، وهدر الرصيد الهائل من التضحيات والجهود خلال العقود الماضية (راجع خطاب ثورة مصر على حكم مرسي في المجلد الثامن وخطابات كثيرة عن الوضع في العراق).

س8/ عند تعارض المصالح المشروعة بين شيعة العراق، والشيعة في دول مجاورة مثل (ايران، السعودية، الكويت) ما هو التكليف الشرعي بشأن ذلك؟

الجواب: لا اجد واقعا لهذا الفرض وليس له اي مسوِّغ لان الشيعة في كل بلد مواطنون في ذلك البلد ويلتزمون بقوانينه، وبالمقابل يجب على الحكومات ان تعاملهم على اساس المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وستنشأ حينئذٍ علاقات ودية تضامنية بين الحكومات والشعوب

س9/ هناك بعض الاحكام الشرعية التي تتعارض مع القوانين الوضعية للدولة.....مثل احياء اراضي الموات العائدة - ملكيتها للدولة-أو القصاص والديات والاحكام الجزائية الوضعية، أو أخذ الجزية من الذمي على الرغم من تساويهم في المواطنة بالقانون، و....الخ) ما هو التكليف الشرعي بشأن ذلك؟

الجواب: تعهّد الدستور الذي صوّت عليه الاغلبية الساحقة للشعب على عدم سنِّ قوانين تعارض ثوابت الاسلام، ويجب الالتزام بهذا التعهد، ولا يجوز التبعيض في الالتزام بالدستور فيأخذ كل طرف  بما يوافق مصالحه واهواءه، فلا بد من معالجة القوانين المخالفة للدين الاسلامي. وان الفقه الشيعي يحترم نظام الدولة ومؤسساتها ويلتزم بالقوانين المعمول بها ويمنع من مخالفتها.

وان احكام الشريعة الاسلامية تستند الى قواعد واصول مرنة ومجال الاجتهاد فيها واسع وظروف تطبيقها مختلفة وهذه من محاسن مذهب اهل البيت (عليهم السلام) وقد اثبت فقهاء الإمامية على مرِّ التاريخ قدرتهم على التكيّف مع تطورات الحياة ومستجداتها فلا خشية من هذه الناحية كما ان القوانين الوضعية قابلة للتعديل والتغيير وفق متطلبات  المصالح الآنية والاستراتيجية ولكل حادث حديث.

س10/ إذا ما توافقت اختيارات السياسيين  مع رؤى الشعب في قضية ما، إلا انها لا توافق رأي المرجعية، ما هو موقفكم بشأن ذلك؟

الجواب: المبادئ الانسانية لا تختلف بين العقل والدين ولا تتعارض وباب المرجعية مفتوح فيمكن محاورتها للوصول الى قناعة مشتركة.

س11/ صناعة الهوية الوطنية غالباً ما تكون بحاجة الى التعريف بالـ(نحن) والـ(هم).. من هو الآخر العدو بالنسبة للعراق بعد العام 2003 برأي سماحتكم؟ وما هي العقيدة السياسية الأصلح التي ترشدون السياسيين لتبنيها في بناء الدولة العراقية؟

الجواب:(نحن) نعني بها من ينتمى الى هذا الوطن المسمى العراق بتمام ترابه، ويحرص على عزّته وكرامته وسيادته وازدهاره، ويشعر بالشراكة الكاملة في الحقوق والواجبات مع المواطنين الاخرين ولا يتميز عنهم، ويحترم خصوصيات الاخرين، والعدو كل من يريد الشر بالعراق والعراقيين، ويعمل على الضّد من مصالحهم وحقوقهم، مهما كان انتماؤه ولأي طائفة او قومية ينتسب.

س12/ ما الذي يجمع سماحتكم – كرجل دين- برجال الدين الشيعة الآخرين على اختلاف توجهاتهم؟ ما هي أُطر الإجماع والاختلاف بينكم فيما يخص الشأن العراقي؟

الجواب: اذا كنّا ندعو الى التعايش والتكامل مع من لا يشاركنا في الدين والعقيدة والقومية فتحصيل ذلك اقرب وأيسر مع نظرائنا والمشتركات كثيرة بفضل الله تعالى، ولو وجدت اختلافات – وهو امر طبيعي بين البشر- فيمكن النظر فيها ومعالجتها بما يحفظ وحدة الامة ومصالحها العليا.

 

محـمـــد اليعقــوبي

النجف الاشـرف

1/صفر/1436

 

  8/11/2014