تقسيم أبواب الفقه

| |عدد القراءات : 5321
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

تقسيم أبواب الفقه

الفقه في اللغة يعني الفهم والمعرفة والتوصل إلى حقيقة الشيء وتفاصيله من خلال سبر أغواره لأنّ أصل معناه الشق والفتح.

والمتتبع لموارد الكلمة في القران الكريم يجد أنّ المراد منها معرفة خاصة، وهي المعرفة بالله تبارك وتعالى التي تضم منظومة كاملة من العقائد والأخلاق والأحكام، فحينما يقول تبارك وتعالى (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَالِ ِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (النساء : 78).

فإنّه يشير إلى نقص في المعرفة بالله تبارك وتعالى بأنّه هو المدبر الحقيقي للموجودات والمتصرف فيها.

وبث الله تبارك وتعالى الآيات والمواعظ والدلائل لتدل عباده عليه وحثهم على الاستفادة منها (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أو مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أو يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (الأنعام:65) (وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيات لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (الأنعام:98).

ووبخ تبارك وتعالى من لا معرفة له في عدة مواضع (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ) (الإسراء:46) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا) (الكهف:57).

ويشهد له ما في الروايات المأثورة عن المعصومين (عليهم السلام)، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ألا أخبركم بالفقيه حقاً ؟ من لم يقنّط الناس من رحمة الله، ولم يؤمّنهم من عذاب الله، ولم يؤيّسهم من روح الله، ولم يرخّص في معاصي الله، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره([1]).

لكن المصطلح اختص في عرف المتشرعة بالعلم بالأحكام الشرعية خاصة، وتحول الفقه من رؤية متكاملة تهذب النفس وتطهر القلب وتنظم حياة الإنسان في حركة متناغمة مع إرادة الله تبارك وتعالى إلى علم متخم بالمصطلحات والقواعد والمسائل لا تسمو بالروح، وقد ينهي طالب العلم دورة فقهية كاملة دون أن يمر بآية كريمة أو حديث شريف أو موعظة حسنة وفي ذلك خسارة كبيرة، ولذا تجده لا يحصن صاحبه من مشاعر الحسد والأنانية والمراء والجدال وحب الجاه وطلب السمعة والقدسية في قلوب الناس والتزلف إلى الحكام والمترفين.

لذا فإنّ (الفقه) بمعناه المتعارف غير كاف لتحقيق الهدف الذي من أجله حث الله تبارك وتعالى المؤمنين للنفر لطلب العلم والتفقه في الدين وهو تحقق الحذر من الله تبارك وتعالى، وهو لا يتحقق إلا بالمعرفة بالله سبحانه قال عز من قائل (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إذا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة : 122).

وبهذه المعرفة - لا بالعلم بالمصطلحات والمسائل الشرعية فقط- أصبح المؤمن الواحد يعادل عشرة من جيش الكفار (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ) (الأنفال : 65).

وفي ضوء النقص في هذه المعرفة وضعفها عن تحريك الإنسان نحو الأهداف الحقيقية خفّف الله تبارك وتعالى التكليف عن المؤمنين (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال : 66).

وإنّما ذكرت هذه المقدمة لأمور([2]) :

1- فهم المعنى الحقيقي للفقه والفقيه في الكتاب والسنة لكي نستطيع تطبيقه بدقة على مدّعيه والتأكد من مصداقية منتحلي العنوان قبل الالتزام باتباعهم والأخذ عنهم.

2- تحريك الإنسان المسلم نحو الحقيقة الكبرى في الوجود وهي المعرفة بالله تعالى.

3- تصحيح مسار علم الفقه المتعارف وكتبه لكي يستوعب كل استحقاقات هذا العنوان الضخم.

وقد يكون أحد الأعذار لفقهائنا خصوصاً المتأخرين أنّ العلوم قد تشعّبت وتعمّقت وكثرت تفاصيلها فيكون من المفيد فصل مسائلها ومواضيعها، فأصبحت العقائد علماً مستقلاً وكذا علم الأخلاق والعرفان، واختص العلم بالأحكام الشرعية بعنوان( الفقه) وبقي على طالب الحقيقة أن يأخذ كل علم من مظانه.

وجمعاً بين الحقّين سنحاول إثراء الرسالة العملية ببعض النكات المختصرة لإلفات النظر وتحريك الساعي إلى الكمال نحو ما ينفعه ويرشده إلى الطريق بإذن الله تعالى.


 

أبواب الفقه

قسم الفقهاء أفعال المكلفين التي وردت الأحكام لتنظيمها وفق الشريعة المقدسة إلى: ما يشترط قصد القربة إلى الله تعالى في صحته والاكتفاء به كالصلاة والصوم، وإلى ما لا يشترط وإن كان قابلاً للإتيان به كذلك لتحصيل الثواب عليه، والأول هو العبادات وفق المصطلح الفقهي، أمّا الآخر فهي المعاملات بمعناها الواسع، وهي: أمّا أن تكون متقومة بطرفين كالبيع المرتبط بعرض البائع ورضا المشتري، وكالنكاح المنعقد بعرض الزوجة ورضا الزوج وهكذا، أو لاتكون كذلك، والأول وهو الثاني بحسب التسلسل العام هو العقود، والثاني أمّا أن يكون متعلقاً بفعل طرف واحد كالطلاق الذي هو إنشاء الزوج خاصة من دون مدخلية للزوجة فهي الإيقاعات وهو القسم الثالث من التسلسل العام، أو لايكون كذلك وهو الأحكام كالإرث والحدود والديات وغيرها.

وفي ضوء هذا التقسيم جعل المحقق الحلي (قدس سره) كتابه الشريف (شرائع الإسلام) في أربعة أجزاء قبل ثمانية قرون تقريباً وجرى عليه مَنْ خلفه من العلماء الصالحين.

 ولما كانت العبادات هي أشرف الأفعال لما فيها من القرب إلى الله تعالى وأشرف العبادات الصلاة لأنها عمود الدين، فقد قدموها على غيرها، ولما كانت الصلاة متوقفة على الطهارة ومشروطة بها فقد افتتحوا الكتب الفقهية بالطهارة ثم بكتاب الصلاة فبقية الكتب.

ونحن سنجري معهم في هذا الطريق الشريف، وينبغي للمسلم أن يلتفت إلى أنّ هذه التكاليف لا يراد منها الأداء الشكلي الخارجي لها فحسب وإنّما تستهدف بناء شخصيته وضمان سلامة مسيرته في الحياة والفوز بالسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة وتحقيق الطهارة والسمو له، قال تعالى عن ذبح الهدي في الحج (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) (الحج : 37) وقال تعالى عن علة دفع الحقوق الشرعية: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة : 103).

وسئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن كيفية التعرف على أنّ الصلاة مقبولة أو لا، فجعل الإمام (عليه السلام) معياراً لذلك وهي قدرتها على نهي صاحبها عن الانحراف في السلوك وخبث النوايا، فجعل نسبة قبولها بمقدار نجاحها في تحقيق هذا الهــــدف مســـتنداً إلــى قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت : 45).




(1) وسائل الشيعة : 4/829.

(1) توجد تفاصيل أكثر في كتاب (شكوى القرآن) ص92 وما بعدها وبحث (دليل سلوك المؤمن) في كتاب (الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) كما أعرفه)