ملاحظات حول مشروع هيكلة الشركات الصناعية العامة

| |عدد القراءات : 11519
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

 

بسمه تعالى

ملاحظات حول مشروع هيكلة الشركات الصناعية العامة

نظـّمت الحكومة اليوم الخميس 12/2/2015 مؤتمراً شارك فيه خبراء دوليون لمناقشة مبادرة تطوير القطاع الخاص لتنويع مصادر الدخل، بعد توصية مجلس الوزراء بذلك في جلسته المنعقدة الثلاثاء الماضي.

ولا شك أن العنوان الذي حملته المبادرة يمثل طموحاً وتطلـُّعاً للعراقيين لكي يـُخرِج بلدهم من احادية الدخل، فينهض ويتقدم ويزدهر بإذن الله تعالى.

لكن التجارب السابقة في التعاطي مع مثل هذه المبادرات محبطة ومؤلمة لأنها لم تـُنفّذ كما يجب، وكان لها ظاهرٌ معلنٌ أمام الملأ لتمريره، وباطنٌ يمثل الغرض المطلوب لبعض الساسة المتنفذين، وفي كل مبادرة كانت التجربة تنتهي بتنفيذ الجزء الباطن منها أعني الفقرات التي تنتفع بها الطبقة المتنفذة وتفتح لها أبواباً واسعةً للفساد والإثراء على حساب الشعب المحروم، وتترك الجزء المـُعلن منها أي الفقرات الاخرى التي يوهمون بها الشعب ويعلـّقون عليها آمالهم.

وهذه التجارب تجعلنا نقلق من نتائج هذه الخطة وتداعياتها السلبية ونطالب بأن تكون العملية بإشراف خبراء ماليين وقانونيين وفنيين واقتصاديين وسياسيين يتصفون بالكفاءة والنزاهة والوطنية.

 فإن هذه الخطة تتضمن - مثلاً- هيكلة الشركات العامة المرتبطة بالحكومة وتحويلها الى شركات مختلطة مساهمة أو خاصة، والمتوقع أن بعض منشآتها وأجهزتها وآلاتها التي تقدّر بالمليارات  ستُباع بسعر التراب ويستحوذ عليها عدد من الحيتان الكبيرة الذين لهم يد في الفساد المستشري، أو بعض الذين تحتضنهم دول المنطقة أو الدول الكبرى لتجري عليها تأهيلاً بسيطاً وتعيد بيعها أو طرحها في سوق الأسهم بسعر الذهب، لأن الكثير من هذه المؤسسات هي شركات منتجة وقادرة على منافسة الصناعات المستوردة حيث يعرف المطـّلعون أن عدداً من هذه الشركات الناجحة والمنتجة قد صُرف عليها المليارات لتزويدها بخطوط إنتاجية جديدة ومكائن حديثة خلال السنوات الماضية، لكنها ستـُعتبر (سكراب) وتُحسب بأسعار زهيدة.

علماً أن العيب ليس فيها وإنما في سوء إدارة الحكومات المتعاقبة وولاء القائمين عليها لإرادة ما وراء  الحدود وتنفيذ أجندات مدمّرة للعراق من أجل منافعهم الشخصية ورعاية مصالح أسيادهم فكان مصير تلك المعامل الضخمة والمعدات الحديثة أن تُركن جانباً وتعطـّل، وساعد على فشلها عدم توجه مؤسسات الدولة الى التعامل مع إنتاج الشركات العامة.

فوزارة التربية تطبع في الخارج ومطابع الدولة معطـّلة رغم تجهيزها بمكائن حديثة.

 ووزارة الكهرباء تستورد محوّلات من الخارج وتترك إنتاج شركاتنا الوطنية  المبدعة.

 ووزارة التجارة تستورد ملايين الأطنان من الحبوب وبنفس الوقت يـتلف عندها مئات الآلاف من أطنان الحبوب بسبب عدم بناء مخازن تـُحفظ بها الحبوب.

ولو أن وزارتي الداخلية والدفاع سَدّتْ احتياجات منتسبيها من إنتاج معامل الألبسة والخياطة والنسيج الوطنية الذي لا يقل جودة عن المستورد لكانت هذه الشركات رابحة.

 إن الدولة العراقية تتعرض لعملية سرقة منظمة واسعة النطاق لا تُبقي ولا تذر شيئاً مما تصل اليه أيدي المفسدين، كالذي حصل بعد انهيار وتفكـّك الاتحاد السوفيتي عام 1991 من إثراء عدد من زعماء المافيات والمرتبطين بإرادات دولية على حساب المال العام، والوضع في العراق أسوأ وأخطر، لأن الفوضى عارمة  ولا توجد إدارة صالحة لإدارة مؤسسات الدولة وصرف المال العام، ولا جدّية في محاسبة رؤوس الفساد والخراب.

ويعرف المتتبعون شواهد لا تُحصى في المجال الصناعي والزراعي والتجاري على انتهازية الكثير من الساسة العراقيين المتنفذين بالاتفاق مع أسيادهم لتدمير كل نهوض اقتصادي وطني ليبقى العراق مرتعاً لفسادهم وبقرة حلوب للحرام الذي يأكلونه في بطونهم ناراً، وليبقى العراقيون مستهلكين لصناعتهم البائسة.

 ومن الأمثلة الواضحة ميناء الفاو الكبير المعطـّل منذ عشر سنوات مع ما فيه من ازدهار للاقتصاد وعدد كبير من فرص العمل.

 والتعطيل المتعمّد لمعامل وزارة الصناعة في مختلف محافظات العراق خصوصاً المعامل العملاقة في البصرة لتـُباع في سوق الخُردة وإعطاء رُخص استثمار لشركات أجنبية تعمل في نفس الموقع مستفيدة من منشآت ومعدات ومواد نفس المشروع الوطني المعطـّل.

 ويعاني القطاع الخاص من نفس المشكلة إذْ ما إنْ يـُنجز مشروعٌ وطني مثمرٌ حتى يتعاون رؤوس الفساد مع الدول التي يعملون لمصالحها على محاربته بتخفيض الأسعار ومقاطعة منتوجه حتى يخسر المشروع ويُغلق[1]، ولو كان للسياسيين المتنفذين ذرة من الوطنية لشجـّعوا الصناعة الوطنية ودعموا منتوجها.

إن من حقّنا أن نسأل لماذا لا يتم تنشيط القطاع الخاص ودعمه إلا من خلال هيكلة وتصفية الشركات العامة؟ وأين جهود الحكومة في دعم مشاريع القطاع الخاص وحماية المنتوج الوطني؟ حتى نثق بمصداقية هذه المبادرات.

إن ما زعمه منظمو المؤتمر المذكور من عدم تضرر عشرات أو مئات آلاف المنتسبين لهذه الشركات التي يناهز عددها المئتين هو مجرد تخدير وامتصاص نقمة هؤلاء المستضعفين وعوائلهم، لأن هذا الادّعاء لا يمكن الوفاء به ولا يُصدّق به عاقل  ويتقاطع تماماً مع أهداف الخطة المعلنة، ومصالح المستثمرين.

إننا إذ نواسي العراقيين في المحن والبلاءات التي يمرّون بها ونـُبصِّرهم بالطريقة الغريبة التي تـُدار بها امور الدولة ومؤسساتها وندقُّ أمامهم نواقيس الخطر ليطالبوا بوضع آليات وقوانين تضمن حقوقهم  ومصالحهم، ولينشروا هذا الوعي في أوساطهم خصوصاً النُّخب التي يُعوَّل عليها، نطالب الحكومة أن تستحضر مسؤولياتها أمام الله تبارك وتعالى وأمام الشعب ومحاكمة التاريخ، فإن من أهم مسؤولياتهم الرفق بالشعب والشفقة عليه وخدمته وتحرّي أفضل المصالح له  (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) / الصافات24

 

                   محمد اليعقوبي / النجف الاشرف

                         22/ربيع الثاني/1436

                     12/2/2015



[1] عرضت قناة الحرة عراق في النشرة المسائية ليوم 9/2/2015  تقريراً عن افتتاح معمل ضخم لتصنيع السكر الأبيض الناعم بطاقة إنتاجية تزيد عن 3000 طن يوميا وأنها تكفي لحاجة السوق المحلية وكلّف 250 مليون دولار لمستثمرين عراقيين وعرب ويعمل فيه حاولي آلاف من الفنـّيين والعمال وبعضهم عرب، واشتكى مدير المعمل من أنه ما إنْ بدأ إنتاج المعمل حتى تحرّكت بعض دول الجوار لكسر سوق السكر لإجهاض المشروع.(إنتهى ملخص الخبر) فكيف نصدّق بدعم وتنشيط القطاع الخاص.