الشيخ محمد علي الشيخ يعقوب الحاج جعفر الحلي

| |عدد القراءات : 6307
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الشيخ محمد علي الشيخ يعقوب الحاج جعفر الحلي

مولده ونشأته :

ولد شيخنا المترجم في منتصف شهر رمضان سنة 1313 هـ في مدينة النجف الأشرف وفي نفس تلك السنة هاجر والده المرحوم الشيخ يعقوب الحاج جعفر إلى مدينة الحلة لظروف قاهرة .

فنشأ شيخنا المترجم في مدينة الحلة الفيحاء ... المدينة العربية العريقة المزدهرة بنوادي العلم ومحافل الأدب . وفي سنة 1322 وهو في التاسعة من العمر شرع يتعلم القراءة والكتابة ونسخ الخط ، وكان لا يعطيه مؤدبه إلا القطع الشعرية المختارة كهائية الشيخ كاظم الازري الشهير ، ومن ثم بدأ يحفظ الكثير منها ومن غيرها عن ظهر قلب .

وفي سنة 1324 هـ وهو بعد لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره رأى والده الشيخ يعقوب رغبته الملحة في الأدب وحفظ الشعر فبدأ يعمل على توجيهه وتنمية قابلياته فاختار له قراءة ديواني (الشريف الرضي) و(السيد حيدر الحلي) فعكف على قراءتهما استظهار ودراسة حتى استوعب أغلب شعرهما .

وفي مجال التراجم والأدب أرشده بادئ ذي بدء إلى مطالعة (وفيات الأعيان) لأبن خلكان ، هذا بالإضافة إلى ما كان يلقيه عليه من دروس في النحو والصرف والمعاني والبيان والبديع .

وفي الوقت نفسه رأى والده أيضاً ميوله الشديدة إلى سلوك طريق الوعظ والارشاد عن طريق المنبر الحسيني فأخذ يرتب له المواضيع الدينية والحاضرات الأخلاقية والتاريخية أشباعاً لرغبته في الخطابة المنبرية كما وألزمه في كل يوم بحفظ قصيدة أو مقطوعة من المراثي الحسينية لمشاهير الشعراء المجلين في هذه الحلبة لينشدها في جامع العلامة السيد محمد القزويني بعد فراغه من تأدية الصلاة ، وكان خلال ذلك يلقى من السيد القزويني كل تشجيع ورعاية مما حرضه على مواصلة الجهد ومضاعفة السعي في حفظ الشعر والمواضيع المنبرية ومن هنا بدأ ارتقاؤه للأعواد وبدأت خدمته لأهل البيت التي واصلها ـ بكل فخر واعتزاز ـ طيلة ستين عاماً من عمره الكريم .

وبتوجيه من أبيه وتشجيع السيد القزويني ازدادت رغبته في الأدب فأخذ يتردد على محافل العلماء وأندية الأدباء ـ وما أكثرها يومئذ في الفيحاء ـ فكانت تلك الندوات أشبه بالمدارس الأدبية والمعاهد الثقافية التي يتخرج فيها فطاحل العلم وفرسان الأدب ، فصقلت تلك الاندية مواهبة وفتحت اكمال قابلياته وحببت إليه الأدب فأنصرب إليه حتى أصبح من أعلامه وأقطابه .

وفي سنة (1329) توفي المرحوم والده فأنقطع حينذاك إلى ملازمة العلامة السيد محمد القزويني فغمره برعايته وأفاض عليه من علمه الغزير وأدبه الجم وثقافته الواسعة وأخلاقه الكريمة وكان يوليه عناية فائقة ويدأب على تعليمه وتوجيهه وذلك بما يمليه عليه من محاضرات مرتجلة تجمع بين الفقه والأصول وتفسير القرآن الكريم والأدب واللغة والنقد والتاريخ . فكان السيد القزويني مدرسته التي نشأ في حجرها ورضع صفو درها حيث كان عليه جل تحصيله العلمي والأدبي .

وخلال ملازمته وتلمذته على يد السيد القزويني تعرف على جماعة من علماء النجف الأعلام وأدبائها المشهورين كالعلامة السيد حسين القزويني والمجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي والعلامة الشيخ علي كاشف الغطاء وولده الحجة الشيخ محمد الحسين والسيد رضا الهندي والشيخ جواد الشبيي وولده المرحوم الشيخ محمد رضا وأضراب هؤلاء ممن كانوا يفدون على الحلة وينزلون في ضيافة السيد القزويني . وكان يحظى بأعجاب وتقدير كل من يتصل به من هؤلاء الفطاحل الأعلام ما كان يتحلى به من القابليات والمواهب . واتفق مرة للعلامة الشاعر الشهير السيد رضا الهندي أن زار الحلة سنة 1333 هـ فكتب بعد رجوعه إلى شيخنا المترجم ـ وهو يومئذ لم يتجاوز العشرين عاماً ـ رسالة مصدرة بالأبيات التالية :

رسالة صب بعيد الوطن      قليل العزاء كثير المحن
بـتـذكاره  لـلـياليكم      يكاد  يجن إذا الليل جن
يـسر ويـعلن أشواقكم      فطاب  بكم سره والعلن
ولـما تـملكتم من لذيد      لقاكم  هواي بأغلى ثمن
طلبت  من الدهر لقياكم      فـمن  قـليلاً به ثم من

وفي ذلك العهد كان السيد القزويني يساند الحركة الديمقراطية ويؤازر جمعية الاتحاد والترقي ضد السلطة الاستبدادية الحميدية فكان شيخنا المترجم ـ وجماعة من أقرانه ـ مولعين بتتبع تلك القضايا فيتابعون سيرها وتطورها ويتلقفون ما يصل إلى أيديهم من الجرائد البغدادية آنذاك (الزهور) و(الرقيب) و(الزوراء) و(صدى الإسلام) ، ومجلة (العرفان) اللبنانية فيقرأونها بشغف وتكتم واستخفاء لابتعاد الناس يومذاك عن كل حركة تجددية .

ولما اختل نظام الحكم التركي في الحلة ـ على أثر ثورة الاهلين على الحكومة المحلية أواخر سنة 1333 هـ بحيث صار الأهالي يحكمون أنفسهم بأنفسهم ـ كما اتفق مثل ذلك في كل من النجف وكربلاء خرج شيخنا المترجم مع عائلته مهاجراً إلى قرية (جناجة) قرب (طويريج) على ضفة (الهندية) اليسرى . وفي تلك الفترة هاجر من كربلاء إلى (جناجة) أيضاً الشاعر العراقي الشهير الحاج محمد حسن أبو المحاسن فراراً من حوادث كربلاء فأقام في تلك الفترة بقرية (جناجة) التي كانت قاعدة لأملاكه فانتهز شيخنا المترجم فرصة وجوده مع أبي المحاسن فدرس عليه شطراً من الأدب واستفاد الكثير من مجاميعه المخطوطة الذي كانت تحتوي على المختار من آثار أدباء كربلاء وبغداد والنجف ، كما استنسخ الكثير منها وبصورة خاصة ديوان شعره الذي نسخ كثيراً منه ، وحين رأى أبو المحاسن ولع المترجم في مجاميعه وديوانه أنشأ فيه هذين البيتين :

وصـاحب  عـاشرني مـدة      فـكان  مـن خيرة أصحابي
يصبو إلى شعري فلا بدع أن      سميته (الصاحب) و(الصابي)

وحين نشرت الصحف آنذاك نبأ انزال بريطانيا قسما من جنودها في سواحل إيران الجنوبية وكانت روسيا قد احتلت القسم الشمالي منها مما دفع المترجم إلى نظم قصيدة عامرة يستنهض فيها إيران للدفاع عن كيانها واستقلالها ونشرت في جريدة (الزهور) البغدادية . ومطلعها :

أما آن يا إيران ان تعلن الحرب    فقد جلت البلوى وقد عظم الخطب

فقرضها أبو المحاسن بمقطوعة رقيقة منها قوله :

لـقد  قـرظت أذنـي مـنك قصيدة      كـأن  مـجالي نظمها اللؤلؤ الرطب
ومـن راح يـصبو لـلغواني فأنني      لنظم  (علي) القدر بين الورى اصبو
(مـحمد)  الـشهم (الـعلي) مـقامه      هو السيف مصقول الغرارين لا ينبو
لـه  قـلم قـد حـل بـاريه صنعه      هو الاسمر العسال والمرهف العضب
إذا خـمـدت أفـكـار قـوم فـانه      لـذو  فـكرة تذكو ضراما ولا تخبو

دوره في الجهاد :

وحين نفر المتطوعون للجهاد من مدن العراق وعشائره للدفاع عن البلاد واسترجاع البصرة بعد سقوطها بيد الانكليز بقيادة العلامة المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي في أواخر المحرم سنة (1333) هـ وشيخنا المترجم يومئذ في مدينة (السماوة) بحكم مهنته المنبرية وكان متحمساً للقضايا الوطنية ومندفعاً للانضواء تحت راية الجهاد هذا بالاضافة إلى مواهبه وقابلياته وصفاته الكريمة التي اكسبته ثقة علماء الدين الأعلام فما كان إلا أن زوده السيد الحبوبي بكتاب يأمره فيه بتحريض عشائر (السماوة) و(الرميثة) على الانضمام في صفوف المجاهدين إلى أن كان ما كان من الاندحار واستيلاء الانكليز على (الناصرية) بعد وفاة العلامة المجاهد السيد الحبوبي فيها في شهر شعبان من تلك السنة ، وكان المترجم لا يزال أثناء ذلك مرابطاً مع القوم إلى أن حل شهر محرم الحرام من سنة 1335 هـ فوردت الانباء من الحلة بوفاة العلامة السيد محمد القزويني ودخول (عاكف) إليها وما ارتكبه جيشه فيها من الفضائع التي أوغرت صدر الشعب العراقي على الأتراك وانتهت بجلائهم عن العراق ، فلم ير المترجم بدأ من الرجوع إلى الحلة فوجدها محاصرة بالجيش التركي في الداخل والخارج وما كان يستطيع الدخول إليها ولا يحلم بالنجاة من الحكم بالاعدام بتهمة أنه أحد الفارين من (الجندية) لو لم يكن محتفظاً بكتاب السيد الحبوبي فدخل الفيحاء ورأى بعينيه آثار الدمار والفتك الذريع بمعالمها ووجد دار سكناه منهدة الارجاء وقد أودى الخراب والحريق بما فيها .

وبعد سقوط بغداد في أواسط سنة (1335) عاد على النجف الأشرف فألقى فيها عصا الترحال ليستجم من عناء تلك السنين المرهقة ، إلى أن شبت نيران الثورة العراقية في الفرات الأوسط والتي كان شيخنا الفقيد يخوض غمارها حيث شهد معارك (الهاشمية) ونواحيها نظراً لما بيته وبين زعماء تلك الأطراف من روابط قديمة وعلائق أكيدة وكانت مواقف الثوار يومئذ في الجهة الغربية على الضفة اليمنى من فرات الحلة وتقابلها جماهير الثوار المرابطة حول قرية (الحصين) على الفضة الشرقية اليسرى التي كان يتوسطها السيد أبو القسام الكاشاني والشيخ محمد جواد الجزائري وغيرهما من رجال الدين لتنظيم الهجوم على مراكز العدو في الحلة وقد الهبت تلك الثورة عواطف الفقيد فتفجرت قريحته بعدة قصائد حماسية منها قصيدته الشهيرة نظمها سنة 1338 هـ والتي منها قوله :

أحـبـتنا بـسـاحات الـكفاح      ثـقوا بـالنصر فـيها والنجاح
سـمحتم  بـالنفوس لـها فكنتم      مـثـالاً  لـلشجاعة والـسماح
زأرتـم  كـالأسود غداة رامت      تـروعـها الأعـادي بـالنباح
وكيف  تطيب في الدنيا حياة ال      فـتى  فـي ظل شعب مستباح
وخـير  مـن رجال في قصور      شـباب  يـستظل شبا الصفاح
ومـا  سـيان كأس دم الأعادي      وكـأس طـلى يطاف به وراح
كـتبتم  بـالدماء سـطور مجد      نـواصع  ما لها في الدهر ماح
بـها تـتبجح الاجـيال فـخرا      وتـطريها  بـألسنها الـفصاح
بها ابتهجت نواحي الشعب بشرا      (ولـندن)  مـنه باكية النواحي
فـان لـم ألـق بـينكم حمامي      عـسى  احظى بتضميد الجراح

وبعد اندحار الثوار والشروع بالمفاوضات وتأسيس المملكة العراقية غادر شيخنا المترجم النجف إلى الكوفة بحكم مهنته المنبرية ونزولا عند الحاح أهلها فقضى فيها بضع سنين وبعد ذلك ألزمه آية الله المغفور له السيد أبو الحسن الأصفهاني بالنزول إلى مدينة (الحيرة) والإقامة فيها لاسباب اصلاحية استدعتها ظروف تلك المدينة فقضى فيها فترة من الزمن استوحشته خلالها اندية النجف الأديبة وافتقدته أعوادها الحسينية مما دفع الشاعر الكبير الأستاذ محمد مهدي الجواهري إلى أن يكتب له رسالة يبثه فيها شوق الاندية الأدبية إليه ويستحثه على العودة إليها ليوقظ الأدب من هجوده وصدرها بقصيدة غراء منها قوله :

هـجرت  الـديار فقلنا العفاء      لـربـع الـسـرور وزواره
وبـت  بـليل لـفرط الأسى      كـليل الـضجيع عـلى ناره
وظـل يـحن فؤادي المشوق      لـذكـر  الـحبيب واخـباره
ولو بنت لابنت عن ذا المحيط      لـضـاق عـلـي بـاقطاره
اطـلـت  الـمقام الا عـودة      تـحـيي الـغـري بـأنواره
لـعمري أسـاء إليك الصنيع      زمــان يـشـاب بـأكداره
كـذا  الدهر كم شاد من خامل      وحــر تـصـدى لانـكاره
عـلى الرغم تبدو وان رام أن      يـغطيك مـن مـوج تـياره
تـنم بـطيب شـذاك الـبلاد      كـما  الـروض فاح بأزهاره
بـعيشك  شاطر فؤادي الهموم      فـقد ضـاق صدري بأسراره
فـمثلك يـنهض قطر العراق      ويـجـمع أشـتات أحـراره
فـلا تـحرم الشرق من مقول      تــروع عــداه بـيـتاره
دعـوا ودعيت لنظم القريض      فـكنت الـسبوق بـمضماره
فـهل  أنـت تـغنمها فرصة      فـتنهض قـطرك مـن عاره

 

وبعد ذلك عاد شيخنا المترجم إلى النجف حيث طلب إليه آية الله السيد أبو الحسن العودة إليها وحيث كانت الحركة الأدبية الناهضة في النجف تستحثه إلى أن يكون في رعيلها الأول ، وهو في هذه الفترة قد تألق نجمه الخطابي حيث أصبح الخطيب الأول الذي بز جميع أقرانه بمحاضراته القيمة التي كانت تستهوي النفوس وتجتذب القلوب بما فيها من أدب وتأريخ وظرف هذا من جانب ، ومن جانب آخر عكف على البحث والتأليف واستيعاب كتب الأدب والتراجم التي استهوته منذ صغره فكان الخطيب المفوه ، والباحث المتتبع ، والمؤلف القدير ، والأديب المبرز ، والشاعر المجلي مما جعل اسمه يتردد في شتى أنحاء المدن العراقية والبلاد العربية والإسلامية .

تأسيس الرابطة الأدبية :

وفي تلك الفترة كانت الحركة الأدبية والنهضة الثقافية النجفية في عنفوانها فتداعى كبار الأدباء في النجف ـ وفي مقدمتهم فقيدنا الراحل ـ إلى تأسيس رابطة أدبية تجمع شمل الأدباء وتعمل على تطوير الأدب والنهوض به فكان ان تم تأسيس (جمعية الرابطة الأدبية) سنة 1351 هـ التي تعتبر أول مدرسة أدبية في تاريخ العراق الحديث والتي كان لها الفضل الأكبر في تخريج نخبة كريمة تعتبر من ألمع شعراء العراق في العصر الحاضر ، كما كانت بحق تمثل وجه النجف الأدبي بما تشارك فيه من مناسبات وتقيمه من احتفالات في المواسم الدينية والوطنية ، أو فيما تقيمه من محافل التكريم للوفود الأدبية والعلمية والسياسة .

وبعد فترة وجيزة من تأسيس (الرابطة) انتخبه أعضاؤها بالاجتماع عميداً لها تقديراً لمكانته الأدبية واعترافا بمنزلته  العلمية وبقي يتجدد انتخابه عميداً لها إلى أن لى نداء ربه الكريم .

مشائخه في الاجازة :

كان شيخنا الفقيد عالماً جليلاً وباحثاً كبيراً اجازه جماعة من كبار العلماء نذكر منهم الحجة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء والحجة الشيخ آغا بزرك الطهراني والحجة السيد صدر الدين الصدر الكاظمي والعلامة السيد حسين القزويني الحائري والعلامة السيد هبة الدين الشهرستاني وكل تلك الاجازات محفوظة في مكتبته بخط أيديهم هي ان دلت على شيء فانما تدل على احرازه ثقة العلماء فيه واعترافهم بفضله ، ومن هنا فقد كان رحمه الله ـ لسان علماء الدين الأعلام الذي يعبر عنهم في مختلف المجالات ، وصوتهم المدوي من فوق المنابر في مختلف الظروف منذ نصف قرن من الزمن .

صفاته وأخلاقه :

كان ـ رحمه الله ـ يمتاز بدمائه الخلق ، وعفة اللسان ، ورقة الطبع ، ونقاء السريرة والتواضع الجم مما جعله محبباً ومقدراً لدى جميع الطبقات بالإضافة إلى ذلك كان سخياً بنفسه ، لا يمنعها عن قضاء مصالح الناس ، وبذل الكثير من أوقاته في تكاليفهم ، فهو لم يتوان حتى في أيام شيخوخته ومرضه عن الاستجابة لما يطلب منه في التوسط وحل المشاكل ، والاصلاح وغير ذلك من الخدمات العامة التي يتطلبها المجتمع .

ولو حاولنا سرد ما يتحلى به من الصفات الكريمة والتي تدل على إنسانيته لخرجنا عن حد الاختصار ، ويكفي انه كان مثالاً للإنسانية الذي يحمل في نفسه روحاً طيبة اتصفت بالكثير من نواحي الكمال .

أسفاره :

وبالرغم من ضعف بنيته ، فقد كان بعلو همته يواصل سفره إلى الخارج كلما واتته الظروف وساعدته على ذلك صحته .

وفي مقدمة أسفاره تلك ، هو توفيقه إلى زيارة بيت الله الحرام (مكة) لأداء فريضة الحج ، والتشرف بزيارة قبر الرسول الكريم (ص) وعترته الطاهرة ، كما زار بيت المقدس في الاردن ، وسوريا ولبنان ، وإيران للاطلاع والتعرف ، والتشرف بالعتبات المقدسة .

وكذلك شد الرحال إلى (باكستان) لحضور مهرجانها التاريخي الخالد بمناسبة مرور ثلاثة عشر قرناً على ولادة الإمام علي عليه السلام تلبية للدعوة التي وجهت إليه بهذه المناسبة . فرفع هناك صوت الإسلام مدويا هو ونخبة من أقرانه من أهل العلم والفضل والأدب من أعلام النجف الأشرف وبغداد والكاظمية .

آثاره ومؤلفاته :

وفي خلال حياته الكريمة ، خلف فقيدنا الغالي مجموعة من آثاره ومؤلفاته العلمية والأدبية والتأريخية ، والتي تشهد كلها بتتبعه العلمي والأدبي وتعمقه في البحث والتحقيق .

ولقد طبع من هذه المجموعة عدد لا يستهان به كان موضع تقدير واكبار كافة الأوساط العلمية والأدبية .

أ ـ آثاره المطبوعة :

1ـ (المقصورة العلية) : وهي قصيدة تناهز الـ(450) بيتاً بزفيها مقصورة ابن دريد الشهيرة . وهي في سيرة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وقد طبعت سنة 1344 هـ وقد قرضها نخبة من العلماء ، والشعراء شعراً ونثراً منهم الحجة الإمام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء والعلامة الشهير السيد رضا الهندي ، وشاعر العراق في عصره الشيخ محمد حسن أبو المحاسن والحجة الشيخ عبد الكاظم الغبان والحجة الشيخ محمد طه الحويزي وفارس حلبة الأدب الأستاذ محمد مهدي الجواهري وغيرهم .

2ـ (عنوان المصائب في مقتل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام) طبع في سنة 1346 هـ .

3ـ الذخائر : وهو ديوان شعر خاص يتضمن ما قاله في أهل البيت مدحاً ورثاء وقد طبع سنة 1369 هـ .

وكان ـ رحمه الله ـ يعتبر هذا الديوان في مقدمة ذخائر ليوم الحساب فأوصى بأن يدفن معه في قبره وقد نفذت وصيته فوضع هذا الديوان عند رأسه في قبره .

4ـ البابليات : وهو موسوعة أدبية تأريخية تقع في أربعة أجزاء تبحث عن شعراء الحلة الفيحاء وأدبائها ، وبيوتها العلمية والأدبية ، وأهم حوادثها التأريخية منذ تأسيسها حتى العصر الحاضر وقد طبع سنة 1370 هـ وقرضه نخبة من الأعلام كالحجة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء والحجة الشيخ آغا بزرك الطهراني والأستاذ السيد محمود الحبوبي والخطيب الشيخ قاسم الملا وغيرهم .

5ـ ديوان شعره : الجزء الأول طبع في سنة 1376 هـ وبقي الجزء الثاني مخطوطاً ، ويعتبر هذا الديوان بحق سجلا لأحداث العراق ، والبلاد العربية السياسية والاجتماعية والوطنية منذ أكثر من نصف قرن . كما انه تعبير عن النهضة الأدبية الحديثة في العراق حيث كان المترجم في مقدمة فرسانها .

6ـ ديوان جهاد المغرب العربي : وقد أصدرته جمعية الرابطة الأدبية تضمن ما قاله عميدها في جهاد المغرب العربي .

7ـ الجعفريات : وهو مجموعة شعرية تضم ما قاله السيد ميرزا جعفر القزويني في رثاء أهل البيت وقد طبع سنة 1369 هـ .

8ـ ديوان الشيخ عبد الحسين شكر : وقد طبع سنة 1374 .

9ـ ديوان الشيخ عباس الملا علي : وقد طبع سنة 1374 .

10ـ ديوان الشيخ يعقوب الحاج جعفر (والد المترجم) وقد طبع سنة 1382 .

11ـ ديوان الشيخ محمد حسن أبو المحاسن : شاعر العراق في عصره وأحد كبار رجال الثورة العراقية . وقد طبع سنة 1383 .

12ـ ديوان الشيخ صالح الكواز وقد طبع سنة 1384 .

13ـ ديوان الحاج حسن القيم الحلي : وقد طبع سنة 1385 .

14ـ نقد كتاب شعراء الحلة طبع سنة 1372 هـ .

والحقيقة ان شيخنا الراحل أحيا في اصداره لهذه المجموعة من الدواوين والمجاميع الشعرية تراثاً أدبياً كبيراً كاد يندثر لولا جهوده ومساعيه . وقد كانت نيته متجهة إلى نشر دواوين شعراء آخرين مبرزين في مختلف العصور ولكن الاجل المحتوم لم يمهله لاحيائها ، وابرازها إلى عالم النشر .

ب ـ آثاره المخطوطة :

1ـ وقائع الأيام : وهو سفر تاريخي قيم ، فيه أهم الأحداث في كل من أيام السنة حسب الشهور العربية ، ويقع في جزئين .

2ـ جامع براثا : رسالة تتضمن دراسة مستفيضة عن هذا الجامع التاريخي .

3ـ مع الشريف الرضي في ديوانه ، ويقع في أربعة فصول : أولها ـ في ذكر شعر الشريف الذي لم يثبت بديوانه المطبوع ، وثانيها ـ في الشعر المنسوب للشريف في ديوانه وهو ليس له ، وثالثها ـ ما أخذه الشريف الرضي ممن سبقه من الشعراء ، ورابعها ـ فيما أخذه الشعراء المتأخرون من الشريف .

4ـ تعليقات ومؤاخذات على معجم البلدان لياقوت الحموي .

5ـ تعليقات ومؤاخذات على وفيات الأعيان لابن خلكان .

6ـ تعليقات ومؤاخذات على كتاب (أعيان الشيعة) للسيد محسن الأمين العاملي .

7ـ تعليقات ومؤاخذات على عبقرية الشريف الرضي للدكتور زكي مبارك .

8ـ تعليقات ومؤاخذات على ديوان (مهيار الديلمي) الذي تشرته دار الكتب المصرية .

9ـ تعليقات ومؤاخذات على ديوان (سبط ابن التعاويذي) .

10ـ تعليقات ومؤاخذات على ديوان الصاحب بن عباد .

11ـ تعليقات ومؤاخذات على ديوان دعبل الخزاعي .

12ـ تعليقات ومؤاخذات على ديوان الشيخ كاظم الازري .

13ـ تعليقات ومؤاخذات على ديوان الشيخ صالح التميمي .

14ـ ديوان شعره : الجزء الثاني .

 

وفاته :

وفي فجر يوم الأحد 21 جمادى الثانية 1385 هـ الموافق 17 / 10 / 1965 سكت هذا اللسان الصادق ، وخبا الضوء اللامع ، الذي طالما اعشى عيون الظالمين والمنحرفين .

فقد لبى نداء ربه الكريم بعد أن أدى رسالته الإسلامية على أكمل وجه ، وأسدى خدماته الجليلة في ميادين العلم والبحث والأدب مما جعله في مصاف الخالدين ، وروع النجف الأشرف خاصة ، والعالم الإسلامي عامة بفقيده عن ثلاثة وسبعين عاماً ، حافلة بالمآثر والمفاخر ، والجهاد والتضحية ، والمواقف المشرفة .