خطاب المرحلة (183)... يوم الغدير أساس وحدة المسلمين

| |عدد القراءات : 7012
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

يوم الغدير أساس وحدة المسلمين ([1])

السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته..

يتحدث المسلمون بجميع طوائفهم عن ضرورة الوحدة ونبذ الخلاف ويعقدون المؤتمرات و الندوات والحوارات تحت هذا العنوان وتصرف الأموال الضخمة في هذا السبيل دون أن يتحقق تقدّم يذكر وربما ازدادوا بعداً عن بعضهم، فأين الخلل ولماذا هذا العجز عن الوصول إلى الحل؟

يدلّنا القرآن الكريم على ما تتحقق به الوحدة بين المسلمين فانه يقول: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] (آل عمران:103).

وقد وردت الروايات في تفسير الآية بأن حبل الله هو القرآن الكريم وولاية علي بن أبي طالب والأئمة المعصومين (سلام الله عليهم) من ذريته، وتشهد نفس الآية على هذا التفسير، لأنها ذكرت أن العرب كانوا أعداء متباغضين فوحدّهم الله تبارك وتعالى وجمع كلمتهم بنعمة الإسلام، وقد أشارت آية أخرى إلى أن تمام هذه النعمة ونظام عقدها ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال تعالى: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً] (المائدة:3) وقد روى المفسرون من الطائفتين أنها نزلت بعد تنصيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأخيه وابن عمه علي بن أبي طالب (عليه السلام) خليفة وولياً وهادياً للأمة بعده يوم الغدير بعد حجة الوداع.

وإلى هذا أشارت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء في خطبتها في مسجد أبيها(صلى الله عليه وآله وسلم) (فجعل إمامتنا نظاماً للملة، وطاعتنا أماناً من الفرقة).

وولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ليست قضية عاطفية تجاه شخصيته العظيمة ولا عقيدة نظرية نؤمن بها وإنما هي باب ينفتح منه ألف باب من الاعتقادات والأحكام والآداب تكون برنامجاً كاملاً في المعتقد والسلوك على صعيد الفرد والأمة.

والأمة لم تقع فيما وقعت فيه من التخبّط والصراع والفتن المضلّة التي تسببت في إزهاق أرواح الأجيال بعد الأجيال من الأبرياء وخراب البلاد وانهيار الحضارة وعدم الاهتداء إلى الحق إلا بسبب عدم تمسكها بحبل الله المتين وصراطه المستقيم وعروته الوثقى التي لا انفصام لها. وهذا ما دعا عبد الله بن العباس وغيره من الصحابة العارفين يتأوه إلى نهاية عمره مما حصل في رزية يوم الخميس التي سبقت وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأيام، ويقول عن مسألة (العول) أي النقص في فرائض الميراث التي قال بها من لم يأخذ العلم من نميره الصافي وفندّها أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة من بعده (سلام الله عليهم) وفيها يقول عبد الله بن العباس بعد أن اثبت بطلان القول بالعول في رواية طويلة: قال (وأيمُ الله لو قدَّم من قدَّم الله وآُخّر من آخّر الله ما عالت فريضة))([2]) وهو يقصد بحسب الظاهر التقديم والتأخير في استحقاق الميراث لكنه كان يريد معنى أعمق من ذلك بأن الأمة لو قدّمت لولاية أمرها من قدّمه الله تبارك وتعالى واختاره لخلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما نقصت فريضة أو عُطّلت سُنّة.

إن استحقاق أمير المؤمنين (عليه السلام) للخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان سابقاً على يوم الغدير، أما الاحتفال الذي أقامه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غدير خم في طريق عودته إلى المدينة بعد حجة الوداع ودعا المسلمين إلى مبايعة علي بن أبي طالب (عليه السلام)  بالولاية والإمامة بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) تلبية لأمر الجليل تبارك وتعالى حيث انزل الآية الكريمة [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ]، أقول أما هذا الاحتفال فكان كاشفاً عن هذا الاستحقاق وإعلاناً رسمياً للتنصيب، وقد كان الكثير من الصحابة الأجلاء (رضوان الله تعالى عليهم) يعلمون أحقية أمير المؤمنين (عليه السلام) وبولايته وعرفوا بتشيعهم له في وقتٍ مبكر من حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فالنقاش إذن في دلالة قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الغدير (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) أو المناقشة في نزول الآية في قضية الغدير لا يقدّم ولا يؤخر وهي شبهة مقابل البديهة –كما يقول العلماء- لأن حق أمير المؤمنين في خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكتسبه من ذلك اليوم بل استحقه بما يحمل من صفات تؤهله لهذا المقام الشريف وقد أعلن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الاستحقاق في مناسبات عديدة سبقت قضية الغدير بسنين وكان بعضها-كحديث الدار- في وقت مبكر من البعثة في مكة المكرمة وفي حياة أبيه أبي طالب (رضي الله عنه) حتى تهكم بعض مشركي قريش من أبي طالب وقال له أن محمداً يدعوك إلى طاعة ولدك الصغير عليّ.

  أيها الأحبة من كل طوائف المسلمين.

إنني أريد بهذا الكلام أن أقول أن الوحدة بين المسلمين تتحقق بالعودة إلى كتاب الله تبارك وتعالى وسنّته الشريفة الصحيحة بعد تنقيحها من التلاعب والتزوير والدس الذي قام به المنافقون، وحينئذ سيلتقي جميع المسلمين عند الحقائق التي يعلمها الله تبارك وتعالى.

والوصول إلى الحقيقة وكشفها للناس وظيفة العلماء الأجلاء، ولا نصل إلى الحقيقة إلا بتحرير العقول من التقليد والتعصب والتحجّر وذلك بفتح باب الاجتهاد ودعوة العلماء الذين حصّلوا العلوم التي تؤهل لممارسة عملية استنباط الحكم الشرعي من مصادره الأصلية إلى عدم الوقوف على المذاهب المعروفة وتطبيق فتاوى أئمة المذاهب على الحالات التي تعرض عليهم وإنما يرتقون بمداركهم إلى استنباط الحكم الشرعي من الكتاب والسنة، وسيجد علماء المسلمين جميعاً أنفسهم عند تلك القمة السامقة متفقين متوحدين ينهلون من معين واحد ولا يختلفون إلا بالمقدار الطبيعي الذي يحصل بين علماء أي حقل من حقول العلم والمعرفة.

وقد وجدتُ خلال بحثي الفقهي الاستدلالي أن كثيراً من الروايات التي يستند إليها الفقهاء السنة و والشيعة في استنباط الحكم الشرعي متطابقة الألفاظ فضلاً عن المعاني، ويعود الفضل في ذلك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة من بنيه الطاهرين حيث بثوا عدداً ممن حملوا جملة من أحكامهم ومعارفهم ولا يجد المسلمون من غير أتباع أهل البيت حزازة في الأخذ عنهم كعبد الله بن العباس ونقل هؤلاء إلى عموم المسلمين علوم الشريعة من معدنها الصافي، وهذا نابع من رحمتهم وحبّهم للناس جميعاً حتى وإن أعرضت الأمة عن إعطائهم المكانة التي يستحقونها.

أرجو أن يساهم السادة الحضور وكل من يسمع هذا النداء المخلص لتفعيل هذه الدعوة المباركة في أروقة حواضر العلم صانها الله تبارك وتعالى في بلاد المسلمين.

وأسأل الله تعالى أن يأخذ بأيديكم لما فيه الصلاح والإصلاح وأن يثبت لكم قدم صدق عند مليك مقتدر، إنه ولي النعم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...



 ([1]) كلمة سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) التي ألقاها فضيلة السيد محمد الغريفي في الحفل الذي أقامته ممثلية المرجعية الرشيدة في العاصمة الألمانية برلين بمناسبة عيد الغدير الأغر لسنة 1428المصادف 29/12/2007.

 ([2]) وسائل الشيعة، كتاب الميراث، أبواب موجبات الإرث باب 17ح6.